علياء شكري وداعًا

الدكتورة علياء علي شكري - مجلة الحداثة


تنعي أسرة "مجلة الحداثة" اللبنانية الدكتورة علياء علي شكري الباحثة المصرية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والفولكلور، والأستاذة في كلية البنات للآداب والعلوم والتربية في "جامعة عين شمس"، وعميدة المعهد العالي للفنون الشعبية وعميدة كلية البنات سابقًا.

رافقت شكري المجلة منذ تأسيسها في العام 1994 حتى وفاتها في 5 نيسان (أبريل) 2023، وكانت لها مساهمة فاعلة في مساراتها واستمراريتها. وأذكر في هذا الصدد، أنه جمعنا لقاء مطول في مبنى جامعة القاهرة، تناولنا فيه آنذاك بعد خروجنا من حفل تذكاري لمحبي الراحل الدكتور أحمد مرسي، دوره وتأثيره في الدراسات الشعبية. كما تحدثت شكري عن مجلة الحداثة، وأشادت بصمودها في وجه المصاعب وما أكثرها. وجرى التطرق إلى مسار المؤسسات الأهلية المعنية بالتراث الشعبي، وتم وضعها بما نعمل على تأسيسه وهو "منتدى الحوار الثقافي العربي"، وقد أثنت على هذا التوجه، مشيرة إلى التشابه في العادات والتقاليد بين الدول العربية. وأبرزت نقطة مهمة تتعلق بخصوصيات كل بلد، وإن هذا لا يمنع من وجود قواسم مشتركة جامعة بين غالبية الدول العربية. انتقدت شكري آنذاك بحدّة، الاتجاهات الفكرية التي تغلب الخاص على العام.
في هذا اللقاء الذي جمع أيضًا، الدكتور محمد غنيم وابنتها، رسمت شكري صورة فيها من الإضافات المعرفية الكثير، ويمكن القول من دون ادعاء: إن هذا اللقاء أبرز كما أكد د. غنيم أيضًا، وجهًا معرفيًّا متعدد السمات والخصائص والجهات للدكتورة شكري، وهي من تمنت في بداية مشوارها العلمي، أن تكون طبيبة كي تساعد بتخفيف آلام المرضي والمعذبين، كذلك رغبت بالتخصص بعلم النفس... لكن القدر كان يرسم لها دربًا آخر، فاتجهت إلى التخصص في علم الفلكلور لما له من صلة بواقع الناس وذاكرتهم. وتوضح شكري أن من يدرس هذا العلم عليه أن يكون محبًّا لما يدرسه، وهذا ما سعت إلى غرسه في مشواره الأكاديمي على غير مستوى.
أذكر أني دعوتها إلى المشاركة في المؤتمر الثاني للثقافة الشعبية العربية الذي عقد في العام 1999 في بيروت، حضرت آنذاك، برفقة زوجها الباحث وأحد رواد علم الفولكلور د. محمد الجوهري، وقد كانا كجناحي الطير.
ولدت علياء شكري في العام 1937، وعينت كأستاذ بالجامعة في العام 1978. أنجبت ثلاث فتيات هن: الدكتورة هناء الجوهري أستاذة بكلية الآداب (جامعة القاهرة)، والدكتورة أميرة الجوهري أستاذة بكلية الطب (جامعة القاهرة)، والدكتورة نورا الجوهري أستاذة الهندسة (جامعة إلينوي). وتعدّ شكري من أوائل من حاز شهادة اختصاص في علم الفولكلور من إحدى الجامعات الألمانية العام 1968، وقد زاوجت بين علمي الفولكلور والاجتماع. 
شاركت الفقيدة زوجها الجوهري، في معظم الأعمال المتعلقة بالاختصاص. علمًا أن الجوهري كان قد تولّى رئاسة جامعة عين شمس. وقد تنوّعت الاختصاصات المعرفية التي اتقنتها من علم النفس إلى الفلسفة إلى جانب تخصصها في علم الفلكلور، إذ كانت أول سيدة مصرية تحوز هذا الاختصاص.
علياء شكري لم تكتفِ بتدريس آلاف الطلاب الجامعيين من عمرها الممتد على نحو نصف قرن، بل أشرفت أيضًا، على مئات الأعمال الأكاديمية لطلاب الماستر والدكتوراه من مصريين وعرب، وقد كان لها حضور فاعل في مختلف الجامعات المصرية والعديد من الجامعات العربية.
شكري العضوة في الهيئة الاستشارية في مجلة الحداثة، و"حلقة الحوار الثقافي" صديقة لبنان، وهي من أعربت في العام 1999، عن شكرها للمجلة والحلقة بسبب الدعوة إلى المشاركة في المؤتمر، والتعرف إلى شعب لبنان.
شكري وشريك حياتها كانا من آباء مجلة الحداثة المؤسسين لها إلى جانب كوكبة من العلماء المصريين من الدكاترة: محمد الجوهري، وجابر عصفور، وأحمد مرسي، والسيد يسين، وعبد الرحمن الشافعي، وعلي مبروك، وسامح مهران، وسامي السهم، والشاعر ماجد بوسف، ومحمد السيد عيد، ومحمد ربيع ناصر، ومحمد غنيم، ونبيلة إبراهيم ووحيد عبد المجيد.... هذه الكوكبة أطال الله بأعمار الأحياء منها، ورحم الله الأموات منها، ساهمت في التأسيس عبر مجلة الحداثة، بحركة تنويرية والإضاءة على ما هو معتم وترسيخ مسار الوعي في المشهدية العربية الثقافية.
باسم مجلة الحداثة، ومنتدى "حلقة الحوار الثقافي" في لبنان التي شاركت الفقيدة في مؤتمراتها، و"منتدى الحوار الثقافي العربي" الذي كانت الفقيدة من المرحبين بتأسيسه والداعمين له، وباسم "ملتقى الثقافة الشعبية" التي كانت الفقيدة من المؤسسين له...
نتقدم بأحر التعازي من أسرة الدكتورة علياء شكري ومحبيها وزملائها وطلابها وعموم المثقفين، الذين خسروا وخسرنا، عالمة من علماء الثقافة العربية وفولكلورها التي كان لها بصمة خالدة في ذاكرة الثقافة العربية.

مجلة الحداثة (لبنان)، وحلقة الحوار الثقافي (لبنان)، ومنتدى الحوار الثقافي العربي (القاهرة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ترحب مجلة الحداثة بالتعقيبات أو التصويبات أو التعليقات على ما ينشر فيها من أبحاث ودراسات، وتنشرها بحسب ورودها.
Al-Hadatha Journal welcomes any comments, corrections, or comments on the research and studies published in it, and publishes them as they are received.