♦ محمد فياض مشيك *
نبذة عن البحث
تؤدي المبادئ والأسس الدستورية دورًا مهمًا في قيام بناء متين للدولة، على وجه الخصوص في أنظمة الحكم الديمقراطية، حيث تضمّنت غالبية الدساتير هذه المبادئ وأهمّها مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، لكي تتمكّن كلّ سلطة من ممارسة صلاحياتها بشكلٍ شرعيّ. ويبرز في هذا الخصوص دور القضاء الدستوري الحامي للنصوص الدستورية من الانتهاكات التي قد تتعرض لها من قبل السلطة التشريعية.
هدفت هذه الدراسة إلى البحث في المبادئ والأسس الدستورية المساهمة في وجود نظام حكم ديمقراطية، إضافةً إلى البحث في بعض القرارات الصادرة عن القضاء الدستوري المتضمّنة لهذه المبادئ والأسس الدستورية. وتتمثّل الأهداف الرئيسة لهذه الدراسة في مناقشة المبادئ والأسس اللازمة لقيام البناء الدستوري المتين في الدولة، حيث بحثنا ذلك من الناحية العملية في الدول العربية على وجه الخصوص، كون غالبية الدول في العالم غير مستقرةّ من الناحية السياسية. عليه إنّ "المبادئ والأسس الدستورية"، من النظريات التي جاءت مخالفة لأذهان غالبية الأنظمة الحاكمة، وهذا ما يبرز أهميّة هذا البحث على المستويين الدستوري والقانوني، إذ تسهم المبادئ والأسس الدستورية في وجود دولة حديثة، تضمن الحقوق والحريات الأساسية، وذلك تماشيًا مع تطور المجتمعات.
أما أبرز التوصيات التي قدمتها الدراسة، فهي: إن مفهوم الحكم في العالم العربي تطور على مراحل زمنية مختلفة ومتباعدة، إلاّ أنّ وضع دساتير جديدة في بعض الدول مع وجود تفعيل لدور القضاء الدستوري واحترام المبادئ والأسس الدستورية، قد يؤدي إلى وجود فعالية في عمل المؤسسات الدستورية في الدولة، وبالتالي الانتقال إلى دولة حديثة تكفل الحقوق والحريات الأساسية.
الكلمات المفتاحية: دولة، دستور، مبادئ دستورية، مبادئ فوق دستورية
***
تأتي تراتبية القواعد القانونية على شكل هرم، ويكون على رأس هذه القواعد الدستور. هذا وفقًا للمبدأ الذي أوضحه الفقيه النمساوي "هانس كلسن" (Hans Kelsen)، حيث يجب أنّ تكون القواعد القانونية متوافقة مع القواعد التي تعلوها درجة. لذا تكون النظريات الدستورية أهم أولويات الباحثين، حيث صبّ الفقهاء السياسيون والدستوريون معظم جهودهم في هذا الخصوص. سابقًا لم تتبلور نظريات الأسس والمبادئ الدستورية بشكل كافٍ، إلاّ أنّ تبلورها الحديث كان مع تطور الفقه القانوني، وتغيّر جذري على صعيد الفكر السياسي في الدول الغربيّة. ومفهومها الحديث بخصوص الدولة لم يكن موجودًا، في ظلّ وجود أنظمة حكم استبدادية تتركّز السلطات فيها بشخص الحاكم، وبطبيعة الحال هذا ما أدّى إلى انتهاكات جسيمة على صعيد حقوق الإنسان. لذا مع تطور النظريات الدستورية، أصبح للأسس والمبادئ الدستورية دورٌ محوريٌ في تثبيت دعائم الدولة الديمقراطية.
إنّ المبادئ الدستورية والديمقراطية الحديثة "قد ظهرت إلى الوجود، قبل أنّ تتألف الأنظمة السياسية بوحيها وتأثيرها، إذ إنّ هذه الأنظمة قد تحققت، في الدول الغربية وسائر دول العالم، بفعل هذه المبادئ التي استخرجها الكتّاب في إنكلترا وفي طليعتهم جون لوك (John Locke) في القرن السابع عشر، مع ما تقدمه من التقاليد التحررية في تاريخ بلاده، وعلى الأخصّ فلاسفة القرن الثامن عشر في فرنسا، أمثال مونتسكيو وروسو وفولتير ورجال الانسكلوبديا الشهير".([i]) بطبيعة الحال تبع ذلك رقيّ هذه المجتمعات وتقدمها على غيرها من المجتمعات السياسية المعاصرة، حيث كان للدول الغربية الجزء الأكبر من النقلة النوعية في مجال المبادئ والأسس الدستورية، "تحت تأثير معطاياتها وخصوصياتها".([ii])
لقد تطوّرت هذه الأسس بفعل التجارب التي حصلت في الدول الغربيّة، خاصّةً بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكيّة. فكل دولة كان لها دور مميّز على صعيد التجارب الدستوريّة، خاصّةً أنّها جاءت متوافقة مع بيئاتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.
يركّز البحث على إشكالية ما إذا كانت المبادئ والأسس الدستورية أصبحت مؤثّرة في بناء الدولة الحديثة في العالم العربي؟
ولمعالجة هذه الإشكالية، نلتزم في بحثنا المنهج التحليلي، حيث تمّ استعراض المبادئ الدستورية وتشكّلها التاريخي، والاستناد على قرارات القضاء ذي صلة بالمسألة المطروحة، أو على رأي فقهي قد يسهم في دعم موضوع بحثنا.
ساعدت الأسس والمبادئ الدستورية في بناء الدولة الحديثة في الدول الديمقراطية، لذا من أجل الإحاطة بموضوع بحثنا، ارتأينا تقسيم البحث مبحثين:
- الأوّل: تطرقنا فيه إلى الأسس الدستورية المساهمة في البناء الدستوري.
- الثّاني: المبادئ المساهمة في البناء الدستوري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق