♦ محمد مهدي ناصر الدين * - (نصوص)
سداسية
(إلى زكريا الزبيدي ورفاقه)
تخرج النبتة إلى الضوء
الفلّاح يعرف الثلمَ في الأرض
يد الفلاح تعرف الجذر الطري
روح الفلاح تعرِف.
*
يخرج الشعر إلى الضوء
الشاعر يعرف الرعشةَ في الورقة
يد الشاعرِ تعرف الكلمة المرتجفة
روح الشاعر تعرف.
*
يخرج النبع إلى الضوء
الربيع يعرف النبض في العمق
يد الربيع تعرف طلقَ الولادة
روح الربيع تعرف.
*
تخرج اللوحة إلى الضوء
الرسام يعرف القلق في اللون
يد الرسام تعرف رجفة الريشة
روح الرسام تعرف.
*
تخرج اللؤلؤة الى الضوء
الغواص يعرف الجرح في المحارة
يد الغواص تعرف قلق البحر
روح الغواص تعرف.
*
يخرج ستّةٌ إلى الضوء
فلسطين تعرف الملعقة في النفق
يد فلسطين تعرف الريح في الزنزانة
روح فلسطين تعرف.
***
ممكنات الشعر
في الشعر يمكنُ
أن تكونَ طبيبًا للأسنان،
أو ممرضة في حرب،
أو حتى أمًّا تطبطب على طفل،
ترصرصُ الفراغ بجملة،
أو تنتزع من القصيدة
كلمة زائدة كرصاصة في الطحال،
أو تلصق الأحرف نجومًا تتدلى
راقصة فوق السرير،
يمكن أيضًا أن تتركَ
منطقة اللطف
وتفجّر أنت مجرّة في السماء
تلعب كالربّ بالنرد،
بالمفرقعات النارية في الفضاء،
يمكنك أن تحنّط الجثث
وتحملها بنفسك
إلى نهر ستيكس،
يمكنك أن تكون براق الليلةِ،
وبحر الكهف.
***
جدل
لا يفعل الربيع شيئًا
بليدًا، يفسحُ للورود تربته
والسماء للبلابل؛
الشتاءُ فقط يجعلها لامرئية
تتفتح في عِرق يدكِ الصغير
وتطير في عينيك
الشتاءُ
شاعرُ الحب.
***
استعارة الجائعين
الغيم في تحولات الفصول
استعارةٌ الشاعر
حين تسافر ولا تصلُ،
لكنهم خرجوا من السورة
مسكينًا
ويتيمًا
وأسيرًا
وصلوا للمائدة في يدكِ
سكروا وصلّوا
كسروا الاستعارةَ وناموا.
***
وصية إلى القارىء
كتبتُ في الوصية:
احرقوا الجثة
ضعوا الرفات في صندوق صغير
لا تأبهوا بعدها بالريح،
كذا كتابي
جرةُ رماد
تركتُ لك عند بابها
ثغرة صغيرة
اقترب منها أيها القارىء
بخفة العصفور
لوّن جناحيك
ثم سدّ الثغرة برفق .
***
تبادل الأمكنة
إنها الثالثة قبيل الفجر
تتفقد الفيسبوك بعين نصف مغمضة
تجد like من صديق مات منذ سنتين،
يسألك على بريدك الخاص عن ساعته الجلدية
وعن الحياة في عقربيها، وذلك الصوت الرتيب: تك تك تك،
وعن ديونه لبقال الحي:
قصاصة الأظافر، علبتا مالربورو،
معلبات سيئة الطعم،
ثم يسألك عن طاولة ورق الشدة
وهل تزوجت بنت البستوني،
الأرملة بالشادور الأسود التي تحمل وردتين
وعن الملك الأحمر باللحية البيضاء
حين يقتصّ من الحسين ولوركا،
تسأل بدورك الصديق الذي مات منذ سنتين
عن أبيك حين يسقط الثلج بكثرة خلف الجبل
وعن أشياء كثيرة خلف الباب:
هل يشبه الرب كارل ماركس بلحيته المشعثة
وعن جنس الملائكة في السماء البعيدة وكيف يحدق الأطفال المقتولون بعيون قاتليهم،
يسود بعدها صمت طويل فوق الشاشة الصغيرة،
تتبادل مع صديقك الأسرّة في النوم الطويل.
***
جارتان
الشجرة والغيمة جارتان منذ الأزل
تريد الغيمة أن تقول كلمة واحدة:
"شجرة."
تريد الشجرة أن تقول كلمة واحدة:
"غيمة"
حين تقول الغيمة "شجرة"
وتقول الشجرة "غيمة"
سيكون كل شيء على ما يرام
يتقاعد الشاعر في شجرة تحت غيمة.
***
الاستعارات والأغاني
أُتْرك الطلقة الأخيرة في مسدسك لهيجل،
ملك التاريخ يكذب،
الاستعارات ممكنة ولو رديئة
كذلك الأغاني،
هذه أغنية واستعارة:
"ولد يبصر القوافل تذهب بعيدًا في الصحراء،
ثم يرى الكلاب تجلس فوق سطح العالم".
هذه أيضا استعارة وأغنية:
"حين يتعذر تصليحه،
يقول الراديو أشياء عظيمة،
ش ش ش ش
مثل البحر تمامًا
حين يصرخ في كل موجة
بأنه غريب عن الماء."
***
الفصول
يمرّ شتاء، شتاءان،
يتوالى البرد على الستارة
تميل الستارة إلى السواد
كقلوب الذين يحقدون كثيرًا،
يمرّ ربيع، ربيعان،
تتوالى وجوه على قلبك
يفرغ قلبك رويدًا رويدًا
مثل متحف مسروق،
يمرّ خريف، خريفان
يتوالى فراغ على المقعد البعيد
تعطي موعدًا للحبّ عند الساعة الرابعة
في الأوراق بدل الأمكنة،
يمرّ صيف، صيفان
تتوالى شموس على الأرض
تحرق الشمس الخبز والظل في يديك
يمرّ بعدها شتاءان ربيعان صيفان خريفان
تقول لامرأة تحبها:
"العصافير مرّت بكثرة بيننا،
لم نعد نعرف البتّة
أين يبدأ الفضاء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق