♦ خديجة عبد الله شهاب *
"المرأة توجد مرة واحدة في عمر الرجل".
الروائي الفلسطيني غسان كنفاني
نبذة عن البحث
يسعى البحث إلى تناول فاعلية الشّخصيّة التّاريخيّة في بناء العمل الروائي، وقد اختار البحث رواية الكاتب اللبناني محمد حسين بزي ([1]) "شمس" ([2]) الصادرة حديثًا، كأنموذج لتقديم مقاربة تسلط الضوء على حقبة من التاريخ اليمني القديم؛ وتحديدًا دور المرأة فيها؛ وذلك بالاستناد إلى المنهج الموضوعاتي (Thématique) وفي المستويين العسكري والاجتماعي، ويحصر البحث عمله في المنهج الموضوعاتي في الموضوعاتيّة المعجميّة، حيث يتعيّن أن يكتشف الكلمات- المفاتيح، ويقرأها في سياقها، وفي دلالتها التي تحملها في الموقع الذي وردت فيه ([3]). وفي هذا السياق، لن يغفل علاقة هذه الكلمات بما قبلها، وما بعدها، ويقف بداية عند مراقبتها، ومن ثم وصفها؛ وتحليلها على أن يلجأ إلى الكشف عن دلالتها في معانيها التّعيينيّة والتّضمينيّة، ومن ثم يقرأ علاقة الشّخصيات ببعضها في مستوياتها الاجتماعيّة والنّفسيّة.
يفتحُ البحث الباب إذًا، على زمن مضى عليه ما يزيد على ثلاثة الآف عام، يعود إلى زمن ملوك فاتحين لدول وبلدان، وسلاطين تعاظم نفوذهم؛ فحصدوا لممالكهم العظمة والسؤود والمجد؛ ويعود إلى التّاريخ الذي كُتب باسم حضارات لا يزال بعضها ينبض بالحياة إلى اليوم؛ ويدخل إلى مكان لا يزال إلى الآن محطّ أنظار العالم؛ فيصبح منتميًا إلى نصّ الرّاوي "يتجاوز بأبعاده الدّلاليّة ما كان قبل الدخول، وهو يشكل داخل الرّواية لونًا إيقاعيًّا متناغمًا مع سائر الألوان الإيقاعية المترتبة على الشخصيات والأحداث"([iv])، وترتبط إليه الرؤية اليوم، برؤية الراوي بوصفه مكانًا مختلفًا عمّا كان عليه في تلك الحقبة؛ المغرقة في البعد، المليئة بالحضارة والثقافة من جهة؛ وبالصراع والقتل من جهة ثانية.
في هذا الزمن نادرًا ما يعثر الباحث على أديب، أو مؤلف أو كاتب يرغب في أن يعود بالزّمن إلى الوراء، فما مضى قد ولّى بكل ما فيه، وما الاستمرار والبقاء إلا للمستقبل الذي سيحمل معه كل جديد.
لكن حَدَثَ أن غامر محمد بزي، وأمسك بيد الأميرة اليمنية "شمس"، وقد أراد أن يسير إلى جنبها في هذا الزمن "المتوحش"، وأحبَّ أن يعرّفها إلى الحاضر الذي غزته التكنولوجيا قلبًا وعقلًا، وقد تغيَّرَت في ظلها الأعراف والمفاهيم. لكن "ليس كلُّ ما يتمناه المرء يدركه"؛ أحسّت الأميرة بثِقَل قبضته على يدها، ما جعلها تسحبها؛ وراحت تركض أمامه، أرادت أن تسير معه في رحلة عكسية لخطّ سيره، ورغبت في أن يلحق بها إلى زمنها القديم إلى التاريخ الذي أحبته؛ وشغفت به إلى الحضارة التي غارت في الزمن، وما عدنا نسمع عنها شيئًا.
تنشأ العلاقة بين الراوي والمرأة من خلال أنثوتها مرّة، ومن خلال فكرها المتوقد مرّة ثانية، فتبرز إلى القارئ من خلال شجاعتها التي فاقت في بعض الأحيان شجاعة الرجال في قيادة المعارك للدفاع عن البلد الذي كان محط أنظار الطامعين، وأخذته على حدّ قوله، إلى "العرب القحطانيين الذين بنوا حضارات وحضارات قبل الإسلام بمئات السنين في الجزيرة العربية"([v]). وقد أرادت أن تعرِّفه إلى واقعها الذي عاشته. فساقنا خلفه إلى هناك، لنقرأ تاريخًا قديمًا برؤية جديدة. إذًا، يحاكي بزي التاريخ القديم، فيستحضر المرأة، وقد كانت لها مكانتها في الحضارة اليمنية القديمة إن على المستوى العسكري أو على المستوى الاجتماعي، فتظهر كشخصية فاعلة مؤثرة في مجتمعها ومع رعيتها التي انقادت لها وأصبحت طوع بنانها يوم دهمت المملكة الخطوب.
في الرواية تطالع القارئ ذكريات الأمير "يشجب" مطلة في هذه الرواية من على شرفة العمر، ويرى مملكة "أوسان" وقد عمّرت طويلًا على الرغم من تنافسها مع ممكلة سبأ؛ وقد عانت الكثير بسبب اتساعها، ووفرة خيراتها حيث كانت مطمع الطامعين؛ "فنعرف أنّ القوة والبطش [عاملان] يتحكمان في رقاب... الناس"([vi])، ويتأكد القارئ أن العلاقة بين الأميرة "شمس" ورعيتها علاقة قويّة تقوم على روابط متينة من الودّ والإخاء، وقد انبنت على كثير من المودة والاحترام، إذ لم تكن تلك الملكة المتعجرفة أو المتسلطة، وهذ ما ساعدها في ترسيخ أقدامها في السلطة والحكم.
(...)
***
* باحثة من لبنان - دكتورة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية - الجامعة اللبنانية
[1]- محمد بزي: شاعر، وروائي وصاحب دار نشر، من مدينة بنت جبيل اللبنانية
[2]- محمد بزي: شمس أميرة عربية عاشقة، دار الأمير للثقافة والعلوم، بيروت 2017، ط.1. و"شمس" هي أميرة من بلاد اليمن قبل ثلاثة الآف عام قبل الإسلام.
[3]- نبيل أيوب: النقد النصي نظريات ومقاربات، دار المكتبة الأهلية، بيروت 2004، ص253
[iv]- علي زيتون: في مدار النقد الأدبي، دار الفارابي بيروت 2011، ص67.
[v]- محمد بزي: شمس أميرة عربية عاشقة، ص6
[vi]- برتراند راسل: الفرد والسلطة، ترجمة د. نوري جعفر، منشورات الجمل، بغداد، 2005م، ص 2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق