♦ كامل فرحان صالح *
إن مقاربة مسألة "الشعر" كانت وستبقى من المسائل الشائكة، إذ أربكت مؤرخي الأدب منذ طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته، واعادة الاعتبار لهم مع أرسطو، ثم تفاقم الأمر مجددًا مع النصّ القرآني، عندما اتهم الشعراء بأنهم "يقولون ما لا يفعلون"، وصولاً إلى الشعر المعاصر اليوم، وما نشهده من تباين شديد بين التوجه الكلاسيكي (بمعناه السطحي)، والتوجه الحداثي (بمعناه الفوضوي)، فكيف بالحريّ إذا أراد المرء مقاربة "الشعر في عالم مضطرب مثل الذي نعيش فيه"؟
مهما يكن من أمر، يمكن القول إن الشعر عامل من ضمن العوامل المساعدة في فهم الواقع وروحه، وتغييره إلى حدٍّ ما، أما في الحالة العربية الراهنة، فيحتاج المرء الى التمهل قبل قول ذلك، إذ من هو الشاعر العربي المؤثر اليوم؟ في حقيقة الأمر، يصعب أن نجد اجماعًا على شاعر معين، وإذا أردنا الأخذ بتاريخ الشاعر وانتاجه، وفاعليته ثقافيًّا واجتماعيًّا، يبرز إلى الذهن الشعراء: نزار قباني، ومحمود درويش، وأدونيس؛ الأول مات قبل أن يعلنوا وفاة العرب، والثاني هاجر البساطة إلى الرمزية الشعرية العالية، والثالث بدأ غريبًا وسينتهي غريبًا...
فإذا كان هذا الكلام على مستوى الشعراء المعروفين، فكيف سيكون الوضع مع "شعراء الفايسبوك"، باعتبار أنهم يواكبون التحولات العربية اليوم عبر هذا الموقع؟ لذ، لا أريد أن نتوهم كثيرًا في خصوص تأثير ما يسمّى "الثورة" على الشعر، إذ ما واكب "الربيع العربي" الذي شهده غير بلد عربي مثلاً، في جانب من جوانبه، وهو الوقوف في وجه الاستبداد والقمع، فإن هذه الوقائع المباشرة، وتراكماتها التاريخية الحافلة بالاضطهاد، وغياب المعالجات الجدية لأزمات الفقر والبطالة، وتفنن هذه الأنظمة باستخدام أساليب التعذيب، وكتم الأصوات المعارضة... والقائمة العنفية تطول، كل ذلك حاليًّأ، وعبر التاريخ، لم يلحظ أنه شكّل رافعة حقيقية للشعر، إذ ترصد معظم الدراسات والأبحاث المعنية بحركية الأدب، أن مسألة الشعر وتوهجه كانت ترتبط، ولا تزال، بعوامل مختلفة كليًّا. ولعله يمكن للمتابع أن يلاحظ، أن معظم تجارب الشعراء الفلسطينيين وشعراء جنوب لبنان، بعد نكبة فلسطين في العام 1947، اتسمت بخطاب شعري مباشر ضد العدو الصهيوني، قد تلاشى تأثيرها مع الأيام، ولا تكاد تذكر، فيما لا تزال النصوص الشعرية المعبّرة عن القيم الإنسانية، والحب، وعوالم الذات، تجد مساحة من الحضور النشط في الحراك الثقافي اليوم، ولا سيما عبر توظيفاتها الجديدة في العالم الافتراضي (الرقمي).
يمكن القول في الخلاصة، إن الشعر لا يحتاج إلى شرعية التعبير عن الواقع ليكون شعرًا، ولا الواقع يحتاج إلى الشعر ليكتسب شرعيته، وتحولاته؛ فربّ قصيدة عن الحبّ تهزّ مشاعر الأمة فرحًا، وربّ ثورة تنتصر، فتكون مهمتها الأولى رمي الشعراء في السجن.