♦ فرحان صالح *
- نبذة عن البحث
يعالج البحث قضية توظيف جوانب من التراث الديني في السياسة الأميركية، وكيفية تأثير هذا التوظيف على المرأة ودورها تحديدًا، كذلك على تحريك العصبويات بين الجماعات المتطرفة.
الكلمات المفاتيح: المرأة، الأديان التوحيدية، السياسة الأميركية، التطرف، التنوير
***
ترسم مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة الأميركية سياساتها الشرق أوسطية، ويأخذ بها الحزبان الجمهوري والديمقراطي.
ويلحظ المتابع لهذه السياسة كيفية تعامل الإدارات الأميركية المتعاقبة مع أحداث المنطقة، وتنصّلها في البدء من أحداث عملت على التحضير لها في الظل، ومن ثمّ حرّكت أدواتها وصولا لتحقيق مبتغاها في تفجير النزاعات والحروب التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تستمر بالسيطرة، من دون افتعالها واستمرارها.
إذا نظرنا إلى الوراء، نرى الكيفية التي استخدمها المستعمرون القدماء والجدد، للسيطرة والهيمنة على دول الشرق الأوسط، والعالم...
نتابع في هذه الدراسة كيفية توظيف التراث الديني في السياسة الأميركية ليس ضد المرأة فحسب، بل لتحريك العصبويات بين الجماعات داخل كل بلد من البلدان أيضًا. وسنعطي أمثلة على ما تقدمه "مراكز الأبحاث" الغربية (خاصة داخل الولايات المتحدة الأميركية) لمعرفة جذور نشوء التعصب، وكيفية إدارة الأزمات.
ترى مراكز الأبحاث التي تزوّد الإدارات الأميركية على تنوعها، أن التعاليم الدينيّة (اليهودية والمسيحية والإسلامية)، أن العودة إلى هذه التعاليم يولّد التعصب، وهذا ما أشارت إليه الباحثتان كارولين فورست (Caroline Fourest) وفياميت فينر (Fiammetta Venner) في كتاب لهما بعنوان: "طلقات متبادلة - العلمانية في مواجهة الأصولية اليهودية والمسيحية والإسلامية"،[i] حيث قامت نهلة محمد علي عطية بتلخيصه وعرضه.[ii]
لم تدرك الباحثتان الفرنسيتان أن برنارد لويس (Bernard Lewis) درس التاريخ الإسلامي، ورسم صورًا تاريخية لمنظمات وجدت في العصر العباسي، مثال: القرامطة، والزنج والحشاشون، وبتسويقه لهذه النماذج كان لويس يعيد الاعتبار لما أنشأه المستعمرون الانجليز من قبل من أمثال الوهابية (1742م)، والإخوان المسلمين (1928). هذه النماذج المشوّهة التي استحضرها الانجليز، لم تكن سوى لخدمة تحقيق مشاريعهم، وتاريخ الوهابية حاضر مع الوالي المصري محمد علي باشا (1769 – 1849) عندما حاصر ابنه إبراهيم (1789 - 1848) "الدرعية" عاصمة الدولة السعودية الأولى، ودمرها في العام 1818، إذ كانت الوهابية آنذاك من ضمن الأدوات التي يحركها الانجليز لخدمة مصالحهم، كذلك مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (1918 – 1970) في اليمن (1962م)، كذلك دور الاخوان مع عبد الناصر في العام 1956م، حينما حاولوا اغتياله.
التاريخ هنا شاهد على ذلك، والخلاصة أن التطرف الديني، وخاصة في القرون الثلاثة الماضية، إذا كان منشأه واحدًا ودوافعه العقيدية من منبت واحد مشترك، فالسؤال: من كان يستحضر هذا التاريخ؟ ومن كان يوظفه؟ ولمصلحة من؟
في عودة إلى منشأ التعصب (ضد المرأة) التي أشارت إليهما الكاتبتان الفرسيتان، نسأل: من هو الذي يوظّف التراث التوراتي والمسيحي - الإسلامي لخدمة مشاريعه، وبالتالي مصالحه؟
(...)
***
* باحث ومفكر لبناني – رئيس تحرير مجلة الحداثة، وأمين عام حلقة الحوار الثقافي في لبنان
الهوامش
1 -Fourest, Caroline, Fiammetta Venner (2003). Trs croisés: la laïcité à l'épreuve des intégrismes juif, chrétien et musulman [Crossfire: Jewish, Christian and Muslim fanaticism against secularism] (in French). Paris: Calmann-Lévy.
2- صدر بشكل كتيب عن وزارة الإعلام المصرية، الإدارة العامة للترجمة. دون تاريخ.
3- رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 3
4- رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 11
5- م. ن.، 2: 12
6- م. ن.، 2: 13، 14، 15
7- سفر التكوين 2: 22. وفي القرآن الكريم: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها﴾ النساء: 1. وفي الصحيحين: "أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فمفاد هذا أن المرأة - أي حواء- خلقت من ضلع آدم. قال الحافظ ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنها: إنها خلقت من ضلعه الأيسر، وهو قائم، وَلَأم مكانه لحمًا".
8 - آل عمران 42: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾
9- النساء: 34
10- النساء: 34
11- سفر التكوين 17: 10 و11: "هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ".
12- راجع: جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين، بيروت
13- النور: 31
14- ينظر: حسن البنا: المرأة المسلمة، دار الجيل، بيروت، ط.2، 1988
15- ينظر: نوح فيلدمان: هل الكنيسة الكاثوليكية الأميركية تغذي اليمين المتطرف؟، (مقال) صحيفة الشرق الأوسط، 6/6/2023
16- ينظر: البيان الختامي للدورة العادية الثانية عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة في مقره بدبلن في الفترة من 6 – 10 ذي القعدة 1424هـ الموافق 31/12/2003 – 4 كانون الثاني/يناير 2004.
17- نشر الحوار في The Washington post تحت عنوان: Saudi prince denies Kushner is in his pocket، لكن اللافت في الحوار هو عنوان آخر تم تعميمه عبر وسائل الإعلام، وهو: نشر الوهابية كان بطلب من الحلفاء لمواجهة السوفييت، نشر الحوار في 22 آذار/مارس 2018
18- ينظر: محمّد حسنين هيكل: دفاتر أزمة! الدفتر الثاني واشنطن تؤذّن للجهاد فى كابول، جريدة السفير اللبنانية، السبت 2 شباط 2002، العدد 9117.
19- الكتب هي:
- أحمد رشيد (عميد الصحفيين الباكستانيين): طالبان: الإسلام والنفط والصراع الكبير فى وسط آسيا، لندن 2000، أعيد نشره ثلاث طبعات في العام 2001.
- جون كولي (صحافي أميركي): الحروب غير المقدسة: أفغانستان، أميركا، والإرهاب الدولي، 1999، وطبع مرة في العام 2000، وفي العام 2001.
- ألكسندر كوكبيرن وجيفري سان كلير: غسـيل الواقــع White Out)): وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمخدرات والصحافة، لندن 1998
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق