Editorial: Arabs are aging systems and peoples
DR. Farhan Saleh
سمعت يومًا أن أحدًا من المواطنين وقف أمام المرآة، وسأل نفسه سؤالًا غريبًا ومستهجنًا: لقد انتهى عصر الاحتلال الأجنبي لبلادنا عام كذا، وحصلنا على استقلالنا عام كذا، لكن علينا الآن أن نسأل: في أي عصر أو سنة سينتهي الاستقلال؟
هذا السؤال هو ما دفعني كي أختار العنوان: العرب شيخوخة أنظمة وشعوب؟
من يتابع التحولات السريعة في العالم اليوم، يرى أن العرب شعوبًا وأنظمة، خارج التاريخ المعاصر، فهم بقايا شعوب مضت، شعوب لم تشارك أو تندمج أو تحاول اللحاق بالعصر، وترسم موقعًا لها في عالم يتغير، وهم لا يزالون أقوامًا يحنون إلى طفولة قبائلهم، وإلى أنبياء عشائرهم، وإلى حنين دفين لإحياء زمن مضى، كان قد عاش فيه جدود لهم!
أليس هذا هو واقع الأنظمة والشعوب العربية؟
يجب أن يترسّخ في أذهاننا، أن الصراعات السياسية التي يدّعي البعض أنها صراعات دينيّة، ولإحقاق حقّ إلهي، ليست سوى صراعات سياسية، ليس للدين علاقة بها. فعلى من يحيون أحداث الماضي، ويرون أنفسهم أنهم يصوبون مسارًا دينيًّا ومشيئة إلهيّة، مبررين ذلك بما حصل في تاريخ مضى، مثال ما حصل بين ما تمت تسميتهم جزافًا: سنّة وشيعة، أي بين قبيلتي الأمويين والعباسيين... على من يعتقدون بهذا المعتقد، أن يعرفوا أن هذا الصراع هو صراع على السلطة والحكم والمغانم، وليس له علاقة بالدين.
إن الذين يحيون بعض المناسبات الدينيّة اليوم، يعملون من دون أن يدروا، وإن كانت زعامتهم تدري، أنهن يحيون نزاعات بينهم وبين مواطنيهم من معتقدات أخرى، وهم ذاتهم من يحاولون إحياء تشريعات أنظمة قبليّة مضت. بما يفعلونه، قد يجذّرون خلافات ونزاعات قاتلة مع أهلهم وجيرانهم إلى أي انتماء ديني انتموا، وإن كان هذا الانتماء فُرض عليهم وتوارثوه.
إن صراعات الماضي التي يدّعي البعض اليوم أنها صراعات دينيّة، ليست في العمق سوى صراعات سياسية على المغانم والهيمنة، وبهذا فإنها تخصّ حضور أهل وأجيال ذلك الزمن، ولا تعني أهل هذا الزمن لا من بعيد أو قريب، وبالأخص لا تخصّ ادعاءات هذه الطائفة أو تلك ممن يبررون وجودهم، وادعاءاتهم أنهم يتوارثون هذا الماضي، بحسبان أنه صراع لإحقاق حقّ ديني إلهي، وأنهم يكملون تحقيق هذا الحق. هؤلاء يبررون نهجًا أيديولوجيًّا ظاهره الدين وباطنه السياسة والسعي إلى الغلبة والتسلط. فصراع جدودنا، كان صراعًا بين قبائل وعشائر تتصارع على الحكم. من هنا يمكن فهم ما نسميه "الأمويين" و"العباسيين". أليست هذه التسمية هي تسمية لقبائل متصارعة؟
هذا "الوهم" علينا أن نتخلص منه؛ فأجيال اليوم تعيش في عصر هو غير عصر هؤلاء الجدود، أو من ندّعي أنهم جدودنا. إن الأعراق العربية والإسلامية التي عاشت في الماضي، لم تعد هي اليوم؛ فعبر مئات السنين، نرى تواصل وتلاقح أهل ذاك الزمن مع غيرهم من أعراق وشعوب، ونتيجة ذلك، برزت أجيال ليس لها علاقة بما كانت تحمله من جينات سابقة، وبما يدّعون من وحدة دينية تجمعنا مع أنساب وأقوام ذاك الزمن. هنا علينا أن ندرك أنه ليس للدين علاقة بكل ما حاول مستغلو الأديان ترسيخه في عقولنا من أوهام... فمن يحيون تلك الأحداث التي حصلت في الماضي، وإلى أي مذهب أو دين انتموا إليه اليوم، هم من يريدون تغريب عقول طوائفهم، وبالتالي مجتمعاتهم عن الواقع الاجتماعي الرديء الذي أوصلتهم هذه الزعامات أو هذه الدول إليه.
إن الهدف من تغييب العقول، يخدم مشاريع هذه الزعامات، ويساهم بالتغطية على ما تقوم به من فساد بحجّة حماية حقوق هذه الطائفة أو تلك. (لاحظوا ورود مصطلح طائفة بما هو مصطلح للتقسيم وليس للحوار والمنافسة المجتمعية بالمعنى الذي يحمله معنى المنافسة والمعاصرة اليوم)! في حين، إن الفقر الاجتماعي السياسي لهذه الطوائف، سببه تضليل هذه الزعامات، وهذه الأحزاب الطائفية ذاتها لهم. لذا، إذا كان علينا أن نبني وحدتنا الوطنية، علينا أن نضع حدًّا للتوظيف الديني، وننظر إلى ما حصل في التاريخ، على أنه صراع اجتماعي سياسي، ولم يكن في ذاك العصر الاقطاعي، وفي تشريعات تلك القبائل التي تعرفنا عليها بأسماء متنوعة، أية تشريعات تحمي حقوق الإنسان، تلك التي لم تكن معروفة في ذاك الزمن، في حين تنصّ النصوص القانونية اليوم (وإن كانت لم تطبق)، على تشريعات قانونية وحقوق للإنسان، وعلى التنافس والنضال الاجتماعي المجتمعي من أجل حياة أفضل لكل مكوّنات المجتمع، وليس لقبيلة أو لطائفة أو لشريحة مجتمعية بعينها.
هذا هو الاختلاف بين زمن كانت تسود فيه أنظمة قبليّة إقطاعيّة، والزمن الذي نعيش فيه، حيث تنصّ قوانينه على احترام حقوق الإنسان وحريته في التعبير. هذه القوانين التي لم تكن في ذلك الزمن، تؤكد انفصالنا عن أهله الذين نصفهم في الكتابات التاريخية بأنهم عاشوا في مجتمع إقطاعي، يسود فيه التمييز العنصري. من مثال: إن المسيحيين واليهود ليسوا من أهل الضمير المشترك الديني، بل هم أهل ذمة!
ما نشير إليه يعني أننا نحن في زمن آخر، ويفترض أننا ارتقينا إلى مرحلة جديدة في التطور، أي إلى مرتبة المواطن الإنسان. نقول هذا ونعرف أن رواسب تلك الأزمنة لا تزال مستمرة، ودين الدولة في بعض الدول، هو الإسلام.
نعم، علينا أن نكرّس في عقولنا أن الصراع الطائفي المذهبي، أو العائلي، أو القبلي العشائري، يستفيد منه هذا الحزب أو زعيمه من يدّعي حماية طائفته أو دولته.
تلك الدول التي تشرّع أن ديانة هذه الدولة أو تلك، هي ديانة يهودية أو مسيحية أو إسلامية، فإني أتساءل هل للدولة دين؟ إن إعادة إحياء هذه الأحداث التي حدثت بين الأمويين والعباسيين، ليست سوى محاولات للتغريب والتغطية على واقع تأسس على الاستغلال والنهب، كما هو حاصل في العراق وسوريا ولبنان. فبهذه المسميات ونسبتها إلى دين أو طائفة بعينها، في مناسبات سنوية متكررة، هو ما يمكن أن يعدّ تجارة بالدين، ولن يكون للدفاع عن طائفة أو تصويب لاتجاه ديني. مثال ما يحصل في "مناسبات" يقوم بها من يدّعون أنهم يدافعون عن الدين الحق، سواء أكانوا يهودًا، أم مسيحيين، أم مسلمين، أم غيرهم، من مناسبات تقوم بها اليوم هذه الطائفة أو ذاك الحزب.
لعله بات واضحًا أن الهدف من تلك "المناسبات" تكريس انقسام لا يستفيد منه سوى زعامات تستغل الدين وتتاجر به، وبالتالي المستفيد الآخر والأساسي منه، هو الاستعمار، خاصة من أسسوا شركة: دولة ما يسمّى "إسرائيل".
هنا يمكننا فهم الاستغلال السياسي لقضية عادلة هي القضية الفلسطينية. إن ما يحصل اليوم، وما تقوم به "إسرائيل" من جرائم بحقّ الإنسانية والإنسان، هو ما علينا، وعلى المستوى الإنساني، أن نتعاطف معه لإزالته وتجريمه. هذا واجب يمسّ الضمير الانساني في العمق، كذلك، هو واجب ديني ودنيوي، بل دنيوي قبل أي هدف آخر.
إن "المناسبات" التي علينا الاحتفاء بها، هي التي تعزز وحدتنا الإنسانية، وتبدأ بالوحدة الوطنية داخل مجتمعاتنا. فهذه التي علينا تكريسها وتدريسها في مدارسنا وجامعاتنا، وفي ثقافتنا. وإن كان علينا، وهذا هو الأهم، أن نعرف المتضررين من الوحدة الإنسانية والوطنية، وهم قطعًا ليسوا من ينتمون لهذا الدين أو ذاك، بل هم من يتاجرون بهذا الدين أو ذاك. في حين أن من ينتمون لهذا الدين أو ذاك، ليسوا سوى وقود مجاني لأصحاب الشركة الاستعمارية المؤسسة للكيان الصهيوني؛ فما يقوم به هذا الكيان من إبادة وجرائم جماعية لشعوب بعينها، يسجل برصيد المؤسس الاستعماري لهذه الشركة المسماة "إسرائيل". من يقسم مجتمعه إلى طوائف وملل، ويستغل هذا الدين أو ذاك، يسهم في تحقيق المشاريع الاستعمارية. مثال من يسمح بالتشريع لأحزاب دينية في العالم العربي. إن الولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي أنها حريصة على حقوق الإنسان، تدعم وبكل امكانياتها الدولة الشركة "إسرائيل"، وهي من تدعم الأنظمة الاستبدادية، وهي من تدعم أيضًا الأحزاب الدينية. لأن وجود هذه الأحزاب ضروري لتحقيق مشاريعها التقسيمية.
من هنا يمكن فهم قول الرئيس الأمريكي بايدن وهو يحطّ في مطار "تل أبيب": "أنا لست يهوديًّا إلا أنني أتيت بصفتي صهيونيًّا". أما وزير خارجيته فنزع عنه هويته الأمريكية، وقال إنه جاء "بصفته يهوديًّا وصهيونيًّا". وهذه سابقة، وعلى مشرّعي القوانين الأمريكية دراستها.
"إسرائيل" التي تدّعي أن لها حقًا موصى به من "الإله يهوه"، ليست سوى شركة استعمارية. ونكرر أن الأحداث التاريخية ليست سوى صراعات سياسية لا شأن للدين بها. فإذا لم تصل شعوبنا لهذه القناعة التي يجب أن تدرّس في مدارسنا، ونغرزها في عقولنا، فإننا نؤسس، ومن دون أن ندري، لمذابح وقودها الأجيال المقبلة.
إن المذابح التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" اليوم، تحصل للشعبين الفلسطيني واللبناني ولشعوب أخرى في أكثر من مكان. فهذه الإبادة الجماعية مثال حي وخاصة على أرض فلسطين، حيث نشاهد أنظمة عربية وإسلامية تتفرج على الضحايا، وعلى أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، وهم "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ". وهكذا هو الضمير البشري برمته يرى ويبرر الهتلرية الجديدة، يرى ولا يفعل، وكأن هؤلاء الضحايا ليسوا من هذا العالم.
ألم يحن الوقت، لأن تكون نخبنا العربية، نواة فاعلة لتغيير هذا العالم المستباحة شعوبه وخيراته؟
***
* رئيس تحرير مجلة الحداثة - أمين عام حلقة الحوار الثقافي
* نداء إلى رفاقي في منتدى الحوار الثقافي العربي - الأوروبي، والعربي – الروسي، وإلى رفاقي في حلقة الحوار الثقافي.
الحداثة (Al Hadatha) – 31: 233/234 - خريف/ شتاء 2024 - 2025 Autumn /Winter
ISSN: 2790-1785
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق