♦ نقولا يوسف عقيقي *
- نبذة عن البحث
يعالج البحث موقف السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة في لبنان من الوجود الفلسطيني على أراضيه في ستّينيات القرن العشرين عمومًا، و"اتّفاق القاهرة" خصوصًا، فيتضمّن بعض الأحداث التي عجّلت في توقيع الاتّفاق المذكور ودفعت بالمجلس النيابي اللبناني والحكومة إلى مناقشة التطوّرات السياسيّة والعسكريّة للتحرّكات الفلسطينيّة على الأراضي اللبنانيّة وتداعياتها، فجاءت مواقف النوّاب متناقضة غير منسجمة مع بعضها على الرغم من توالي الأحداث الدامية في لبنان، وتفاقم الأزمة بين "الفلسطينيين" والجيش اللبناني. وقد وجد الرئيس اللبناني شارل حلو (1913 - 2001) بعد ضغط من الدول العربيّة، ضرورة التوصّل إلى اتفاق مع الفلسطينيين حول كفاحهم المسلّح من خلال الأراضي اللبنانيّة؛ فكان "اتفّاق القاهرة" السرّي الذي تحول لاحقًا إلى محط جدل كبير بين نواب الأمّة وكذلك الوزراء.
هل قدّمت الدولة اللبنانيّة الممثّلة بقائد الجيش آنذاك، تنازلات لـ"منظّمة التحرير الفلسطينيّة" مسّت بسيادتها على أرضها، وإن الاتفاق لم يمنع اندلاع الحرب الأهليّة بل أجّلها بضع سنوات فحسب؟
- الكلمات المفاتيح: اتفاق القاهرة، لبنان، القضية الفلسطينية
***
من الثابت أن القضيّة الفلسطينية شكّلت اتجاهات سياسية متناقضة عند اللبنانيين؛ ففي المراحل الأولى للمسألة الفلسطينية أي قبل الهجرة القسريّة للفلسطينيين، كان هناك شبه إجماع حول دعم الفلسطينيين بوجه الصهاينة سياسيًّا في المحافل الدولية وعسكريًّا على أرض فلسطين. إنما بعد دخول اللاجئين الفلسطينيين الأراضي اللبنانية، واستقرارهم في مخيمات محدّدة، ومن ثمّ انتشارهم وتسلّحهم، برزت التناقضات في توجّهات النواب واللبنانيين حول القضيّة الفلسطينية.
منذ بداية "النكبة" الفلسطينية في العام 1948، كان لبنان دائمًا الى جانب فلسطين، رافضًا التقسيم، وعاملًا على الحفاظ على الوحدة الفلسطينية، وقد تتبّع القضيّة، وكان ذلك بارزًا سواء من خلال تصريحات رئيس الجمهورية بشارة الخوري (1890 1964م)، وكذلك رئيس الحكومة رياض الصلح (1894 – 1951) وموقف لبنان في الأمم المتحدة ونقاشات النواب في المجلس النيابي، الى جانب دعمه العسكري للقوات العربية المشاركة في حرب 1948 ضدّ إسرائيل من خلال الجيش اللبناني ومئات المتطوّعين اللبنانيين.
لقد شارك لبنان في حرب 1948 ضمن إمكاناته المتواضعة؛ فسفكت الدماء اللبنانية على الأراضي الفلسطينية وكذلك اللبنانية، غير أن تقاطع المصالح بين دول الغرب الكبرى وزعماء الدول العربية حالت دون توحدّ هؤلاء الآخرين لإنقاذ فلسطين. فقد عارض المجلس النيابي اللبناني القرارت الدوليّة بحق فلسطين أهمها قرار رقم 194 والقاضي بتقسيم فلسطين، وفي الوقت عينه، كان داعمًا ومؤيّدًا للقرارات التي تصبّ في مصلحة اللاجئين الفلسطينيين.
مع بداية النزوح الفلسطيني الكثيف إلى الأراضي اللبنانية، وضع لبنان كلّ طاقاته وامكاناته لأجل إيواء اللاجئين؛ فسعت الدولة اللبنانية الى تأمين الأراضي ونصب الخيم، وتعاونت الحكومة اللبنانية مع الجمعيات الأهلية المحلية والدوليّة لتأمين المسكن والملبس والغذاء والطبابة وغيرهم، سعيًا منهم إلى توفير أدنى مقوّمات العيش الكريم، حتى أن النواب تبرّعوا بأجر شهر من راتبهم لمصلحة أبناء فلسطين، بحسبان أن قضيّة اللاجئين هي قضيّة إنسانية، وأن الأزمة مؤقتة والعودة ليست ببعيدة، مع العلم إن لبنان هو بلد محدود الإمكانيات والمداخيل المالية نسبة للمصاريف التي ترتّبت عليه بسبب هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين.
لكن سرعان ما أخذ يتلاشى الدعم المعنوي والمادي للفلسطينيين مع الوقت، بعد أن تحوّل اللاجئ الفلسطيني إلى ثائر فمسلّح، وبدأ يشنّ العمليّات العسكريّة على ما يسمّى "إسرائيل" عبر الأراضي اللبنانيّة. فانقسم اللبنانيون رسميًا وشعبيًا انقسامًا حادًا إلى فريقين، وكان خلافهم يدور حول طبيعة الوجود الفلسطيني المسلّح ومدى هذا الوجود.
لم تقتصر العسكرة المجتمعيّة في لبنان على الفلسطينيين وحدهم، بل شملت أيضًا لبنانيين مسلمين ومسيحيين ويساريين، بحيث وجدوا في الكفاح المسلّح الفلسطيني قضيّة تستحق الدعم والتأييد.
وهذا ما ظهر جليًا في كلمات النواب في محاضرات جلسات المجلس، وأيضًا لدى قسم كبير من عامة الشعب وأغلبه من الطائفة المسلمة.
(...)
***
* باحث لبناني – يعدّ أطروحة دكتوراه في التاريخ - المعهد العالي للدكتوراه، الجامعة اللبنانية
المصادر والمراجع
1- فريد الخازن، تفكك أوصال الدولة في لبنان 1967-1976، دار النهار، بيروت 2002، ص 195-196
2- Charle Helou, Memoire Palestinienne et Accord de Caire, Vol 3, pp 58
3- محاضر مجلس النواب اللبناني، العقد العادي الأول، محضر الجلسة السادسة، الخميس 24 نيسان 1969
4- محمود أحمد، لبنان انهيار أم انتحار؟ مركز الاهرام للترجمة والنشر، مصر 1989، ص 130
5- محاضر مجلس النواب اللبناني، الدور التشريعي الثاني عشر، العقد العادي الثاني، محضر الجلسة الثانية، الجمعة 4 كانون الأول 1969
6- حسين شعبان، السياسة الرسميّة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مركز العودة الفلسطيني، لندن 2000، ص 4
7- محمود أحمد، لبنان انهيار أم انتحار؟ مركز الأهرام للترجمة والنشر، مصر 1989، ص 131
8- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1971، وثيقة رقم 485 ص 456
9- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، وثيقة رقم 376 ص 385-386
10- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1969، وثيقة رقم 488 ص 434، وثيقة رقم 452 ص 435، وثيقة رقم 455 ص 436
11- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية، العربية لعام 1969، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1971، وثيقة رقم 485 ص 457
12- ملحم قربان، تاريخ لبنان السياسي الحديث، الجزء الثالث: القرار، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 1979، ص 57
13- محاضر مجلس النواب اللبناني، الدور التشريعي الثاني عشر، العقد العادي الثاني، محضر الجلسة الثانية، الجمعة 4 كانون الأول 1969
14- فيصل سلمان، لبنان 1949-1985، الاعتداءات الإسرائيلية: يوميات – وثائق – مواقف، لبنان 1986، ص641
15- جوناثان رندل، حرب الألف سنة: حتى آخر مسيحي أمراء الحرب المسيحيون والمغامرة الإسرائيلية في لبنان، (لا مكان) 1984، ص138
16- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، وثيقة رقم 174 ص 205
17- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، وثيقة رقم 95، ص 123
18- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، وثيقة رقم 295، ص 378
19- بيار الجميّل، لبنان والمقاومة الفلسطينية، منشورات حزب الكتائب اللبنانية، (د. م.)، (د.ت.)، ص 15
20- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، وثيقة رقم 377، رقم 483
21- الجميّل، لبنان والمقاومة الفلسطينيّة، ص 15
22- جورج نصر الله، الوثائق الفلسطينيّة العربيّة لعام 1970، وثيقة رقم 378، ص 485
23- شوقي خليفة، لبنان بين الجيوبوليتيك الإسرائيلي والديمغرافيا الفلسطينيّة: التوطين أمر واقع، مطابع دكاش، لبنان، 2002، ص 278-279
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق