♦ عماد حنّا القليطي *
نبذة عن البحث
تهدف هذه الدراسة إلى معالجة جوانب من واقع فئة من كبار التجّار في مصر الذين أدّوا دورًا متميزًا، وتخصصوا بتجارة التوابل خلال العصر المملوكي في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي). وهذه الفئة عُرفت باسم: "العطارين"، وقد ساهمت إلى حدٍّ كبير، في تنشيط الحياة الاقتصادية في الدولة المملوكية.
تركز هذه الدراسة على أماكن تواجد هؤلاء التجّار وإقامتهم، بالإضافة إلى مؤهلاتهم العلمية وعلاقاتهم مع الأوساط الحاكمة من جهة، ومع باقي التجّار من جهة أخرى من حيث الروابط والعلاقات الزوجية أو التجارية. كما تعالج الدراسة معلومات عن وضع هؤلاء التجّار الاجتماعي كثرواتهم والغنى الذي تمتعوا به، بالإضافة إلى الأعمال الخيرية والإحسان.
- الكلمات المفاتيح: عطّارون، مصر، عصر مملوكي، تجارة إسلامية
***
احتلّت مصر في العصر المملوكي (1250 – 1517م)، ولا سيما في القرن التاسع الهجري (خامس عشر ميلادي) مكانة مهمّة في التجارة العالمية؛ فبسبب موقعها وصلت التجارة فيها إلى أعلى مستوياتها، وكان القسم الأكبر من البضائع الشرقية التي كانت تصل إلى أوروبا عبر البحر المتوسط وقبل اكتشاف الطريق البحرية إلى الهند عبر رأس الرجاء الصالح العام 1498م، يُشحن من موانئ مصر وبلاد الشام. كما عُدّ هذا القرن بيئة حاضنة للتجّار الذين كانوا منظّمين بشكل كبير.
تعالج هذه الدراسة مسألة مهمّة في تاريخ السلطنة المملوكيّة تتمثل بالدور الذي ساهم به كبار التجّار في مصر خلال القرن التاسع الهجري (خامس عشر ميلادي). فالمسألة المطروحة تتمثّل في رسم الإطار الذي تشكّلت ضمنه فئة معينّة من هذه الطبقة وهي: "العطّارون" وصعودها الاجتماعي والاقتصادي، مع تحديد توسّعها ونفوذها وإظهار هويّة "كبار التجّار" في مصر ودورهم. إذ شكل كبار التجّار خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين (الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين) حركة ناشطة في العصر المملوكي كانت أهم منابع الثروة في مصر. وبخصوص فئة "التجّار العطّارين"، واستنادًا ﺇلى كتب التراجم، كان هناك ثلاثة أنواع من التجّار ضمن هذه الفئة: "عطّار" للدلالة على تاجر الكارم،1 و"عطّار" يتاجر بالعطور، وأخيرًا "عطّار" يتاجر ببيع الأعشاب.
- التجّار في المجتمع المملوكي
يشكّل التجّار عنصرًا أساسيًّا في المجتمع المملوكي في القرن التاسع الهجري (خامس عشر ميلادي)، تعادل بأهميّتها الجيش والإدارييّن ورجال الدين. لكن، تبقى هناك مزايا خاصّة ومهمّة تتعلّق بالأصول الاجتماعيّة للتجّار على الرغم من المعلومات النادرة حول وضعهم الاجتماعي، وطريقة عيشهم وانخراطهم في المجتمع وتحصليهم العلمي وعلاقاتهم مع أطياف المجتمع والآخرين. ومن خلال المصادر التاريخية، نستنتج أنّ بيئة التجّار لم تكن متجانسة، إذ أمكننا التمييز بين عدّة فئات من التجّار؛ فالمجتمع لم يعرف نظامًا خاصًّا ومحدّدًا بالتجّار.
إنّ أبرز كتّاب ذلك العصر كالسخاوي (توفي العام 902ه/1497م)،2 وابن حجر العسقلاني (852ه/1449م)3، والمقريزي (845ه/1442م)4 وغيرهم، قد استعملوا تعابير مختلفة للدلالة على التجّار مثل: "تاجر"، "تاجر كبير"، "كبير التجار"، "رئيس التجّار"، "تاجر خواجة"، "الكارم"، "العطّارون"،...
وبما أنّ دراستنا هذه ترتكز على فئة معيّنة من التجّار، وهم كبار التجّار وتحديدًا فئة "العطّارين"، كان من الضروري إيجاد معايير للتمييز بينهم وبين باقي التجّار. من هنا ضرورة الاعتماد على المصطلحات التي استعملت في كتب التراجم مثل: "تاجر" و"خواجة" و"كبير التجّار" وغيرها، بالإضافة ﺇلى مجموعة من المؤثّرات التي قد تدلّ بشكل كبير على فئة كبار التجّار وهي: الغنى، والمنازل، والرحلات التجارية، والأماكن.
تدلّ كلمة تاجر على تاجر كبير يتميّز عن التاجر "المتسبّب" الذي يملك محلًا في السوق. واستنادًا ﺇلى المعطيات في كتب التراجم، نستنتج أنّ كبار التجّار هم الذين يمارسون التجارة الطويلة المسافات ويجلبون بضائع نادرة وفخمة. ﺇنّه تاجر سفر، يتمتّع بثروة كبيرة وعلاقات قويّة مع الجيش والسلطات الدينيّة (ابن خلدون، 2000، ص 294- 295). فهؤلاء التجّار ليسوا متخصّصين، بل يتاجرون بكل شيء، وهذا الذي يميّزهم عن أصحاب المحال في السوق. (Rosenberger,2, 2000, 249)
إذًا، شكّل كبار التجّار خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين (الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين) حركة ناشطة جدًا في العصر المملوكي كانت أهم منابع الثروة في مصر.
(...)
***
* باحث لبناني - يعدّ أطروحة دكتوراه في التاريخ في المعهد العالي للدكتوراه - الجامعة اللبنانية
1. إنّ مصطلح "الكارميّة" و"تجّار الكارم"، هو اسم أطلق على طائفة من كبار التجّار كانوا يحتكرون تجارة التوابل والبهار ما بين مصر واليمن من جهة، وجنوبي شبه الجزيرة العربيّة والهند والشرق الأقصى من جهة أخرى. (حلّاق، وصبّاغ، 1999، ص. 184؛Vallet, 2010, 505-540)
2. شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخّاوي – نسبة الى سخا شمال مصر- الشافعي (831هـ ـ 902هـ /1428م- 1496م): هو مؤرخ وعالم حديث وتفسير، أديب من أعلام مؤرخي عصر المماليك. ولد وعاش ومات في القاهرة. صنّف أكثر من مائتي كتاب (السخّاوي، 3، 8، 2003– 25 رقم1041)
3. هو شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر بن أحمد العسقلاني الكناني، الكناني القبيلة العسقلاني الأصل الشافعي المذهب المصري المولد (773–852هـ/ 1372–1449م) الملقب "بأمير المؤمنين في الحديث". توفي والده وهو صغير فكفله أحد أقارب والده زكي الدين الخروب كبير تجّار الكارم في مصر فرعاه الرعاية الكاملة. حفظ القرآن الكريم وهو صغير، قام بعدة رحلات في طلب العلم إلى مكّة والحجاز واليمن وبلاد الشام وأقام في فلسطين. شغل الكثير من الوظائف المهمّة في الإدارة المملوكية المصرية. له مؤلفات وتصنيف كثيرة زادت على مئة وخمسين مصنفًا في مجموعة من العلوم. توفي سنة 852هـ/1449م. (السخاوي، 2003، 2، 33–36 رقم 986)
4. هو أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمّد بن تميم بن عبد الصمد بن أبي الحسن بن عبد الصمد بن تميم التقي أبو العباس بن العلاء بن المحيوي الحسيني العبيدي ويعرف بابن المقريزي وهي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المبارزة. ولد في القاهرة ونشأ فيها وحفظ القرآن الكريم. دخل دمشق واستلم فيها وظائف، ثم عاد الى بلده واشتغل بالتاريخ حتى اشتهر به. له العديد من المؤلفات زادت عن المئة. توفي في القاهرة سنة 845ه/1441م (السخاوي، 2003، 2، 20–23 رقم 948)
5. اعتمد السلطان برسباي كالعديد من سلاطين المماليك، سياسة اقتصادية تقوم على احتكار التوابل، والسكّر بالإضافة إلى الأقمشة، وكانت عمليات الشراء بالإكراه لمقادير معيّنة من المواد بسعر تحدّده الحكومة، وبسبب هذه السياسة، لحقت الخسائر بكبار التجّار في مصر وبلاد الشام، بعضهم أفلس وخسر ثروته، والبعض الآخر تحوّلوا إلى عملاء وتجّار لصالح السلطان. لمزيد من المعلومات عن سياسة السلطان برسباي (راجع: Ashtor, 1974-1979, 551-572 Darrag 1961, 73-107; Appellaniz, 2009, 57-59)
6. الخانقاه: مكان ينقطع فيه المتصوّف للعبادة، وهي تجمع بين تخطيط المسجد والمدرسة بالإضافة إلى غرف للعبادة. فهو إذًا رباط الصوفيّة ومكان عبادتهم وتجمّعهم. (حلاق، وصبّاغ، 1999، .80؛Encyclopédie de l’Islam, 1978, IV, 1057-1058)
7. المذهب الحنفي: أحد أهم المذاهب الفقهية أسّسه النعمان بن ثابت وكنيته أبو حنيفة (توفي سنة 150هـ/767م)، والأصول التي اعتمد عليها الإمام في الاجتهاد والفقه هي: القرآن الكريم، وسنّة النبي، وقول الصحابة والاجتهاد، انتشر هذا المذهب في بلاد المشرق والمغرب ومصر. زها أبو حنيفة في الكوفة وبغداد.
المذهب المالكي: المؤسس الإمام مالك بن أنس (توفي سنة 179هـ/795م). نشأ هذا المذهب في المدينة المنوّرة، ويعدّ أحد أكثر مذاهب الشرع الإسلامي وأوسعها وأكثرها تساهلًا.
المذهب الشافعي: أسّسه الإمام محمد بن إدريس الشافعي (توفي سنة 204هـ/820م) الداعي إلى سبيل الاعتدال وبلزوم القياس مع بعض التحفظ.
المذهب الحنبلي: ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل (توفي سنة 241هـ /855م) تلميذ الإمام الشافعي وأحد أصحاب الحديث المتشدّدين. (حتّي، 1944، 469–472)
8. المارستان أو بيمارستان: مصطلح يطلق للدلالة على المصح والمستشفى (حلاق، وصبّاغ، 1999، 49)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق