♦ د. باسل ف. صالح *
♦ الحداثة ربيع 2019
استطاعت التقنيةُ اختزالَ تاريخٍ طويلٍ من المشاكل التي واجهت التفكيرَ التأمليّ الفلسفيّ والمعرفيّ العلميّ، وقد يلحظُ الباحثُ قولبةَ هذا التفكير في صيغةٍ جديدةٍ تختلفُ كيفيًّا عن تاريخِه، بعد أن استطاعت الثوراتُ المتلاحقةُ تحويلَ التقنيةِ من كونِها زاويةً صغيرةً في ميدانِ المعرفةِ العلميةِ، إلى قولبةِ الميدانِ المعرفيّ العلميّ بأكملِه، فتحولت من منحىً نفعيٍّ ضيّقٍ، إلى منحىً توسّع كثيرًا في نفعيتِه وأداتيتِه، وهيمنَ على الحقلِ المعرفيّ العلميّ نفسِه، وصبغَه بصبغتِه.
فإذا كانت ماهيةُ العلمِ معرفةَ الطبيعةِ، وفهمَ الكونِ، فإن ماهيةَ التقنيةِ هي التصنيعُ والإجراءُ، أي إنها منظومةٌ معرفيةٌ لغاياتٍ عملانية لها وقعُها على المجتمعِ والمؤسساتِ وعلى قيمِهما. لذلك، فقد استثارت سيلاً من الكتابات التي أشارت إلى خطرِها، هذه الكتاباتُ التي لم تبدأ مع الرومانسيين ولم تنته مع الوجوديين، وكُلُّها تحذّرُ من مشروعِ السيطرةِ، حيث يراها هايدغر مثلاً، أنها لم تعد أداةً بل أصبحت مشروعًا يسيطرُ على الإنسانِ المعاصرِ، خصوصًا أن الإنسانَ لم يعد قادرًا على التخلُّصِ من حتميتِها وضرورياتِها، بل سببت له التيهَ وعدمَ الاستقرارِ، وظهرت له بوصفها
د. باسل صالح |
فإذا كانت ماهيةُ العلمِ معرفةَ الطبيعةِ، وفهمَ الكونِ، فإن ماهيةَ التقنيةِ هي التصنيعُ والإجراءُ، أي إنها منظومةٌ معرفيةٌ لغاياتٍ عملانية لها وقعُها على المجتمعِ والمؤسساتِ وعلى قيمِهما. لذلك، فقد استثارت سيلاً من الكتابات التي أشارت إلى خطرِها، هذه الكتاباتُ التي لم تبدأ مع الرومانسيين ولم تنته مع الوجوديين، وكُلُّها تحذّرُ من مشروعِ السيطرةِ، حيث يراها هايدغر مثلاً، أنها لم تعد أداةً بل أصبحت مشروعًا يسيطرُ على الإنسانِ المعاصرِ، خصوصًا أن الإنسانَ لم يعد قادرًا على التخلُّصِ من حتميتِها وضرورياتِها، بل سببت له التيهَ وعدمَ الاستقرارِ، وظهرت له بوصفها