وديعة إبراهيم الأميوني *
- نبذة عن البحث
تُعدّ الدراسات السوسيولوجية تقنيات "التواصل الاجتماعي" رافدًا أساسيًّا، وركنًا مهمًا في بناء منظومة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في المجتمع المعاصر، في ظل التحولات والتطورات المعرفية الحاصلة خلال العقد الأخير بشكل متسارع ومتلاحق على المستوى التكنولوجي للتواصل. ولعلّ أهم الاكتشافات في هذا المجال شبكة المعلومات العالمية أو "الانترنت" التي تعدّ من أبرز وأهم الانجازات في عصر المعلوماتيّة [i].
تصنّف شبكة الانترنت أو ما يسمّى بـ"الشبكة العنكبوتية" من أحدث وسائط التواصل الاجتماعي، ويعرّفها بيل جيتس (Bill Gates) بأنها مجموعة كمبيوترات موصولة معًا تستخدم بروتوكولات قياسيّة لتبادل المعلومات، وتوفّر للفرد إمكانية الحصول على كمّ هائل من المعطيات والموضوعات من مصادر ومواقع عديدة. وهي شبكة معلوماتية عالمية [ii] تربط الناس والمعلومات بحيث تسمح بالاتصال بين شخص وآخر، وباسترجاع المعلومات من خلال الذاكرة الالكترونية [iii].
وعليه، أفضى التقدم الهائل في التكنولوجيا منذ نهاية القرن الماضي إلى انتاج وسائل إلكترونية حديثة على التواصل الاجتماعي، عملت على إحداث تغيير في الأطر العلائقية للأفراد وأشكال تفاعلهم. ويأتي "الكمبيوتر" في مقدمة هذه الوسائل من دون منافس، لتحدث تغييرات جذرية في بنى العلاقات، ويعادلها في تأثيراتها الهاتف الخليوي ((Mobile phone [iv]. جعلت هذه التطورات السريعة والمتلاحقة العالم "قرية صغيرة"، تتفاعل وحداتها مع بعضها البعض، ويتأثر كل جانب منها بما يحدث في جوانب أخرى [v].
إن "الشبكة العنكبوتية" اليوم هي التقنية والوسيلة الفعّالة في عملية التواصل الاجتماعي من حيث قدرتها على تسهيل وتحقيق العلاقات، وتقريب المسافات بين الأفراد والجماعات، بخاصة بعد انتشار مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي (Social Media) مثل "التويتر" (Twitter)، و"الفايسبوك" (Facebook)، و"الانستغرام" (Instagram)، و"السناب تشات" (Snapchat) وغيرها الكثير. وتأتي دراستنا مقاربةً لمسألة علاقات الشباب الجامعي الافتراضية على ضوء الطفرة "الانترناتية" التي أثّرت في الاشكالية الثقافية والسلوكية لهذا الجيل الذي يستخدم شبكة الانترنت مستمدًا منها المبادئ والأفكار، فضلاً عن منظوماته الفكرية والثقافية والتربوية، بخاصة من خلال تواصله الالكتروني/الافتراضي عبر صفحات "الفايسبوك"، فسعة استعمال الشباب لهذه الأخيرة بهدف عرض وتبادل الصور والأفكار والمعلومات والدردشة، يضع المسألة السلوكية والأخلاقية والثقافية على المحك، بخاصة في ما يطال مفاهيم مصداقية الفرد أو خصوصيته ضمن إطار الجماعة [vi]، ومدى جديّة وصدق مستخدمي الفايسبوك أو ما نسمّيه بـ"الفايسبوكيين" في تبادل المشاعر والمنشورات والمعلومات الشخصية، أو العلمية والأدبية والفلسفية وغيرها، وعرض الصور المعدّلة على التطبيقات المختلفة، والمبالغة في التعبير تجاه منشورات الآخرين، كأسلوب تفاعلي يطرح مسألة الاندماج والتواصل الحقيقي بعيدًا من التكاذب كإشكالية سوسيولوجية تستحق الدرس والتحليل.
لقد استطاع "الفايسبوك" الدخول إلى مجتمعنا اللبناني، وعلى الرغم من الانتقادات التي تتعرض لها الشبكات الاجتماعية كالتأثير السلبي على المجتمع وتفككه، يعتبرها البعض مصدرًا للتفاهم والتعارف، وتقريب المفاهيم، والاطلاع والتعرّف على ثقافات الشعوب المختلفة. في هذا الصدد تشكل شبكات التواصل الالكتروني موضوعًا تصطدم فيه أطروحتان مختلفتان؛ الأولى تعتبرها فرصة ذهبية لتبادل العلم والمعرفة، وتقصير المسافات، أما الثانية فتُعدّها مصدرَ الخطر الحقيقي على العلاقات الاجتماعية، وتؤدي إلى ابراز مجتمع يحمل عوامل القطيعة مع التقاليد الثقافية، وإلى العزلة وتفكّك نسيج المجتمع، إذ يرى أصحاب هذا التوجه أن هذه الوسائل قد اقتحمت الحياة الاجتماعية والعائلية بحيث قلّلت من فرص التفاعل والتواصل داخل الأسرة [vii].
في ضوء ما سبق، تأتي هذه الدراسة لرصد دوافع استخدام "شبكات التواصل الاجتماعية"، وتحديد أثر "الفايسبوك" على العلاقات الاجتماعية، وقدرة هذه الصفحة على خلق عالم وهمي يدفع بالفئات الشابة المتعلمة إلى الانغماس به، والتخفي من ورائه، إضافة إلى الكشف عن اللجوء إلى التكاذب في عرض المعطيات والصور، والمبالغة في التعبير ضمن إطار العالم الافتراضي الذي تفرضه، وفتح حسابات صفحات مزيّفة تحمل أسماء لا تعبّر عن صفة المستخدمين الحقيقية، وتصنع نشاطًا مغايرًا لا يتطابق مع واقع المستخدم الاجتماعي.
***
* باحثة وأكاديمية وأستاذة في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية
[i]- المجلة التربوية: "توظيف الانترنت في التعليم ومناهجه"، العدد74، المجلد19، قطر، 2005، صص110-150
[ii]- مي العبد لله سنو: الاتصال في عصر العولمة، الدور والتحديات العديدة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر،2001، ط2، ص36
[iii]- محمد جعفر عارف: الانترنت والبحث العلمي، خوارزم العلمية للنشر والتوزيع، جدة، 2007، ص16
[iv]- د. وديعة الأميوني، د.كلود عطيّة: العلاقات الاجتماعية بين العالمين الافتراضي والواقعي، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، 2015، ص7
[v]- محمد سيد فهمي: تكنولوجيا الاتصال في الخدمة الاجتماعية، الاسكندرية، 2000، ص70
[vi]- م.ن.، ص 12
[vii]- ماجد بوستيلين: ثقافة الانترنت وأثرها على الشباب، دائرة الثقافة والمعلومات، جامعة الشارقة، 2006، ص 143