Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

ظاهرة الحزن في شعر باسم عباس - دراسة سيميائية بنيوية في ليس موتًا إنه نعاس غريب

د. نوال مونس - مجلة الحداثة

نوال سمعان مونّس *


نبذة عن البحث


يكشف الشّعر العربي عن ظاهرة حزن وألم، تتلخّص بمواضيع اجتماعية عديدة برزت بعد الحرب العالمية الأولى، كالجوع والمرض والتّخلف، وكان الهدف من وراء ذلك تغيير الحالة السّيئة الّتي يعيشها الإنسان وصولًا إلى تحقيق حالة أفضل، فقد قرّر الشّاعر العربي حمل لواء الدّفاع عن الإنسانية، ورفض الآلام الّتي يعانيها، فكابد العديد من المشكلات من أجل الحصول على حريّته.
ويمكن القول إنّ قصيدة نازك الملائكة (1923- 2007) "الكوليرا" في 27 تشرين الأول من العام 1947م. وقد نشرت في ديوان "شظايا الرّماد"، وتُعدّ من أبرز القصائد في الشّعر العربي المعاصر التي توضّح فيها مفهوم الموت الّذي عدّته هو الخلاص، وكرّرته مرّات عديدة في القصيدة عينها[i].
وجد الشّعراء العرب الحزن طريقًا إلى عالم مختلف، يعبّرون من خلاله عن حالتهم الفكرية، وقد تبدو التّحولات السّياسية والانكسارات الّتي برزت في الآونة الأخيرة، وأهمّها القضية الفلسطينية لها الدّور الأكبر في ظهور نزعتي الحزن والألم؛ فقد حمل الشّعراء ضياعهم وتشتتهم بسبب الحرب، كما تأثّروا بالشّعر الأوروبي، ولا سيما بالشّاعر ت. س. إليوت (Thomas Stearns Eliot/ 1888 – 1965) صاحب قصيدة "الأرض اليباب" (The Waste Land). فغلب على شعرهم إحساسهم بالخوف من المجهول، إلّا أنّ هناك أمرًا مغايرًا جديرًا بالذّكر هو أنّ ظاهرة الحزن لم تقف عند نقطة التّأثّر بالوضع الرّاهن، والرّغبة في التّغيير، فقد برز الموت في نصوص الشّعراء الشّعرية، مشكّلًا موسيقى حزينة بيّنت الانكسارات الدّاخلية، والعذابات الفكرية الّتي تضربهم حين يفقدون عزيزًا، فلا يتحمّل فؤادهم ولا يقوون على التّعبير إلّا بالموسيقى الحزينة، فهي أقرب إلى النّفس، وهي حالة قد تكون خاصّة، لكنّها تتحوّل إلى عامة، لأنّ النّفس تميل إلى قراءة كلّ ما يؤثّر بها، والشّاعر الّذي يتمكّن من تحويل حالته الخاصّة إلى حالة عامة، لأنّ الله قد حباه قدرة في التّعبير يفتقر إليها الغير، هو المؤثّر الأكبر في الآخرين.
من الّذين برز الألم في شعرهم، وتمكّن من نقل ظاهرة الحزن بشكل مؤثّر هو الشّاعر اللبناني الجنوبي باسم عبّاس[ii] الّذي بدت ظاهرة الحزن في ديوانه "ليس موتًا إنّه نعاس غريب"[iii] واضحة وجليّة، لأنّه عبّر فيه عن فقدان ابنه جاد، فسيطر الألم سيطرة واضحة على ألفاظه ومعانيه.
ظاهرة الحزن في شعر باسم عباس ( دراسة سيميائية بنيوية في ديوان " ليس موتًا إنّه نعاس غريب ") نوال سمعان مونّس مجلة الحداثة - عدد 205 / 206- شتاء 2020

- الاشكالية والمنهج

انطلاقًا من هذه الفكرة تمثّلت الإشكالية الّتي نريد البحث عنها، وهي: هل برزت ظاهرة الحزن في شعر باسم عبّاس بشكل واضح وصريح أو بشكل رمزيّ؟ وهل تمكّن من خلال ألفاظه وموسيقاه من التّأثير في الغير؟ وما الأسباب الّتي أدّت إلى بروز هذه الظّاهرة بشكل قوي؟
لقد اعتمدنا في هذا البحث المنهج السّيميائي البنيوي، وهو منهج قائم على مقاربة نصوص الشّاعر في ديوانه مقاربة نلحظ من خلالها المستويات الصّوتية والمعجمية والنّحوية، ومراقبة المتعارضات والشّيفرات الثّقافية من خلال: تقطيع النّصّ وتأطيره؛ أي "تقطيع النّص إلى متتاليات يسمح بإنجاز تحليل منهجي، ويسهّل الكشف عن نسيج النّصّ، وعن تنظيمه"[iv]، والإجابة عن الأسئلة الآتية: من يتكلم؟ إلى من يتوجّه؟ أين؟ متى؟ وعلام يتكلم؟

- "ليس موتًا إنّه نعاس غريب"

يوضّح ديوان "ليس موتًا إنّه نعاس غريب" للشّاعر باسم عبّاس أنّه يشتمل على مرثية طويلة سيطرت على الدّيوان كلّه، كتبه بعد موت ابنه جاد، مفرغًا حزنه وألمه، ما يدفع بالقارئ إلى أن يتأثّر تأثّرًا واضحًا بهذا الحزن، ويعود ذلك إلى العاطفة الصّادقة البارزة بين صفحات الدّيوان، فلا يوجد أصدق من عاطفة أبّ يتوجّع، وشاعر يئنّ على فقدان عزيز، لم يتمكّن من التّعبير سوى بالحبر الأسود والقلم الموجع.
تبدو أبيات الدّيوان مؤرّخة بتواريخ كتابتها، وكأنّه يكتب يوميات وجعه، ويسرد للقارئ أنينه، فلم يترك صفحة إلّا وعبّر فيها عن خلجات نفسه الّتي تتألّم على فقدان ولده، حتّى أنّ المقدمة اشتملت على رسالة أطلق عليها اسم "رسالة أولى"، وجّهها إلى حبيبه جاد. يقول: "يا قامة الرّيح!.. شاءت شهوة القبر أن تخطفك، لكنّ العصافير تناديك، والفراشات ترنو إليك، والأزهار تنتظر أن تحمل إليها المطر، وعيون الأشجار الّتي كنت تكحّلها، تهفو إلى نظراتك!.."[v]
تعكس هذه الجمل شعرية باسم عبّاس، علمًا أنّه لم يلتزم أي تفعيلة بها، ولم ينظمها على بحر معيّن، بل تركها لتعبّر عن عاطفته الصّادقة، بصور بيانية تحمل الحزن الدّفين في الرّوح، فهو ينادي بها ابنه بـ (يا قامة الرّيح)، ويعطي القبر رمزية معيّنة، فهو إنسان قادر على الخطف، يأخذه من الحياة وينقله إلى عالم آخر، حيث العصافير تنتظره، والفراشات تراقبه وتنظر إليه، والأزهار تحمل المطر الباعث للحياة، جاعلًا الأشجار لها عيون تكحّلها نظرة ابنه.
ولا يكتفي الشّاعر بهذه الصّور الشّعرية، بل يكمل رسالته معتمدًا عليها، مغدقًا عاطفته، مغلّفًا عباراته بحزن واضح، وألم بارز، متحدّثًا عن صفاته. يقول: "لن أنسى ذكاءك المتوهّج، وطيبتك النّادرة، ولن أنسى أنّك ما ارتكبت خطأ واحدًا لا في البيت ولا في المدرسة، ولا في مشاويرك يا أمير المشاوير!"[vi]
يبرز الشّاعر ذكاء ولده وطيبته، وتميّزه بعدم ارتكاب الأخطاء، ويتحدّث عنه بمقدمة أخذت شكل الرّسالة الأولى، وهي رسالة إبداعية أدبية تعبيرية، بعيدة من البحور الخليلية وشعر التّفعيلة، لكنّ عبّاس قد بنى ديوانه لاحقًا على بحور الخليل تارة وعلى شعر التّفعيلة تارة أخرى، معتمدًا الشّكل الحديث، مكسّرًا القيود الخليلية، مع الاعتماد على أوزانها.
ويبدو أنّ اختيار هذا الموضوع سببه ذاتي أولًا، لما لهذا الدّيوان من مكانة خاصّة في قلبي، فقد أثّر بي تأثيرًا دفعني إلى الدّخول إلى أعماقه وسبر أغواره. وموضوعي ثانيًا يقوم على دراسة ظاهرة الحزن في ديوان "ليس موتًا إنّه نعاس غريب"، والوقوف على أثره في ذات المتلقّي.

(...)

***


* باحثة لبنانية - حائزة شهادة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها – الجامعة اللبنانية


[i] الملائكة، نازك: قضايا الشّعر المعاصر، دار العلم للملايين، ط.6، ص: 19
[ii] باسم عباس: شاعر جنوبي من مواليد بلدة دير قانون راس العين (من قضاء صور – جنوب لبنان) في العام 1957، حائز إجازة في اللّغة العربية وآدابها من الجامعة اللّبنانية في العام 1982. أعدّ برامج ثقافية وتربوية ووطنية بين عامي 1990 و1997. هو رئيس المنطقة التّربوية في الجنوب من العام 2012، ونائب رئيس الحركة الثّقافية في لبنان. نشر قصائده في صحف لبنانية وعربية كثيرة، وحاز جوائز ودروعًا تكريمية. صدرت له دواوين عديدة، هي: جرعة من لهيب الشّمس، تجاعيد المسافة، سلال الوقت، عشب الحنين، مرايا شاغرة، يداك حدائق العشّاق، جمر عتيق، سرير الموج، ليس موتًا إنّه نعاس غريب، عندما يعطش الماء، ناوليني الصّباح، إضافة إلى كتابِ نقديّ بعنوان "فضاءات مغايرة".
[iii] عبّاس، باسم: ليس موتًا إنّه نعاس غريب، دار الفكر اللّبناني، بيروت، 2012، ط.1، ص: 8
[iv] أيّوب، نبيل: النّقد النّصّي 2 وتحليل الخطاب، ص:55
[v] عبّاس، باسم: ليس موتًا إنّه نعاس غريب، م. س.، ص: 8
[vi] عبّاس، باسم: ليس موتًا إنّه نعاس غريب، ص: 6

(...)


مجلة الحداثة - عدد 205 / 206- شتاء 2020


اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (975) أبحاث في الأدب واللغة (349) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (179) أبحاث في الفنون (167) أبحاث في التاريخ (123) أبحاث في التربية والتعليم (108) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (77) أبحاث في علم النفس (61) مراجعات (59) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) افتتاحية الأعداد (36) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (34) شتاء 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) أبحاث في الإعلام (31) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (23) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) نوافذ (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) أبحاث في القانون (19) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) أبحاث في العلوم والصحة (15) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة