♦ رائدة علي أحمد *
- نبذة عن البحث
اختلف النقاد قديمًا وحديثًا حول تعريف الفنّ، وما إذا كان قائمًا على المعرفة وحدها أو على التجارب الإنسانية التي تعمّق قيمة الفنّ وتمنحه بعدًا إنسانيًا، وللحديث عن هذين الاتجاهين لا بدّ لنا من تأريخ نشأة الفنّ وتطوره عبر العصور.
نشأ الفنّ منذ وجد الجمال، وعرف الجمال مذ وجدت الطبيعة، التي كانت ولم تزل إلهام الفنانين بمن فيهم الشعراء والأدباء، وما يعنينا في هذا السياق إلهام الأدباء والشعراء على وجه التحديد.
إنّ إلهام الأدباء والشعراء قد مرّ بمراحل عديدة عبر التاريخ الأدبي، حيث ظهر الفنّ بأشكال مختلفة، وفقًا للمعطيات النفسية والوجدانية والإبداعية، وتطور هذا الفنّ مع تطوّر الإنسان، حتى أصبح، مع بداية القرن العشرين، علمًا قائمًا بذاته، تهافت لدراسته كبار الأدباء والنقاد والمستشرقين، وألّفوا فيه الكتب العديدة، وواكبوا تطوره، وما زالوا يواكبونه حتى يومنا الحاضر.
وإذا عدنا إلى صفحات التاريخ لوجدنا أن للفنّ بطاقة هوية دوّنها التاريخ عبر مراحل، وسنستعرض المراحل التاريخية بشكلها العام، متوقفين عند بعض الآراء في الفنّ.
كان الفنّ عند أرسطو محاكاة للطبيعة، يصف الظواهر الحسيّة من دون التعمّق والتغلغل في الداخل. انطلق من المحسوسات واعتبر مؤيدوه أنّ من المحسوسات ابتدع الإنسان ما شاء له في كلام جميل موزون ومقفّى مبني على الاستعارة والأوصاف ودوّنوه على أنه أدب([1]).
وقيل في الأدبية أيضًا إنه الشعور وإبراز العواطف بطريق الخيال، كما قيل فيه إنه يقتصر على تنمّق الكلام وكشفه([2]).
أما عند البنيويين فقد كان للصوت قيمة عالية، يعطون الأهمية للغة غير الذاتية المختزلة إلى مادّيتها الرافضة للمعنى، مبتعدين أيضًا عن تجريد الرؤيا والنسج الفكري([3]). وكانوا يبحثون عن الشعرية في اللغة والشكل والبنية، مهملين الفاعل والتجربة والشعرية والنفساني والاجتماعي، والتطور الحضاري ربما لأنهم كانوا يعجزون عن فهمها([4]).
ومن الملاحظ أنّ البنويين رسّخوا حصر الأدبية بالتنظيم الخالص للأشكال والجمالية، بجمالية مواد البناء. وجعلوا العملية الشعرية تجريبًا من غير تجربة، ولعبة انحرافات من غير رؤيا. فالبنيوية في اتجاهاتها المختلفة تستند إلى الفلسفة الجمالية القديمة والجديدة في الكثير من مبادئها([5]).
أما الواقعية، فقالت بأن الفن "هو صيغة من صيغ المعرفة... هو انعكاس للواقع الموضوعي([6]).
على ضوء التعريفات العديدة الواردة في متون كتب الجمال حول الفنّ يتبيّن أنّ المعرفة وحدها لا تعطي فنًا، ما زالت التجربة الإنسانية والثقافية الواسعة مفقودة.
ويبقى الخلاف قائمًا ما بين القديم والجديد حول مفهوم الجمالية وتحديدها، إلا أنّ الحداثة تعتبر أنّ الفنّ مظهر من المظاهر الجديدة، من حيث هو لغة، ومن حيث هو طريقة في إبداع الصيغ والأشكال التعبيرية، لأن اللغة تتحول عن مدلولاتها المألوفة، وعن مواضعها المعجمية، وحتى عن مفهوماتها الفنية المتّبعة في لغة الشعر والأدب، لتصبح رموزًا مكثّفة وإيحاءات. فالصيغ التعبيرية تنطلق من نواة الشحنة الوجدانية التي تنطوي عليها هذه المغامرة الطريفة.
تنطلق الصيغ هكذا ملتحمة بتلك النواة في الداخل متجوّلة معها بأشكال النغمية وصورها الإيحائية لتجيء الرؤيا، وهي في الحداثة ذات نسيج جديد من الصور([7]).
وعليه فإننا سنتعرف في هذا البحث على الأمور التالية:
- أولًا تعريف البنية الجمالية ومفهومها عبر العصور.
- ثانيًا البنية الجمالية عند خليل حاوي.
- ثالثًا خليل حاوي الشاعر.
- رابعًا الشعر بمستوياته اللغوية والدلالية والإيقاعية والنفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية والإيحائية والأسطورة عند خليل حاوي، ثم سنحلّل قصيدة للشاعر مقتطفة من ديوان بيادر الجوع على موجب ما تقدم، ثم الخاتمة، فالمصادر والمراجع فالمحتوى.