♦ حسن علي حسين *
نبذة عن البحث
يعالج البحث مدى العلاقة التي تجمع الرّضا الوظيفي بدافعيّة العاملين في "مؤسّسة هندسة وإعمار" في بيروت، وذلك من خلال دراسة ارتباط محددات الرّضا الوظيفي بالدافعيّة لدى العاملين. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تم اتباع المنهج الوصفي الارتباطي في الشقّ الأول من الدراسة، والأسلوب الميداني والأساليب الإحصائية والعلاقات، وعلى الفروق وفق المتغيّرات الأساسية للدراسة، في الشقّ الآخر.
تكوّنت عيّنة الدراسة من 52 موظفًا في "شركة الهندسة والإعمار"، وأستخدم استبيان من إعداد الباحث كأداة لجمع البيانات حيث تكوّن من قسمين: الأول يشمل بنود البيانات الشخصيّة (عمر، جنس، مستوى علمي...)، والثاني يشمل البيانات العلميّة أو العبارات المرتبطة بقياس الرّضا الوظيفي للعاملين (التدريب، التحفيز، الترقية) والعبارات المرتبطة بالدافعيّة. وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، والتوصيات التي يمكن البناء عليها والاستفادة منها.
- الكلمات المفاتيح: الرضا الوظيفي، الدافعيّة، علم النفس الصناعي
***
إنّ التغيّرات والتطورات الحاصلة في عصرنا الحالي، أضاءت على مصطلحات وقيم جديدة في ميادين العمل، وخصوصًا تلك التي تمحورت حول الفرد العامل وطرق عمله نظرًا لكونه العنصر الأساسيً في العمليّة الإنتاجيّة، بالإضافة الى إعداد هذا العنصر من تدريب وغيره من الأمور التي تستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا وتكلفة ماديّة أيضًا. وعليه فالإهتمام بهذا العنصر الأساسيّ الذي نسلّم بفعاليته وتأثيره على العمليّة الإنتاجيّة، يتأثر إلى حدٍّ كبير بمسألة الرضا الوظيفيّ لهذا العامل والتي تعدّ من الأهداف الرئيسة لعلم النفس الصناعيّ الذي يُعنى بتوفير أفضل الظروف للعاملين بهدف تحقيق الرضا الوظيفيّ وتحسين تكيّف الفرد مع عمله.
تعددت الجوانب والأبعاد التي تناولت مفهوم الرضا الوظيفيّ الذي يمكن أن يتأثر إما بالعمل بحدّ ذاته أو بجماعة العمل والبيئة المحيطة بالعمل. وليس من الضروريّ أن يكون الرضا الوظيفي مرتفعًا لدى الفرد العامل؛ فإذا كان هذا العامل راضيًا عن جانب معيّن من هذه الوظيفة، قد يكون غير راضٍ عن جوانب أخرى للوظيفة وأبعادها. إذًا فالرضا الوظيفيّ مسألة نسبيّة، وليس له حد أدنى أو أعلى، بحيث يعتمد على حصيلة التفاعل بين متطلبات الفرد وما يحصل عليه في موقف معيّن (الحيدر وبن طالب، 2005، ص 20). ويتحقق هذا الرضا من مصادر متعددة أبرزها: الأجر، فرص الترقية، التحفيز، التدريب الملائم للوظيفة، العلاقة مع الزملاء وغيرها من المصادر الأخرى.
وعليه فإن النظر في الدوافع والحاجات النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصادية للعامل في المنظّمة، يزيد من إنتاجيّته وارتباطه بالمهنة التي يقوم بها، بينما تجاهل هذه الدوافع والحاجات ينعكس سلبًا على الرضا الوظيفي للفرد، ويؤدي إلى الشعور بالنقص وتدني الدافعيّة للإنجاز في عمله. فالفرد العامل عندما يحقق الأهداف المنشودة من العمل الذي يقوم به، يشعر بتحقيق ذاته، وهذا يعدّ من المكونات الرئيسة لدافعيّة الإنجاز.
ويلحظ علماء نفس منهم الأميركي إبراهام ماسلو (Abraham Maslow) أن حاجة الفرد لتحقيق ذاته وحاجته للإنجاز، يُعدّان من أعلى الحاجات التي يسعى الفرد إلى تحقيقها، بحيث يساعد دافع الإنجاز في حلّ مشكلات صعبة تقف في وجه الفرد. كما أن العاملين الذين يمتلكون دافعَ إنجازٍ عاليًا يسعون إلى تحقيق تقدّم كبير في العمل، بالإضافة إلى مواجهة المشكلات التي تواجههم (عبد الله، 2003، ص 75).
إنّ مفهوم الرّضا الوظيفي من المفاهيم التي لطالما أخذت وتأخذ حيزًا واسعًا في إطار النقاش المرتبط بتحسين أداء ومستوى العاملين، ولا سيما أنّه يُعدّ من المعايير الرئيسة والمهمة في تحديد واقع المنظمة، ويراه كثيرون أنّه واحد من المفاتيح المؤثرة لتطوير أداء العاملين ودافعيّتهم في العمل، وهو "من المؤشرات المهمة في دراسة الواقع العمليّ للعاملين من حيث الأداء الخاص الذي يعكس الأداء العام للمنظمة" (عساف، 0199، ص 136).
وعليه نحاول في هذه الدراسة، تبيان العوامل المؤثّرة على الرّضا الوظيفي للعاملين وتأثيرها العام على الدافعيّة لديهم.
- إشكالية الدراسة: إن التطوّر الذي يشهده عصرنا، يتطلّب من الفرد وخصوصًا العاملين في المنظمات، تلبية احتياجات والتزامات ليواكب هذا التطوّر، مما يجعل العامل يواجه العديد من الضغوط والمشاكل في مكان عمله وخارجه، من هنا يجب على المنظّمة توفير الخدمات التي تساهم في تحقيق التوازن والتوافق النفسي والاجتماعي للعامل والتمتع بالصحّة النفسيّة لكي يحقق للعامل الرضا الوظيفيّ في عمله. فالمنظّمة تسعى دائما إلى زيادة الاهتمام بالفرد العامل، وتحاول الوصول به إلى درجة عالية من الرضا الوظيفيّ لدوره المهم في تحريك دافعيّة العامل وصولًا لدرجة الطموح في الاستمرار والإبداع في العمل.
ونظرًا لأهميّة الرضا الوظيفيّ وانعكاسه على الدافعيّة للعامل في أي منظّمة، برز لدينا الإشكاليّة الآتية: هل توجد علاقة ارتباط بين الرّضا الوظيفي ودافعيّة العاملين في "مؤسّسة الهندسة والإعمار"؟
واستنادًا إلى الإشكاليّة، تطرح الدّراسة الأسئلة الفرعيّة الآتية:
1- إلى أي مدى توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين التدريب والدافعيّة عند العاملين لدى المؤسّسة؟
2- إلى أي مدى توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين التحفيز والدافعيّة عند العاملين لدى المؤسّسة؟
3- إلى أي مدى توجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين الترقية والدافعيّة عند العاملين لدى المؤسّسة؟
هذه الأسئلة وغيرها هي ما نعالجه في الدراسة، بحيث نسعى إلى معرفة العلاقة بين المفهومين، وطبيعة هذه العلاقة ومتغيّراتها، والعناصر الحاكمة لها.
- فرضيّة الدراسة: انطلاقًا من الإشكاليّة المشار إليها أعلاه والأسئلة المنبثقة عنها، تطرح الدّراسة فرضيّة عامّة هي: توجد علاقة ارتباط إيجابية بين الرّضا الوظيفي ودافعيّة العاملين في "مؤسّسة الهندسة والإعمار".
أمّا الفرضيات الفرعيّة فهي:
1- يوجد ارتباط ذات دلالة إحصائية إيجابية بين التدريب والدافعيّة عند العاملين لدى المؤسّسة عند مستوى دلالة 0.01 ≥ α.
2- يوجد ارتباط ذات دلالة إحصائية إيجابية بين التحفيز والدافعيّة عند العاملين لدى المؤسّسة عند مستوى دلالة 0.01 ≥ α.
3- يوجد ارتباط ذات دلالة إحصائية إيجابية بين الترقية والدافعيّة عند العاملين لدى المؤسّسة عند مستوى دلالة 0.01 ≥ α.
- أهداف الدراسة: تسعى الدّراسة إلى تحقيق عدّة أهداف تنقسم على النحو الآتي:
الهدف الرئيس: يكمن بالتعرّف على العلاقة بين الرّضا الوظيفي ودافعيّة العاملين في "مؤسّسة الهندسة والإعمار".
الأهداف الفرعيًة:
1- السعي إلى التعرّف على مستوى الرّضا الوظيفي لدى العاملين.
2- السعي إلى التعرّف على مستوى الدافعيّة لدى العاملين.
3- السعي إلى التعرّف على العلاقة بين الرّضا الوظيفي والدافعيّة لدى العاملين.
4- الخروج بخلاصات حول الموضوع وتوصيات مرتبطة به.
- حدود الدراسة: ترتبط نتائج الدراسة الحاليّة بالمحدادت التالية:
1- الحدود البشريّة: اقتصرت على العاملين ضمن "مؤسسة الهندسة والإعمار".
2- الحدود المكانيّة: "مؤسسة هندسة وإعمار" في بيروت.
3- الحدود الزمانيّة: أجريت الدراسة خلال العام الدراسي 2019-2020.
4- الحدود الموضوعيّة: ترتبط الدراسة بموضوعيّة النتائج التي سيتم التوصّل إليها، لارتباطها بأدوات موضوعيّة، صادقة وثابتة، تُستخدم لأغراض هذه الدراسة بالتحديد.
- تعريف مصطلحات الدراسة:
1- الرّضا الوظيفي اصطلاحًا: درجة إشباع العامل لحاجاته عبر مصادر عديدة؛ منها ما هو مرتبط ببيئة العمل في المنظمة، ومنها مرتبط بالوظيفة التي يشغلها الفرد، وهذه العوامل تجعل العامل راضيًا عن عمله ومحققًا لطموحاته ورغباته (عبد الباقي، 2002، ص173).
2- الرّضا الوظيفي إجرائيًّا: درجة استجابة العامل إلى أبعاد الرّضا الوظيفي (التدريب، التحفيز، الترقية) والتي تقيس كل بُعد على حِدَه، والدرجة الكليّة على مقياس الرّضا الوظيفي المستخدم في الدّراسة.
3- الدافعيّة اصطلاحًا: تُحرّك العامل للقيام بمهامه على أفضل وجه، بكفاءة أعلى وجهد أقل، وإعطاء أفضل نتيجة لم تُعطَ سابقًا. ويُعدّ الشعور المرتبط بالأداء التقييمي للوصول لمعايير التميّز (McClelland, 1961).
4- الدافعيّة إجرائيًّا: درجة استجابة العامل على مقياس الدافعيّة المستخدم في الدّراسة.
- الإطار النظري والدراسات السابقة
الرضا الوظيفيّ: اهتمّ مجال علم النفس والسلوك التنظيميّ بموضوع الرضا الوظيفيّ منذ بداية القرن العشرين، كونه يرتبط بالبُعد الإنسانيّ لللعنصر البشريّ الذي يقوم بالعمل، لذلك إن موضوع الرضا الوظيفيّ أصبح من المواضيع المهمة لدى الأفراد والمنظّمات، كونه يساعد في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي للفرد ما يساعد على الأداء الجيّد والنجاح في العمل، كما يُعدّ المعيار لنجاح الفرد في مختلف جوانب الحياة. لذلك نتطرق إلى شرح وجيز عن هذا المفهوم والنظريات المفسّرة له والمحددات المؤثّرة عليه.
- مفهوم الرّضا الوظيفي: الرّضا كما عرّفه ابن المنظور في المعجم اللّغوي هو ضد السخط، أو القبول بالشيء، رآه أهلًا له ورضي عنه، أحبّه وأقبل عليه (ابن منظور، 1995، ص 50). وعرّفه لوك (Locke) بأّنه حالة شعوريّة سارّة تنتج عن العلاقة بين ما يريد الفرد تحقيقه من العمل وبين ما يقدّمه العمل له (Lauche, 2007, p114). بينما عرّفه موريس (Mores) بالارتياح في العمل المرتبط بالتوقعات التي ينتظرها العامل من عمله.
تشترك هذه التعريفات جميعها بمجموعة من الخصائص الأساسية، فالمنطلق الرئيس في تحديد مفهوم "الرضا الوظيفيّ": مجموعة من مشاعر الفرد اتجاه عمله سواء كانت إيجابيّة أم سلبيّة، تعكس بدورها تصوراته حول الإشباعات الماديّة والمعنويّة التي كان يتوقّع الحصول عليها في عمله، كما تؤكّد عبر مؤشرات أهمها: ارتفاع الإنتاجيّة، عدم التغيّب غير المبرر عن العمل، الميل إلى الاستقرار في عمله، وعدم السعي لترك العمل....
(...)
***
* باحث لبناني - حاز شهادتين: دراسات عليا (ماستر) في إدارة الموارد البشرية - جامعة آزاد الإسلامية؛ وماستر في علم النفس عيادي- عمل - الجامعة اللبنانيّة.
قائمة المصادر والمراجع
أ- المصادر العربية:
1. ابن منظور، حازم (1995). المعجم العربي الحديث للتفسير. المملكة العربية السعودية: الدار العربي للمنشورات
2. البادري، سعد بن مبارك (2011). تطبيقات علم النفس مهنة وتربية. الإمارات العربية المتحدة: دار الكتاب الجامعي
3. بن عيسى، عنابي (2003). سلوك المستهلك. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعيّة
4. بني يونس، محمد محمود (2007). سيكولوجية الدافعية والانفعالات. (ط1). عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع
5. تدمري، رشا (2016). البحث العلمي من الفكرة إلى المناقشة. (ط 1). لبنان: المكتبة العصرية للطباعة والنشر
6. حمادات، محمد (2002). قيم العمل والالتزام الوظيفي لدى المديرين والمعلمين في المدارس. عمان: دار ومكتبة حامد للنشر والتوزيع
7. حنفي، عبد الغفار (2002). محاضرات في السلوك التنظيمي. الاسكندرية: كليّة التجارة للنشر
8. الحيدر، عبد المحسن بن صالح؛ بن طالب، إبراهيم عمر (2005). الرضا الوظيفي لدى العاملين في القطاع الصحي في مدينة الرياض. الرياض: معهد الإدارة العامة مركز البحوث
9. ربيع، محمد شحاته (2010). علم النفس الصناعي والمهني. (ط 1). دار المسيرة للنشر والتوزيع
10. رشيد، مازن فارس (2003). اﻟذﻛﺎء اﻟﻌﺎطﻔﻲ واﻟﻘﻳﺎدة اﻟتحويليّة. ﻣﺟﻠﺔ اﻟﺑﺣوث اﻟﺗﺟﺎرﻳﺔ
11. الرميساء، البار (2014). المناخ التنظيميّ وعلاقته بدافعيّة الإنجاز. (رسالة ماستر). جامعة محمد خضير، الجزائر
12. ريان، طالبي (2018). التدريب وعلاقته بدافعيّة الإنجاز. (رسالة ماستر). جامعة قسنطينة 2، الجزائر
13. الزق، أحمد يحيى (2006). علم النفس. عمان: دار وائل للنشر
14. سلطان، محمد سعيد (2004). السلوك التنظيمي. الإسكندية: دار التعليم الجامعي
15. الصيرفي، محمد عبد الفتاح (2006). مبادىء التنظيم والإدارة. (ط 1). الأردن: دار المناهج للنشر والتوزيع
16. عبد الله، مجدي (2003). علم النفس التربوي بين النظرية والتطبيق. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية
17. عساف، عبد المعطي محمد (1990). مبادئ في الإدارة العامة وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية. الرياض: دار عالم الكتب للنشر والتوزيع
18. العطية، ماجدة (2003). سلوك المنظمة: سلوك الفرد والجماعة. عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع
19. العلاق، بشير (1999). أسس الإدارة الحديثة. عمان: دار اليازوري العطية
20. عياصرة، علي عبد الرحمن (2006). القيادة والدافعية في الادارة التربوية. (ط1). الأردن: مكتبة حامد للنشر
21. فواز، أحمد سلطان (2001). الحوافز الوظيفية في الأساليب والتكاليف والآثار. القاهرة: دار الأهرام
22. القنطار، فايز وعسكر، علي (2005). مدخل إلى علم النفس التربوي - التربية من منظور نفسي. (ط1). الكويت: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع
23. معمرية، بشير (2013). سيكولوجية الدافع للانجاز. سلسلة الكتاب الالكتروني، ع30. إصدارات شبكة العلوم النفسية العربية
24. مقاق، كمال (2014). علاقة التحفيز بدافعية الانجاز عند لاعبي البطولة الوطنية المحترفة الأولى لكرة القدم الجزائرية. (رسالة ماستر). جامعة محمد بوضياف، الجزائر
ب- المصادر الأجنبية:
- McClelland, D.C (1961). The Achieving Society. New Jersey: Van Nostrand
- Lauuche, Claude (2007). Introuduction `a la psychologie du travail et des organisatoins. Concepts de base et applications. Paris: armand colin e`diteur.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق