وتكُرُّ الأيّامُ سراعًا، وتمُرّ السنونُ عِجالًا... ومجلّة الحداثة ماضيةٌ في جادّتها الثقافيّة، غيرَ قافيَةٍ البُنَيّاتِ والتُّرَّهاتِ، ولا سالكةٍ الشّعابَ والثنايا، ثابتة الخُطَى، مرفوعة الرأس... فكم سِنِينٍ سلختْ وهي تشعّ بنور المعرفة من الشرق نحو الغرب؛ من بيروتَ، حسناءِ المدن العربيّة، في كلّ الْمَناكِب والأرجاء!...
لقد رفعت مجلّة الحداثة شعار «حوار المشرق والمغرب» الذي نحن ما أشدَّ حاجتَنا إليه، بعد شيوع القطيعة في هذا العهد الْمَشين الذي نعيشه فلا يكاد عربيّ يتحاور مع عربيّ آخرَ إلاّ بالسّلاح الذي أمسى، بنعمة الله، وعلى حين بغتةٍ من الدهر الناعس، اللغةَ المفضَّلة في التعامل بين العرب، فإذا دماوُهم تتفجّر أنهارًا، وإذا الأطفالُ العرب، في بعض الأقطار، يقْضون جوعًا وظمأ ولا من رحيم، ولا مِن مُغيث... فبأيّ ذنْب يموت هؤلاء الصبيةُ مرَضًا وغَرَثًا؟ وماذا يجري بين هؤلاء العرب، عربِ المشرق خِصِّيصَى؟ وما هذا الانقلاب الذي أمسَى يسِم حياتَهم بالحقد، ويملؤها بالْقِلَى، ويطبعها بالشَّنآن؛ فإذا لا شيءَ أحبُّ إلى العربيّ مِن أن يحمل سلاحًا ويقتل به عربيًّا آخرَ تحت ذرائع تافهة، وأسباب واهيَة؟ وهل لهذا
لا شك ان الموقف الذي يتخذه المثقف العربي عبر رفضه تسلم جائزة ثقافية تمنح من دولة غير ديموقراطية حتى لو كانت دولته، يشكل خطوة جريئة بوجه السلطة (ويجب أن نفرق هنا بين مفهومي السلطة والدولة). غير ان - البعض- لا يجد حماسًا لافتًا لتأييد مثل هذه المواقف. والسبب في رأيهم، هو أن السلطة عند منحها جائزة ما لمثقف هو اعتراف ضمني من قبلها بقيمة هذا المثقف إبداعيًّا وفكريًّا وعطاء، أي بمعنى آخر هي لا تمنح جائزة لمادحها ومبجلها إنما للمختلف معها. وهي خطوة تحسب لها لا عليها.
لست بوارد الدفاع عن هذا الرأي أو الوقوف ضده، أو الدفاع عن السلطات العربية، وفيها ما فيها من سيئات وانهزامية وتسلط وبطش وقمع للحريات، إنما السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرح بعد عقود من نشوء السلطات العربية: من المسؤول عن هذا التردي والتخلف والانكسار؟ لنكن صريحين ونجاوب: السلطة أم المجتمع الذي أنجب هكذا سلطات؟
أعتقد أن نقد الذات يبدأ من هنا - قبل أن نطلق الشعارات يمينًا وشمالا، ورمي تخلفنا على الآخر أيًّا يكن هذا الآخر: السلطة/ الغرب/ إسرائيل/ الدين / المناهج/ ... .
إن المثقف العربي الذي شهد الواقع سقوط أفكاره وخطاباته بالتتابع، وبشكل مدوٍّ أحيانًا، لم يعد هو المخول بالتغيير أو التطوير، وبالتالي نسج حضارة هذه الأمة. فدوره سقط بعد أن أضحت "الحضارة" العربية – إذا صح التعبير – مشهدية فسيفسائية، اللاعب فيها هو