نوافذ: في طريق العودة من الحداد

ماجدة داغر - مجلة الحداثة


ماجدة داغر * 


أكثِر من سنابلِك في دَمي
لتنصبغَ الأرضُ بالقمحِ الأحمر
وتغنّيَ السناجبُ الجائعة.
دمي مشروطٌ برحيلِ الآلهة
لتغسِلَ الريحُ أجسادَ الثوار.
لمْ تبدأ فييَّ بعد،
أَسمعُ مجيئَكَ يلطِم أشرعةً بلا بحّارة،
وطائرُ السيمورغ
يشُقّ طريقًا في سماءٍ ملبّدة باللهاث.
ولا تجيء.
كأن الإيابَ متواطئٌ مع قدمَيْك
تمشي أعلى من التراب بزنبقة
وترمّم ضِلعَ السنبلةِ المكسور.
وأنا، في المسافةِ القاتلة
بين خاصرتِي والرُّمح
أُفرغُ الغِمدَ من الضجَرِ والأَسرى.
لكَ في الإغواءِ الأخير
ذاكرةُ الكأسِ المتشقّقة
كَروحِ النَّسر الجريح،
ولي في الغوايات الهرِمة
مرآةٌ متحالفةٌ مع جيشٍ منهزم.
الأقدارُ في يُمناك
قبْضٌ على الأمسِ المسفوك
في طريقِ العودةِ من الحداد.
امرأة متشّحةٌ بالنساءِ والأراجيز
يعانقُ خَطوَها غسقُ المنام،
تجرُّ سُبحتَها المتصلةَ بتضرعاتِ فينوس
لتنامَ في المَحارة قبل هبوطِ الذاكرة.
في طريق العودةِ
تطيلُ التحديقَ في أشيائي المتساقطة
لئلّا تلامس الأرض،
وفي نظرتِك المأهولة
بيوتُ عناكب وتَناصُّ قصائد.
غواربُك غيمٌ يَدُرُّ قوافي
فأَعبُرُ على رَوِيِّكَ الساخن
لأصنعَ خبزًا كفافَ قصيدتي.
بين مُنخَفضِ الرُّهابِ وأَعالِيك
زمنٌ يتمدّدُ كحِممٍ ملتهبة
وأذرعٌ مهدورةُ العناق،
وأنا أعيدُ ارتداءك عند عودةِ كلِّ خريف.
أُنازِل هبوبَك بلا سُترةٍ واقية
وأنثُرُ في أثلامِ صدري
بذورًا للكَواسِر والحصّادين.
أحلُم بنصٍّ طويلٍ ينتهي بغمّازتَين
أُعلّقه على ستائرِ عَرينك
لئلا تدخل الفريسةُ إلى حزنِك.
وهي تغنّي، تقفُ السناجبُ الجائعة
على ناصيةِ القصيدة
تلتهمُ الشطورَ المتخمةَ بك
وتتركُ ليَ الأفعالَ الناقصة رغيفًا.
أغنّيك مُتَلبّسًا بالرحيل
صوتي كفنٌ ممزّقٌ لموتِك المتكرّر
قيامتُك تنتحِلُ الرجوعَ
ولا تجيء.

* شاعرة من لبنان

***


الحداثة - خريف 2018