يحتلّ موضوع الذّكاء مكانة مهمّة في الدّراسات والأبحاث المعاصرة، ويُعدُّ من أهمّ موضوعات علم النّفس، نظرًا لقدرته على مساعدة الفرد في تحصيله الدراسيّ، والنّجاح المهنيّ، والابتكار، وحلّ المشكلات، والتكيّف مع المتغيّرات المحيطة. وللذّكاء أهميّته في النّشاط الاجتماعيّ للفرد، وتفاعله مع الآخرين، ونجاحه كونه عضوًا في المجتمع. كما أنّ للذّكاء الدور الأساسيّ في تمكين الفرد من التكيّف مع شروط البيئة المتغيّرة (سعادة، 2017).
وعُرفت نظريّة الذّكاءات المتعدّدة مع جاردنر في كتابه الشّهير "نظريّة الذّكاءات المتعدّدة" عام 1983، حيث انتقل من المفهوم الكلّي للذّكاء إلى الاهتمام للكيفيّة الّتي تنمّي بها الأفراد الكفايات اللاّزمة لنمط عيشها (Brualdi, 1996).
وأشار آرمسترونج (Armstrong, 2003)، إلى أنّ جاردنر وبعد أن أجرى عددًا من الأبحاث الخاصّة بالدّماغ، ودراسات ثقافيّة للعباقرة وذوي الاحتياجات الخاصّة، توصّل إلى عدد من الفرضيّات الّتي شكّلت في مجموعها نظريّة الذّكاءات المتعدّدة، وأبرزها الفرضيّة القائلة بأنّ جميع الأفراد مزوّدين بقدر كافٍ من الذّكاء، وكلّ شخص فريد بذكائه، ويمتلك تركيبة ذهنيّة خاصّة به.
انطلاقًا من هذه الفرضيّة، جاءت فكرة هذه الدّراسة لتربط بين نظريّة جاردنر والعمليّة التّعليميّة التّعلّميّة. والرّبط هذا منطقيّ، لا بل حاجة، بما أنّ كلّ فرد يستطيع أن يطوّر ذكاءه بأبعاده المختلفة إلى أعلى مستوى، إذا تمّ توفير التّعليم المناسب له. لذا، على المعلّم أن يُراعي الاختلافات بين المتعلّمين، وأن يختار الاستراتيجيّة التعليميّة المناسبة لكلّ فئة منهم وبحسب اختلاف ذكاءاتهم.
وجديد الدّراسة أنّنا لم نكتف بعرض استراتيجيّات الذّكاءات المتعدّدة، إنّما عملنا على توظيفها في خدمة ثلاث من كفايات اللّغة العربيّة وهي: الفهم الشّفهيّ، والقراءة التّحليليّة، والتّعبير الكتابيّ، مع مراعاة مراحل تعليم وتعلّم كلّ كفاية، آملين أن تتحوّل الدّراسة إلى دليل يرشد معلّمي اللّغة العربيّة ويساعدهم في تعليم الذّكاءات المتعدّدة.
وفي ضوء ما ورد، تكمن أهميّة الدّراسة كونها تسلّط الضوء على جانب ما زال معتمًا حتّى يومنا هذا، وهو تعليم اللّغة العربيّة بالذّكاءات المتعدّدة. هذه اللّغة الّتي تعاني من واقع مأزوم لأسباب ثقافيّة واجتماعيّة وسياسيّة، توجب على كلّ تربويّ أن يبحث عن سبلٍ لإنقاذها، وإعادتها إلى موقعها المرموق بين سائر لغات العالم.