♦ حنان ناصر مطر *
نبذة عن البحث
يعالج هذا البحث مجموع الضغوط النَّفسية التي قد يتعرَّض لها المعلِّمون والأساتذة خلال ممارستهم لِعملهم الوظيفي ضمن المدارس والمعاهد التي يُشكِّلون عناصر من الكادر التعليمي فيها، وبالتالي ما ينتج عن ذلك من عوارض وتأثيرات نفسيّة وجسديّة على المعلّمين، وأيضًا تأثير هذه الضغوط على جودة ونجاح سَير العملية التَّعليمية.
وقد عرض البحث لمحاور رئيسة عدّة، بمنهجية وصفيّة تتناسَب وهذا النَّوع من المواضيع التَّربوية الأكاديمية، وأوصى بتوصيات عدّة.
الكلمات المفاتيح: الصحة النفسية، الاحتراق النفسي، المعلم، الضغوط، التربية
***
- Abstract: This research deals with the total psychological pressures that teachers and professors may be exposed to, during the exercise of their professional work within the schools and institutes in which they form members of the educational staff, and therefore the resulting symptoms and psychological and physical effects on teachers, as well as the impact of these pressures on the quality and success of teachers in the course of the educational process.
This research presented several main axes, with a descriptive methodology commensurate with this type of academic educational topics, and recommended several recommendations.
- Key words: Psychological Pressures, Teacher, Education
***
أجمع باحثون على ما للصحة النَّفسية من أهَمِّيَّةٍ تَنعَكِسُ فوائدُها الكثيرة على الفرد والمجتمع، فهي تنشر الفرح والاستقرار والتوافق بين أفراد المجتمع، وتؤمن التكامل بین جوانب شخصیة الفرد عقليًّا وانفعاليًّا، وعلى أساسها يتم اختيار الأساليب العِلاجيَّة السَّليمة للمشكلات المنتشرة في المجتمع، ولها أثر على النّمُوّ النَّفسِيّ للفرد.
وتعدّ مهنة التَّعليم إحدى المهن المتعبة التي تتطلب جهدًا نفسيًّا وجسميًّا وعقليًّا وعصبيًّا، وتتميز عن غيرها من المهن أن المعلم يتعامل مع أفراد يختلفون نفسيًّا وانفعاليًّا واجتماعيًّا، كما يجب عليه أن يتعامل مع التلاميذ بالطريقة التي تُناسب كلًا منهم.
يؤدّي المعلِّمون دورًا مهمًا في حياة الطلاب؛ فمن مسؤولياتهم تقديم التعلُّم بشكل يسير، وهم أساس في التنشئة الاجتماعية، وتقديم المساعدة للطلاب حتى يبلغوا أعلى الإمكانات، فيصبحون مواطنين مسؤولين. لكن على مدى السنوات الماضية أصبح التدريس مرهقًا بشكل متزايد؛ فالمعلم لا تنتهي مهمته مع انتهاء اليوم الدراسي، بل يبقى لديه جزء لإكماله في المنزل، وجزء من المعلمين دافعيته منخفضة نحو التعليم، ويؤثر ذلك على المناخ في الصف الدراسي، ويغلب عليه الفوضى، ما يسبب أعباء نفسية على المعلم.
والمعلم بشكل عام لا يتحمل عبء التعليم فحسب، بل تقع على عاتقه أيضًا أعباء أخرى إداريًّا وإشرافيًّا. ونظرًا لأنَّ الأُسرة ووسائل التربية الأُخرى ليست بالمستوى المطلوب، يكون المعلم ناقلًا للمعارف والعلوم والسلوك الصحيح بالدرجة الأولى، وضمن وظيفته يتوجب عليه التعامل مع أشخاص يمكن أن يكونوا قد تعلموا بأساليب ليس كما المفترض أن تكون، ونتج عن ذلك أشخاص لم ينضجوا بعد، وكل فردٍ منهم لديه أسلوب تفكير وعادات ومهارات تختلف عن غيره. هذا الضغط الذي يتعرض له المعلمون يسبب لجزء منهم ما اصطُلِحَ على تسميته بِـ"الاحتراق النفسي" أو "ضغوط مهنة التدريس".
يُشير تقرير "منظمة الصحة العالمية" لسنة 2013 إلى أنَّ: "الصحة النفسية هي حالة كاملة من الراحة العقلية والاجتماعية والنفسية، فهي ليست مجرد غياب أمراض أو ظهور أي شكل من أشكال المعاناة" (Haag, 2017, p 40).
إذًا، وبهدف أن يشعر المعلم بالراحة في عمله، يتوجب توفير شروط أساسية تتلخص بالجانبين المعنوي والمادي؛ فإن غاب أحدهما ينعكس ذلك على أدائه. وهنا تبرز العلاقة بين الجوانب الشخصية والنفسية للمعلم ورضاه المهني، حيث إنَّ جودة العمل التربوي تتمظهر بمظاهر الصحة النفسية للمعلم، بحيث إنَّ الاهتمام بالصِّحّة النَّفسية للمُعلِّم يُعدّ هدفًا تربویًّا لِما له من أهمیة في تحقیق الأهداف التربویة على اختلافها، ما يلزم المعنیین والمسؤولين بشؤون التربیة والتعلیم أن يعملوا على نشر مفاهیم الصحة النفسیة، وإيصالها للأهل والمعلمين والطلبة لتأمين الانسجام على المستویین الشخصي والاجتماعي (أومليلي، 2017، ص 132).
شرح "Colman" وآخرون بأنَّ فعالية المدرسة تنتج بفعالية المعلم، وتعتمد على جودة العمل، إذ توجد علاقة سببية بين تفتح المعلم وفعاليته مع التلاميذ، هذا التفتح يعبّر عن مجموعة من الأبعاد التي تتطرق إلى الذاتية من أجل الوصول إلى نظام تعليمي فعّال. فقد قدم "Irving" مفهوم جودة العمل سنة 1960 كبعد يهتم بتحقيق رضا العمّال، ويهدف إلى وضع برامج من أجل تحسين الأداء. ((Coste, 2014, p 13.
- أهمّيّة الدّراسة
تكمُن الأهمية الرئيسة لدِراستنا في أنَّها تُسلِّطُ الضوء على مُشكلة أصبحت شائعة بشكلٍ كبير في مُجتمعاتِنا الحديثة، وهي الضغوط النفسية، ومُحاولة البحث في كيفية إدراكِها من قِبَل الفَرد. كما تكتسِب الدِّراسة أهمية إضافية من أهمية الشريحة المُستهدفة بالبحث، وهي شريحة المعلِّمين؛ وذلكَ بِاعتِبارِها من أهم الشرائح ذات الدور البارز والفعّال في بناء المُجتمعات. كما أنَّ نُدرة البحوث في هذا المجال، تجعل من دراستنا تمهيدًا لمزيد من الدِّراسات المُستقبيلة في هذا المجال المهم جِدًّا.
- أهداف الدِّراسة
تهدُفُ الدِّراسة إلى التعريف بالضغوط النفسية ومصادرها المتنوعة التي يتعرَّض لها المُعلِّم خلال مسيرته التعليمية، وكيف أنَّها تؤثِّر سلبًا على إنتاجيته العملية ضمن الغُرفة الصفيّة وفي مدرسته، وانعِكاسات ذلك على حياته الاجتماعية بشكل عام، وتأثير هذه الضغوط على صحته النفسية والجسدية.
كما تهدف إلى التَّعريف بالاحتراق النَّفسي وعوامله والعوارض التي تظهر على من يُعانون منه، وكيفية التقليل من مخاطره من خلال اتِّباع المديرين لسياسات تربوية سليمة في أساليبهم الإدارية والتربوية مع شريحة المُعلِّمين لديهم ضمن كوادرهم التربوية في المدارس والمؤسسات التربوية النّاشطة في المجتمع.
- الإشكالية
تنبثقُ المُشكلة الأساسية التي نحاول الإضاءة عليها في بحثِنا من أنَّ الضغوط النفسية هي من أكثر المُشكِلات النَّفسيَّة شيوعًا في المُجتمعات الحديثة، ولا سيما لدى الموظَّفين عمومًا، وبالتَّحديد لدى المُعلِّمين، وذلكَ بسبب تنوُّع مصادر الضغط النفسي وتشعُّبِها بين ضغوط حياتية واجتماعية واقتصادية والتي قد تؤثِّر عواملها بالتالي في مهارة حلِّ المُشكِلات، على سبيل المثال، وتُعدّ من أهم الأنشطة الفِكريَّة والمعرفية التي نحتاجُها في حياتِنا اليومية، وأيضًا المهنية؛ فهي من أهم المهارات التي يتوجَّب على المعلِّم أن يتحلّى بِها.
من ناحية أُخرى، المرونة النفسية هي أيضًا من العوامل المؤثِّرة في الضغوط النفسية، لأنَّها من السِّمات الشخصية الأساسية التي يجب أن يتَّصف بِها المُعلِّم لمواجهة الإحباطات والانتِكاسات التي تسبب الفتور والعُزلة وضعف الإنتاجية.
بناءً عليه، نطرحُ على أنفُسِنا السؤال الآتي: هل للضغوط النفسية لدى المعلِّم آثار مُباشرة على نجاح سير العملية التعليمية؟
ويتفرَّع عن هذا السؤال أسئلة فرعية هي:
- ما الضغوط النَّفسية الشائعة لدى المعلِّمين؟
- ما العلاقة بين الضغوط النفسية لدى المعلِّم ومرونته النفسية ومهارة حلّ المُشكِلات؟
- منهجية الدِّراسة
اتبعنا في الدراسة المنهج الوصفي الارتباطي، بسبب طبيعة الدِّراسة وحاجتها لمثل هذا النَّوع من المنهجيات.
(...)
***
* باحثة لبنانية، حائزة شهادة دكتوراه في علم النفس العيادي - أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية
المراجع
- المراجع العربية:
- أبو أسعد، أحمد عبد اللطيف، (2015)، الصحة النفسية، عمان: دار الميسر.
- أبو كويك، عبد العظيم؛ علي، باسم، (2007)، ضغوط مهنة التدريس وعلاقتها بأبعاد الصحة النفسية لدى معلمين ومعلمات المرحلة الأساسية الدنيا في قطاع غزة. غزة.
- أبوبية، سامي محمد، (1990)، التنبؤ بدافعية المعلمين للعمل التربوي من خلال اتجاهاتهم النفسية وحالتهم الانفعالية، مجلة كلية التربية (24)، المنصورة: جامعة المنصورة.
- أحمد، إبراهيم، (1999)، العلاقات الإنسانية في المؤسسة التعليمية، الإسكندرية: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.
- جمعة، سید یوسف، (2006)، إدارة ضغوط العمل، القاهرة: مركز تطویر الدِّراسات العلیا والبحوث في جامعة القاهرة- كلیة الهندسة.
- حميد، أومليلي، )2017)، الصحة النفسية للمعلم في ظل مفاهيم علم النفس الإيجابي – نموذج الرجوعية التربوية، مجلة الجامع في الدراسات النفسية والعلوم التربوية (7).
- رزق الله، حنان، )2010)، أثر التمكين على تحسين جودة الخدمة التعليمية بالجامعة، (رسالة ماجستير)، الجزائر: جامعة منتوري قسنطينة.
- رضوان، سامر جميل، )2007)، الصحة النفسية، (ط2)، عمان: دار الميسرة للنشر.
- زهران، حامد عبد السلام، )1995)، الصحة النفسية والعلاج النفسي، (ط2)، عالم الكتب.
- الزهراني، نوال، )2008)، الاحتراق النفسي وعلاقته ببعض سمات الشخصیة لدى العاملات مع ذوي الاحتیاجات الخاصة، (رسالة ماجستیر غیر منشورة)، المملكة العربية السعودية: جامعة أم القرى.
- زيدان، عبد الباقي، )1980). المدير وتعددية الأدوار، مجلة الإدارة (2)، اتحاد جمعيات التنمية الإدارية.
- عبد الله، محمد قاسم، )2001)، مدخل إلى الصحة النفسية، عمان: دار الفكر للنشر والتوزيع.
- عسكر، علي، )2000)، ضغوط الحیاة وأسالیب مواجهتها. ط2. الكويت: دار الكتاب الحدیث.
- الفرماوي، حمدي علي؛ عبد الله، رضا، )2009)، الضغوط النَّفسية في مجال العمل والحياة، عمّان: دار الصفا للنشر والتَّوزيع.
- اللوزي، موسى، )1994)، الرضا عن المناخ التنظيمي لدى الأفراد العاملين في مستشفيات القطاع العام في الأُردن. مجلة جامعة دمشق (مج 24، ع 3)، الأُردن: الجامعة الأُردنية.
- المجمع العربي للغة العربية، )2011)، المعجم الوسيط، القاهرة.
- محمد، عادل، (1995)، السمات الشخصية والجنس ومدة الخبرة وأثرها في درجة الاحتراق النفسي لدى المعلمين. دراسات نفسية (25).
- مقداد، محمد، (2012)، الضغوط النفسية واستراتيجيات مواجهتها لدى معلمي نظام الفصل. مجلة دراسات تربوية ونفسية (مج5، ع2)، البحرين: جامعة البحرين.
- نشوة، أبو بكر؛ كرم عمار، )2008)، الاحتراق النفسي للمعلمین ذوي النمط (أ، ب) وعلاقته بأسالیب مواجهة المشكلات، (رسالة ماجستیر)، الفيوم: جامعة الفيوم-كلیة التربیة.
- الهيجان، عبد الرحمن، )1998)، ضغوط العمل مصادرها ونتائجهـا وكيفيـة إدارتها، الرياض: مكتبة فهد الوطنية.
- المراجع الأجنبية:
- Barnabé, C. )1993(. La qualité de vie au travail et efficacité des enseignants, Revue des sciences de l’éducation. Érudit.
- Cherniss, Cary, )1980.( Professional Burnout in Human Service Organizations, Praeger Publishers Inc.
- DE Frank RS, Stroup CA., (1989). Teacher stress and health; examination of a model 113.38 https://www.almualem.net/saboora/showthread.php?t=10968.
- Freudenberger, H. (1981). Burnout. p: 18, Available online: www.Adrenalfatigue.org.
- Freudenberger, Herbert J; Richelson, Geraldine, (1980). Bur-nout: the High Cost of High Achievement, Garden city, N.Y. Anchor Press.
- Lazarus, R & Folkman, S. (1984). Stress, Appraisal and Coping, Springer, New York.
- Pollock & Duffy, (1990), The Health-related hardiness scale: Development and psychometric analysis, Nursing research 39 (4).
- The Pennsylvania State University © 2017 | September 2016.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق