Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

أركان القصة القصيرة جدًّا - قراءة في تجارب لبنانيّة

د. هدى مجيد المعدراني - مجلة الحداثة

هدى مجيد المعدراني *


نبذة عن البحث


خلاصة كميّة كبيرة من الأزهار في نقطة عطر واحدة

ضياء قصبجي[1]



الأدب ابن بيئته، لذا فهو صورة معبّرة عن قيم تلك البيئة وعاداتها وتقاليدها، هو متنفّسُ حاجاتها، وحامل همومها. وإذا أراد أحدٌ التعرّف إلى حضارة ما، فإنّ أوّل ما يقوم به هو التعرّف إلى فنّها وأدبها لأنّهما تجسيد لرقيّها وأفكارها وإبداعاتها. والأدب العربي لطالما كان لسان حال القوم، ينطق بمآثرهم، ويعبّر عن أحوالهم. وإذا تتبّعنا التطوّر والتغيّر الذي لحق بالأدب العربي شعرًا ونثرًا نلحظ أنّه تغيّر ناجم عن تغيّر في متطلبات العصر الذي أنتجه. فما الشعر الجاهلي معنىً ومبنىً إلا صورة مطابقة لحياة الترحال التي كان يعيشها العربي في ذلك الزمان، وما سيطرة فنّي المدح والهجاء في العصرين الأموي والعباسي إلا انعكاس لحاجات الخلافة، ومتطلبات عزّها وسلطانها. كذلك الأمر بالنسبة إلى انتشار الوصف في الشعر الأندلسي، وهو ما فرضته الطبيعة الجميلة في الأندلس، مرورًا بعصر الانحطاط وما رافقه من تدنٍّ في المستوى الأدبي، وصولًا إلى عصر النهضة العربية وما رافقه من نهوض فكري تجلّى في أدب عصر النهضة العربية والمهجر.
واليوم في عصر العولمة، وعصر السّرعة، والتكنولوجيا، والتطوّر العلمي والتقني والرقمي طرأت على الذهنيّة البشريّة تحوّلات وتطوّرات فكريّة، وتبدّلت حاجات الناس وثقافتهم، ونما التفاعل مع كلّ ما هو جديد، والاستجابة لكلّ ما يلامس حاجات الفرد النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والفكريّة والفلسفيّة والوطنيّة.
ولمّا كان كلّ شيء من حولنا يتغيّر بصورة حادّة وصادمة وسريعة، كان لا بدّ من بروز جنس أدبي جديد يناسب المضمون المعرفي والحضاري الجديد.
ولمّا كان الوقت، وإن طال، قصيرًا، كان لا بدّ للمتلقي من أن يتجاوب مع النّصوص الأدبيّة الصغيرة الحجم، المصقولة التعبير، المكثفة المعاني، الخصبة الإيحاء، التي تطرق موضوعات جريئة محدّدة فلا تُشتّت الفكر إنما تضيء على قضايا ملحّة.
تمثلت هذه النّصوص الأدبيّة القصيرة بأشكال متعدّدة، وتناولها القرّاء تحت مسمّيات متعدّدة كالشذرة، والومضة، والومضة الشعرية، والقصّة الومضة، والقصّة في دقيقة، والقصّة المينيمالية، والقصّة القصيرة جدًّا، موضوع بحثنا هذا. وهي تُعَدّ "من أهم الأجناس الأدبية الحديثة التي ارتبطت بالتحولات المعاصرة للإنسان في القرن العشرين، هذا القرن الذي بدأ يعرف حياة متقدّمة... ألغت التأمّل والبطء في التفاعل مع الأشياء ليجد الإنسان نفسه في دوّامة من التغيّرات التي تستوجب السرعة في التكّيّف والتأقلم مع مستجدّات العالم الموضوعي. وقد أثّر هذا الجانب على المستويات الحياتيّة والثقافيّة والتعليميّة، فتخلّى الإنسان عن قراءة النّصوص المسترسلة والروايات الطويلة، وعوّضها بالنصوص الأدبية القصيرة وقراءة عناوين مقالات الصحف... لهذه الأسباب والدّواعي، ظهرت القصّة القصيرة جدًّا لتستجيب لهذه التحولات المعاصرة السريعة"([2]).


القصّة القصيرة جدًّا في الأدب العربي


لكن هل لهذا الجنس الأدبي "القصّة القصيرة جدًّا" أو "ق. ق. ج." مراحل تاريخية مرّ بها وتطورّ خلالها؟ هل "القصّة قصيرة جدًّا" فنٌ غربي وفد إلينا ليستجيب لحاجات عصرنا أم هي جنس أدبي ذو جذور عربيّة؟
لا فن وليد ساعته، ولا أدب يولد من فراغ. لا بدّ من جذور له فيشترك مع أجناس أدبية سبقته بصفات ومزايا ويختلف بأخرى. ولأنّ الأدب قائم على التأثّر والتأثير، والتلاقح المرجعي والثقافي، فإنّ القصّة القصيرة جدًّا، وإن كانت جنسًا أدبيًا غربيًّا ظهر في أميركا اللاتينية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين باسم Microrrelators ([3]) إلا أنّ في تراثنا العربي القديم مجموعة من الأشكال السّردية التي يقترب شكلها من القصّة القصيرة جدًّا. وهذا يعني أنّ للقصّة القصيرة جدًّا جذورًا عربيّة، تتمثّل في السّور القرآنية القصيرة، والأحاديث النبوية الشريفة، ومن ثمّ، يمكن عدّ الفن الجديد امتدادًا تراثيًّا للنادرة، والخبر، والنكتة، والقصّة، والحكاية، واللغز، والأرجوزة، والخطبة، والخرافة، وقصّة الحيوان، والمثل، والشذرة، والقبسة الصوفية، والكرامة..."([4]).
لكن هذا الجنس الأدبي تحت هذا المسمّى التجنيسي ظهر في العالم العربي مع الكاتبة العراقية بثينة الناصري في مجموعتها القصصية "حدوة حصان" الصادرة العام 1974 وتضمّنت قصة سمّتها الكاتبة قصّة قصيرة جدًّا[5]، ويعني هذا أنّ "السبعينيّات من القرن الماضي هي نقطة انطلاق القصّة القصيرة جدًّا في العالم العربي بوعي تجنيسي مقصود"([6])، وقد تبلورت القصة القصيرة جدًّا فنيًّا وجماليًّا "مع بداية التسعينيّات من القرن الماضي، وخاصة في العراق ودول الشام، وبالضبط في سورية، بيد أنّها لم تنتعش كمًّا وكيفًا إلّا في المغرب"([7]). فأين موقع لبنان في مجال كتابة القصّة القصيرة جدًّا؟

القصّة القصيرة جدًّا في لبنان


لعلّ أوّل من كتب قصة قصيرة جدًّا بطريقة عفويّة من دون وعي ودراية بهذا الجنس الأدبي هو "جبران خليل جبران في كتابيه التائه والمجنون"([8])، إذ خرج هذا الفن "عربيًّا من معطف جبران خليل جبران"([9]). أمّا في العصر الحالي فلعلّ قصصًا قصيرة جدًّا تُكتب في لبنان وتصدر عن دور النشر اللبنانية من دون وسمها بهذا الجنس الأدبي، فأكثر المؤلَّفات القصصيّة التي نُشِرت في لبنان لا تحمل على غلافها مؤشّر جنس القصّة القصيرة جدًّا(**)، ووظيفة المؤشّر الجنسي للكتاب هي "إخبار القارئ وإعلامه بجنس العمل/الكتاب الذي سيقرأ"([10]).
ولعلّ كتّابًا لبنانيين يصدرون كتبًا خارج لبنان ويستخدمون هذا المصطلح (القصّة القصيرة جدًّا) على الغلاف كالقاصّة ميشلين حبيب في مجموعتها القصصية القصيرة جدًّا "لأننا على قيد الحياة"([11]). كما نجد في بعض المؤلفات الأدبيّة قصصًا قصيرة جدًّا تحت هذا المسمّى كما في مؤلَّف بسمة الصيادي "معطف الرماد... جسد الضوء" (شعر وسرد وحكمة)([12]). وتشكّل نماذج من هذه الأضمومات القصصية القصيرة جدًّا مدوّنة البحث الذي بين أيدينا، ونشير إلى أنّ إغفال التجنيس الأدبي على غلاف الكتاب قد يكون مؤشّرًا إلى أنّ القصّة القصيرة جدًّا في لبنان ما زالت في مرحلة التجريب، وأنّ بعض القاصّين اللبنانيين ما زالوا يفتقرون إلى الوعي بأركان هذا الجنس وعناصره وتقنياته، فيهربون من التسمية، وبالتالي يتّقون الوقوع في خطأ التجنيس. فضلًا عن ذلك، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تزخز بكتابات تُتداول على أنّها قصص قصيرة جدًّا، لما يبدو من سهولة ظاهرة لهذا الجنس الأدبي، ولعدم معرفة بعض الكتّاب بأركان القصّة القصيرة جدًّا وشروطها، فاختلط الجيد بالرديء. لذلك يدرس هذا البحث أركان القصّة القصيرة جدًّا في نماذج قصصيّة لبنانيّة. وتقتصر الدراسة على الأركان للحكم على هذه النصوص إن كانت قصصًا قصيرة جدًّا أو أنّها تنتمي إلى جنس أدبي آخر، معتمدة مقاربة تحليليّة من دون التفصيل في تقنيّات القصّة القصيرة جدًّا التي سيُترك البحث فيها إلى وقت آخر.

- القصّة القصيرة جدًّا في النقد العربي


تناول النقد العربي القصّة القصيرة جدًّا بالدراسة والتحليل معتمدًا مقاربات مختلفة، وقد تعدّدت الكتب النقدية، نذكر منها:
1- أحمد جاسم الحسين، القصّة القصيرة جدًّا – مقاربة تحليليّة، سوريا، دار التكوين، 2010.
2- جاسم خلف إلياس، شعريّة القصّة القصيرة جدًّا، سوريا، دار نينوى، ط 1، 2010.
3- جميل حمداوي:
  • أ- خصائص القصّة القصيرة جدًّا عند الكاتب السعودي حسن علي البطران، مصر، دار السمطي للنشر والإعلام، ط 1، 2009.
  • ب- القصّة القصيرة جدًّا بالمغرب، قراءة في المتون، المغرب، منشورات مقاربات، ط 1، 2009.
  • ج- من أجل تقنية جديدة لنقد القصّة القصيرة جدًّا (المقاربة الميكرو سردية)، المغرب، شركة مطابع الأنوار المغاربية، 2011.
  • د- القصّة القصيرة جدًّا بين التنظير والتطبيق، المغرب، منشورات مطبعة حراء، ط 1، 2013.
  • ه- القصّة القصيرة جدًّا: أركانها وشروطها، المغرب، منشورات العارف، 2013.
  • و- القصّة القصيرة جدًّا بالمغرب: المسار والتطور، المغرب، مؤسسة التنوخي للطبع والنشر والتوزيع، ط 1، 2018. دراسات في القصّة القصيرة جدًّا، المغرب، منشورات المعارف ط1، 2013.
  • ز- دراسات في القصّة القصير جدًّا، المغرب، منشورات المعارف، ط1، 2013.
4- حميد لحمداني، نحو نظرية منفتحة للقصّة القصيرة جدًّا، المغرب، مطبعة انفوبرانت، ط 1، 2012.
5- حميد ركاطة، القصّة القصيرة جدًّا، قراءة في تجارب مغربية، المغرب، منشورات وزارة الثقافة، ط 1، 2013.
6- عبد الدائم السّلامي: شعريّة الواقع في القصّة القصيرة جدًّا، الدّار البيضاء، منشورات أجراس، ط 1، 2007.
7- سعاد مسكين، القصّة القصيرة جدًّا في المغرب، تصوّرات ومقاربات، المغرب، مطبعة التنوخي، ط1، 2010.
8- عبد العاطي الزياني، الماكروتخييل فـــــي القصّة القصيرة جدًّا بالمغرب، المغــــــرب، منشورات مقاربات، ط1، 2009.
9- محمد محيي الدّين مينو، فنّ القصّة القصيرة جدًّا- مقاربات أولى، دبي، منشورات مدرسة الإمام مالك الثانوية، ط1، 2000.
10- هيثم بهنام بـردى، القصّة القصيرة جـدًّا في العراق، العراق، منشـورات المديرية العامة لتربية نينوى، ط1، 2010.
11- يوسف حطيني، القصّة القصيرة جدًّا بين النّظريّة والتّطبيق، سوريا، الأوائل للنشر والتوزيع، ط 1، 2004.

أمّا في لبنان فلا يزال النقد بعيدًا من هذه التجربة الأدبيّة الجديدة، فلا يعدو المؤلَّف والمكتوب في هذا المجال سوى مقالات صحفيّة أو مداخلات نقديّة في ندوات نقديّة أو أبحاث قليلة.
ولا يدّعي هذا البحث بأنّه يتناول القصّة القصيرة جدًّا في لبنان من جميع جوانبها، لكنّه يأمل أن يكون هذا العمل نواة لعمل آخر لباحثين في هذا الموضوع.
من هنا، يعرض البحث بعض النماذج القصصيّة القصيرة، ويحلّلها من خلال اعتماد معايير محدّدة، سيُشار إليها لاحقًا. إذا توافرت أركان القصّة القصيرة جدًّا في النّصوص المختارة فهي كذلك، وإلّا فهي لا تنتمي إلى هذا الجنس الأدبي من دون أن ننفي عنها جماليّتها الأدبيّة، أو أنّها تنتمي إلى جنس آخر، ولن نكون بصدد تحديده.

- تعريف القصّة القصيرة جدًّا


القصّة القصيرة جدًّا أو "ق ق ج" هي جنس أدبي حديث، لها شكلها الأدبي "الخاص بها الذي يحقّق بنيتها من تكثيفها ومن زاوية الرؤيا لحدثها، ومن مقوّمات الجدّة فيها"([13])، لها أركانها وتقنيّاتها وعناصرها وإشكالياتها. يمكن لاسمها أن يعرّف بها؛ فهي "قصّة أولًا وقصيرة جدًّا ثانيًا، قصّة بمعنى أنّها تنتمي للقصّ حدثًا وحكاية وتشويقًا ونموًّا وروحًا، وتنتمي للتكثيف فكرًا واقتصادًا ولغة وتقنيّات وخصائص"([14]).
ويرى فيها "بعض النقّاد تعبيرًا عن لحظة تنوير أساسية، في إيجاز لغوي شديد لتبلغ في كثافة منقطعة النظير، وتقطير ليس له شبيه أفكارًا ورؤى، من خلال استقراء مكوّنات النصّ القصصي المكثّف إلى أبعد حدّ ممكن، وبنائيّة غير تقليديّة من خلال قضايا مكوّنات النصّ القصصي المكثّف إلى أبعد حدّ ممكن، وبنائيّة غير تقليديّة من خلال قضايا الواقع وقضايا الذات"([15]).
ويرى الباحث والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح أنّ القصّة القصيرة جدًّا "نشأت عن فن القصّة، وهي نوع جديد معاصر، انتشر أخيرًا انتشارًا واسعًا، وأصبح نوعًا سرديًّا قائمًا في حدّ ذاته". ويلحظ أن القصّة القصيرة جدًّا "تُعدّ بالحجم أصغر من القصّة القصيرة، وقد تكون من بضعة أسطر، وأحيانًا من سطر واحد أو جملة"([16]).
لكن ما قدّمه مبدعو القصّة القصيرة جدًّا في هذا المجال متنوّع، و"مختلف شكلًا وبناءً وخصائص"([17]) من حيث الطول، والقصر، والتكثيف، والإيجاز، والاختزال، والإضمار، واشتمالها على حوار وخلّوها منه، والتشذير، وتنوّع البدايات واختلافها، وكذلك النهايات، حتى "لا يكاد جنس من الأجناس الأدبيّة يماثل القصّة القصيرة جدًّا في تعاصيها (عصيانها) على التوصيف والتقعيد"([18])، فما هي أركان القصّة القصيرة جدًّا؟ أي ما هي المقومات الأساسية التي تُبنَى عليها القصّة القصيرة جدًّا، وبغيابها يفقد هذا الجنس مسمّاه؟
حدّد الباحث نبيل المجلي أركان القصّة القصيرة جدًّا في أرجوزة على غرار منظومات النحو والفقه والحديث فقال:
سرد قصير متناه في القصر
كالسهم، بل كالشهب تطلق الشرر
كتبها الأوائل الكبار
وليس يُدرى من هو المغوار
قد ميّزتها خمسة الأركان
حكاية غنية المعاني
وبعدها يلزمها التكثيف
ووحدة يحفظها حصين
واشترط الناس لها المفارقة
وأن تكون للحدود فارقة
وجملة فعليّة بها كمل
بناؤها وحقّه أن يكتمل([19])

إذًا، بحسب المجلي، فإنّ أركان القصة هي: الحكائية، التكثيف، الوحدة، المفارقة، الجملة الفعليّة.
ويرى لويس بريرا ليناريس أنّ أركان القصّة القصيرة جدًّا تتمثّل في: الدهشة، والعلاقة بين العنوان والحبكة والنّهاية، وتركيب الجمل في النص، واجتناب الشرح، وتنوّع النهاية، والسرد. ويحدّد الناقد الأرجنتيني راوول براسكا ثلاثة أركان جوهريّة للقصّة القصيرة جدًّا هي: الثنائية والتّناصّ وانزياح المعنى. أمّا النّاقدة الفنزويليّة بيوليطا رخو فترى أنّ مكوّنات القصّة القصيرة جدًّا هي: المساحة النّصية، والحبكة، والبنية، والأسلوب، والتّناصّ. وذهب الناقد المكسيكي لاوروز زافالا إلى أنّ خصائص القصّة القصيرة جدًّا هي: الإيجاز، والإيحاء، والتّناصّ، والطابع التقطيعي، والطابع الديداكتيكي([20]). وحدّد جميل حمداوي للقصّة القصيرة جدًّا أركانًا وشروطًا جمعها في معايير هي: المعيار الطبوغرافي، والمعيار السردي، ومعيار القراءة والتقبل، والمعيار التركيبي، والمعيار المعماري، والمعيار البلاغي([21]) وضمّن هذه المعايير مقاييس محدّدة.
أمّا الناقد أحمد جاسم الحسين فيرى "أنّ بناء ق.ق. جدًّا يتأسّس على أربعة أركان رئيسة هي: القصصية – الجرأة – وحدة الفكر والموضوع – التكثيف"([22]).
ويرى يوسف حطيني "أنّ عناصر القصّة القصيرة جدًّا هي الحكائيّة، الوحدة، التّكثيف، المفارقة، فعليّة الجملة"([23]).
ويرى كامل صالح أنّ "أركان القصة القصيرة جدًّا الأساسيّة تتجلّى في: القصصيّة، والجرأة، والوحدة، والتّكثيف، والمفارقة، وفعليّة الجملة، والسخرية، والإدهاش، واللجوء إلى الأنسنة، واستخدام الرّمز، والإيماء، والتلميح، والإيهام، والاعتماد على الخاتمة المتوهّجة الواخزة المحيّرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذّي يحفظ للخاتمة صدمتها"([24]).
نرى في ما سبق تباينًا بين النقّاد في تحديد أركان القصّة القصيرة جدًّا، لذا سأعتمد في مقاربتي للقصص التي سأحلّلها الأركان المتكرّرة بين النقاد وهي: القصصيّة/ الحكائية، الوحدة، التكثيف، المفارقة، الجملة الفعلية أو الجملة ذات القدرة على الفعل.
وسأعدّ ما ذُكر من أركان لدى الباحثين بطريقة فرديّة من التقنيّات التي تسهم في تكوين الأركان وتبلورها. ومن هذه التقنيّات: الانزياح، والتناصّ، والترميز، والأنسنة، والسخرية، والبداية، والقفلة، وعلامات التّرقيم، وغيرها من التقنيّات التي تفرضها نصوص معينة، ويتبنّاها النقد، لأنّ النّصّ الإبداعي يسبق النّص النقدي، ومن الأوّل يتّخذ الثاني أدواته.

(...)

***

* أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية، حائزة على إجازة في اللغة الإنكليزية وآدابها، وشهادة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها.

1- ضياء قصبجي، عن القصّة القصيرة جدًّا (هي نفحة أثير ورشّة عطر) (دمشق، مجلّة صوت فلسطين، عدد 389، حزيران، 2000)، ص 37.
2- جميل حمداوي، مميزات القصّة القصيرة جدًّا ومرجعياتها الثقافية والواقعية (أَضمومة "تسونامي" لمصطفى لغتيري نموذجًا)، 21 حزيران، 2008. www.m.ahewar.org>s.asp - تمت الزيارة في 4/11/2018.
3- م. ن.
4- جميل حمداوي، دراسات في القصّة القصيرة جدًّا (المغرب، منشورات المعارف، ط 1، 2013)، ص 7.
5- جميل حمداوي، دراسات في القصّة القصيرة جدًّا، م. س، ص 9.
6- م.ن
7- م. ن.
8- جميل حمداوي، دراسات في القصّة القصيرة جدًّا، م. ن، ص 8.
9- جوزف لبس، "معطف الرّماد جسد الضوء" لـبسمة الصّيّادي قراءة في فنّي الشذرة والسرد (لبنان، مجلة المشرق، الجزء الأوّل، 2016)، ص 104.

**- هذه المعلومة هي بناء على اتصال هاتفي بدور نشر لبنانية، وزيارة موقعها الإلكتروني، وهي: دار الآداب، دار رياض الرّيس، دار السّاقي، المركز الثقافي العربي، دار بيسان، دار العودة، دار الفارابي، دار النهضة العربية، دار نلسن، جداول للنشر والترجمة.

10- جيرار جينيت، من النصّ إلى المناص، تر. عبد الحق بلعابد (لبنان والجزائر، دار العلوم العربية ومنشورات الاختلاف، ط 1،2008)، ص89.
11- ميشلين حبيب، لأننا على قيد الحياة قصص قصيرة جدًّا (الجيزة، دار صفصافة، ط 1، 2013).
12- بسمة الصيادي، معطف الرماد... جسد الضوء (بيروت، دار أوراق الزمن، ط 1، 2014).
13- يوسف حطيني، القصّة القصيرة جدًّا بين النظرية والتطبيق، (سوريا، ط 1، 2004)، ص 25.
14- أحمد جاسم الحسين، القصّة القصيرة جدًّا- مقاربة تحليلية، (سوريا، دار التكوين، ط1، 2014)، ص 12.
15- شوقي بدر يوسف، القصّة النسوية القصيرة جدًّا في مصر (أمانة عمان الكبرى، مجلة تايكي، عدد 25، 2006)، ص 33.
16- كامل فرحان صالح، حركيّة الأدب وفاعليّته في الأنواع والمذاهب الأدبية (بيروت، الحداثة، ط 1، 2017، ط 2، 2018)، ص 76.
17- جودي فارس البطانية، القصة القصيرة جدًا- قراءة نقدية (الأردن، مجلة التربية والعلم، مجلّد 18، عدد 3، 2011)، ص 223.
18- م. ن، ص 222.
19- يوسف حطيني، م. س، ص 41.
20- جميل حمداوي، دراسات في القصّة القصيرة جدًّا، م. ن، ص 8.
21- مراجعة جميل حمداوي، أركان القصّة القصيرة جدًّا ومكوّناتها الداخلية (صحيفة المثقف- قضايا وآراء، العدد 4435، 27/10/2018).
22- أحمد جاسم الحسين، م. س، ص 43.
23- يوسف حطيني، م. س، ص 27 – 39.
24- كامل صالح، م. س، ص 76.

الحداثة - 197/198 - شتاء 2019 AL- HADATHA - winter

ISSN: 2790-178

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1007) أبحاث في الأدب واللغة (362) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (182) أبحاث في الفنون (168) أبحاث في التاريخ (125) أبحاث في التربية والتعليم (114) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (80) أبحاث في علم النفس (64) مراجعات (61) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) افتتاحية الأعداد (37) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) أبحاث في الإعلام (34) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (24) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) أبحاث في القانون (21) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في العلوم والصحة (17) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة