♦ خالد ممدوح الكردي *
نبذة عن البحث
يُعدّ الوجود الفلسطيني في لبنان من أبرز المعضلات التي واجهت "إسرائيل"، حيث كانت العمليات العسكرية الفدائية الفلسطينية مستفزة للجانب "الإسرائيلي"، كذلك كانت المعضلة من ناحية أخرى، استمرار "إسرائيل" بإصدار تصريحاتها بعدم الرضوخ للانتهاكات الفلسطينية المستمرة لوقف إطلاق النار (بحسب التفسير الإسرائيلي لوقف إطلاق النار). كلّ هذا كان يستدعي القيام بعمل ما، وإلا فإن مصداقية "الردع الإسرائيلي" ستصبح موضع الاستهانة والاستخفاف ([1]).
تكررت التهديدات "الإسرائيلية"، مشيرة إلى أنها وضعت في حيز التنفيذ، فالصواريخ السورية بقيت في البقاع ([ii])، واستمر الحشد الفلسطيني بين الليطاني والزهراني. كما أن السياسة "الإسرائيلية" إزاء لبنان أظهرت أنها لا تستند إلى أرضية ثابتة من الإجماع الشعبي ([iii]).
فقد رأى بعض "الإسرائيليين" أن "حرب الأسبوعين" (1981) مع "منظمة التحرير الفلسطينية" كشفت عدم كفاية الوسائل العسكرية وحدها في التعامل مع المسألة الفلسطينية([iv])، وأن جدوى التحالف مع المسيحيين في الجنوب اللبناني مشكوك بأمره ([v]).
وظهر من خلال النقاش داخل "إسرائيل" حول جدوى التحالف مع المسيحيين، أن "الكتائبيين" عمدوا بدورهم إلى إعادة النظر في مصداقية التعهدات "الإسرائيلية" لمسيحي لبنان ([vi]).
وكان "بشير الجميل" على قناعة بأن على الموارنة توسيع مجال خياراتهم، ووجد من يؤيده في إجراء حوار سياسي مع سوريا والقوى الأخرى في لبنان ([vii]).
وكانت أحداث عام 1981م وأوائل عام 1982 قد أسهمت في تعميق الوجود السوري في لبنان، ورفعت مكانة "منظمة التحرير الفلسطينية" ([viii]). وبينت بعض نقاط الضعف "الإسرائيلية" سواء داخليًّا أو دوليًّا.
في الثالث من نسيان (أبريل) 1982، أُعلن عن مقتل دبلوماسي إسرائيلي في باريس، وعلى أثرها عرضت فكرة الضربة الجوية للنقاش، لكن تم تأجيلها بسبب سوء الأحوال الجوية، وحاول "بيغن" نقل معارضة "حزب العمل" لهذه الفكرة عبر وسائل الإعلام في 16 شباط (فبراير) 1982م معلنًا أنه لا بأس من شنّ عملية محدودة ضد المنظمة في لبنان ([ix]).
وفي إحدى جلسات مجلس الوزراء الإسرائيلي، كشف "بيغن" لقادة "حزب العمل" أسباب تأجيل الضربة الجوية، فأشار حينها "شارون" (وزير الدفاع "الإسرائيلي") إلى أنه في حال أحدثت هذه العملية ردّ فعل استراتيجيًّا (قصف فلسطين) فسيكون على "إسرائيل" المواجهة من ثلاثة محاور هي الطريق الساحلي والمنطقة المركزية والقطاع الشرقي ([x])، وأضاف أن الهدف "الإسرائيلي" الأول هو تدمير المنظمات الفلسطينية، وبناها التحتية في لبنان وطردها من المنطقة. وتشكيل نظام جديد في لبنان يحكمه المسيحيون والجيش اللبناني، وطرد السوريين من لبنان، ومنع تدخلهم في شؤونه. ورأى أن اختراق شمال بيروت وطريق بيروت - دمشق سيستغرق ثمان وأربعين ساعة. لكن قادة "حزب العمل" وافقوا على ضرب المنظمة، ولم يوافقوا على باقي الأهداف ([xi]).
في بداية شهر حزيران (يونيو) من عام 1982، حاولت "مجموعة أبو نضال" اغتيال "السفير الإسرائيلي" في لندن "شلومو أرغوف". على اثرها، استدعى "بيغن" مجلس الوزراء في الرابع من حزيران (يونيو) في العام نفسه، صبيحة يوم الجمعة، ولم يكن شارون موجودًا في هذا الاجتماع لوجوده في رومانيا ([xii]).
وتحت إشراف ودعم من بيغن، اقترح "رفائيل آيتان" على المجتمعين فكرة ضربة جويّة ضد بيروت وجنوب لبنان تستهدف أطر "منظمة التحرير الفلسطينية" ([xiii]).
وكانت "الحكومة الإسرائيلية" وطيلة اشهر عديدة مرت، قد أعدّت العدة لهذا اليوم لشن حربها على لبنان ([xiv]). ولم يكن بيغن محتاجًا لإيتان أو شارون ليطلق الشرارة الأولى كونه راغبًا بشنّ هذه الحرب ضد "منظمة التحرير" أكثر من رغبتهما ([xv]). وفي ساعة متأخرة من الليل وصلت أنباء عن إصابة السفير الإسرائيلي، فاتصل بيغن برئيس الأركان إيتان، واتفق معه أن يجهّز سلاح الجوّ لتوجيه ضربة قوية ضد المنظمة في لبنان، من دون أن يخفي عن حكومته نواياه بشأن هذا الموقف ([xvi]). وفي اجتماع الحكومة الإسرائيلية التي افتتحت من دون مقدمات، كانت المواضيع قد بحثت، والقرار اتخذ في مكان آخر، وترددت جملة واحدة على لسان بيغن في أسماع الحاضرين: "لن نسمح بإصابة سفير إسرائيلي لأن إصابته مثل إصابة إسرائيل" ([xvii]). ولقد ثبت أن بيغن كان يعني الردّ العسكري، وكان بمثابة قرار حكومة ولم يكن اقتراحًا للنقاش، ولم يقدم أحدًا من الوزراء اقتراحًا آخر سوى من نادى بالتأجيل، ومن أبدى عدم الارتياح، لكن في النهاية، تم التصويت على الحرب ([xviii]).
الحقيقة أن موضوع أو حادثة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن كانت ذريعة شكلية اتخذها الكيان الصهيوني لإقناع الرأي العام الغربي، ولأخذ الضوء الأخضر من واشنطن وعواصم غربية أخرى لهذه العملية التي ظنت إسرائيل أنها ستكون "عملية خاطفة"، وأشبه بـ"نزهة"، أما خطة الاجتياح فقد كانت أعدّت قبل ذلك بسنوات ([xix]).
***
* أستاذ محاضر في كلية الآداب والعلوم الإنسانية (دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر) – الجامعة اللبنانية
([1]) هآرتس العبرية، 9/7/1982م.
([ii]) اسبونزا، وليم وولس جنكة: دفاع أم عدوان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، ص22
([iii]) يوميات الحرب الإسرائيلية في لبنان، ط1، ص165
([iv]) مجلة ممواخوت الإسرائيلية، ع284، أيلول 1982م
([v]) يديعوت أحرونوت العبرية، 30/6/1982م
([vi]) شارون، أربيل: مذكرات أربيل شارون، ترجمة: انطون عيد، ط2، ص317
([vii]) شيف. زئيف وإيهود يعاري: حرب الظلال، ترجمة: وهيب واصل، ص179
([viii]) شيف، زئيف وايهود يعاري: م.ن.، ص180
([ix]) إبراهيم محسن: الحرب وتجربة الحركة الوطنية اللبنانية، ص187
([x]) The Turn of the Screw: Journal of Palestine Studeis. 05.41, p. 183
([xi]) اللبدي، محمود: بيروت 82، الحصر والصمود، ص136
([xii]) رايت، شيلا: الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، ص135
([xiii]) مجلة فلسطين المحتلة، 3/1/1983م
([xiv]) شاريت، موشيه: يوميات شخصية، ترجمة: أحمد خليفة، ص153
([xv]) شيف، زئيف وايهود يعاري: م.س.، ص210
([xvi]) هآرتس العبرية، 9/7/1982م
([xvii]) بلاك، ايلان وبني موريس: حروب إسرائيل السرية، ترجمة: عماد جولاق، ص224
([xviii]) حرب الظلال، م.س.، ص237
([xix]) اللبدي، محمود: بيروت 82، الحصار والصمود، ص274