♦ فاطمة أحمد شعبان *
نبذة عن البحث
يهدف البحث إلى تقصّي العلامات السّيميائيّة في شعر الشّاعرة اللّبنانيّة زهرة الحرّ (1917 - 2004)، من أجل تبيان سيميائيّة الغزل في ديوانها "قصائد منسيّة" الّذي صدر العام 1970، وقد عالجت فيه أمور الحياة وهمومها، وقد بلغت قصائد الديوان اثنتين وسبعين قصيدة، أما القصائد الغزلية موضوع البحث، فقد بلغت تسع عشرة قصيدة وردت بشكل متتالٍ في الدّيوان، وتمّت دراستها بالتّرتيب نفسه الّذي وردت فيه، والمتتبّع لها يكتشف قصّة حبّ وهجر ارتسمت أحداثها ومعالمها تدريجيًّا في ثنايا الأبيات، وكأنّ الشّاعرة بدأت قصّتها في "ظلال الأرز" لتنهيها في "الأهواء".
وإذ يرصد البحث قصّة حبّ تظهر في مجموعة من القصائد الغزليّة، ويعالج محاور التّشاكل والصّراع ودور التّناص الدّينيّ في النّصّ، يطرح الآتي: هل زهرة الحرّ في كتاباتها عن الحبّ كتبت – وسط القيود الّتي كان يعيشها المجتمع العربي- بلسان المرأة أم بلسان المجتمع؟ وهل أفصحت الشاعرة عن مشاعرها تجاه "الحبيب" كأنثى أم بقيت العادات والتّقاليد قيدًا تحدّ من ذلك؟
اعتمدنا لمعالجة موضوع البحث، آليّات المنهج السّيميائيّ، وقد برزت النّتائج من خلال ترابط المستويات في ما بينها، وعليه فإنّ هذا التّرابط كان له فاعليّة في الكشف عن رؤى الشّاعرة إلى الحبّ، وإلى القدر والفناء.
- الكلمات المفتاحيّة: زهرة الحرّ، السّيميائيّة، الغزل، قصائد منسية
***
Study Summary
The research aims towards investigating the semiotic signs in the poetry of the Lebanese Poet Zahra Al Hor (1917- 2004) for the purpose of clarifying the semiotic flirtations in her divan "Forgotten Poems" which was published in 1970. She dealt in it with life issues and its troubles, and the poems have reached 72 poems. Concerning the flirtatious poems which are our concern, they have reached 19 poems in a successive manner in the divan. They have been examined in the same order they appeared in the divan. Moreover, the one who is examining them, can discover a love and abandonment story that appears gradually among the stanzas as if the poet started her story in "Cedars Shadows" to end it in the " Whims". Although the research examines a love story which appears in a set of flirtatious poems, and it deals with themes about problems, struggles, and the role of religious intertextuality in the text, it suggests the following:
Did Zahra Al Hor in her writings about love write _ within the restrictions which the Arabic society was living in_ in the tongue of women or society? And did she reveal her feelings towards "the beloved" as a female or did the customes and traditions constraint that? We have adopted in our research the mechanisms of the semiotic method and the results appeared through the relations of the levels among them. Thus, this bonding had its effectiveness in revealing the poet's insights towards love, fate, and death.
***
يتجلى الصّراع في الشّعر من خلال ما تتنبّأ به دلالات الألفاظ؛ فالنّصّ الشّعريّ قادر على تقديم رؤية عميقة لواقع صاحبه، فزهرة الحرّ شاعرة من جبل عامل، ولدت في صور العام 1917م، والدها الشّيخ "جواد الحرّ" من جباع الحلاوة (إقليم التّفّاح)، وهي تنتسب إلى عائلة شيعيّة عريقة ومشهورة متمسّكة جدًّا بالتّقاليد والعادات الموروثة، وقد أنجبت هذه العائلة العلماء والفقهاء والأدباء والشّعراء.[i] بدأت الحرّ بقرض الشّعر وهي في الثّالثة عشرة من عمرها، وعندما أصبحت شابّة، أسهمت إلى حدّ كبير في حركة تحرير المرأة في منطقة "جبل عامل" وهي منطقة لها ما لها من الأهمّيّة في عمليّة الصّمود ضدّ العدوان الإسرائيليّ المتكرر على جنوب لبنان، شعرها رومانسيّ ثائر يجسّد العواطف الجيّاشة والحسّ المرهف. حازت الحرّ وسام العمل الفضّيّ من رئاسة الجمهوريّة اللّبنانيّة بعد نشر ديوانها "قصائد منسيّة"، كما منحها المجلس الثٌّقافيّ لجنوب لبنان وسام المجلس اعترافًا لها بمشاركتها في تأسيسه.[ii] وكغيرها من النّساء في العالم العربيّ، دخلت الحرّ المدارس في وقت متأخّر عن الرّجل، فاستهواها الشّعر، فنظمته معبّرة عن وجدانها، وأفرغت فيه ما يضنيها وما يفرحها، فكان عندنا شّاعرة، لكنّها لم تنل الحظّ الوافر من شيوع شعرها. ولعل سبب ذلك، ما يشير إليه الباحث اللبناني أنيس مقدسيّ (1885 – 1977)، إذ يلحظ أن إبداع المرأة العربية الشّعريّ "لم ينل حظّه من الاهتمام، فكان وما زال أقلّ شأنًا في تاريخ الأدب العربيّ، ولكنّه مع مرحلة بعث النّهضة.... أدركت المرأة المتعلّمة كما أدرك الرّجل، أنّ لها حقوقًا ضائعة وأنّه من الواجب أن نفتح لها أبواب التّقدّم".[iii]
أما الباحث الفلسطيني رجا سمرين (1929 – 2018) فيؤكد أن المرأة الشّاعرة "ظلّت مغبونة في الدّراسة، وأدب المرأة عمومًا وفي مختلف العصور قد لقي من إعراض الباحثين والمؤرّخين ما لا ينبغي أن يلقاه".[iv]
ويقول الباحث اللبناني قيصر مصطفى (1943) في حديثه عن الشّاعرات: "كنّ معظمهنّ من المقلاّت"،[v] إلاّ أنّه عاد وذكر أنّ "بعضهنّ تمكّنّ من البروز والتّغلّب على الحواجز الاجتماعيّة والمثل الأخلاقيّة، ومن هؤلاء زينب فوّاز وزهرة الحرّ".[vi]
في هذا المجتمع عاشت زهرة الحرّ فراحت تتحدّى القيود المفروضة على المرأة لتكون شاعرة على السّاحة اللّبنانيّة، واستطاعت أن تثبت نفسها على السّاحة الشّعريّة ما يقارب ربع قرن بين كبار الشّعراء العامليّين، في الوقت الّذي لم يكن يسمح فيه للفتاة بالخروج ولو في سبيل العلم.[vii] وكما كان لشعر المناسبات حضور قويّ في شعر الحرّ، كان لشعر الغزل نصيب وافر، لكنّ الشّاعرة عاشت صراعًا بين ما ترغب فيه وبين الواقع الذّي تحياه فكان الشّعر الملاذ الّذي تلجأ إليه.
وعن تعريف السّيميائيّة فيمكن تلخيصها بدراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية،[viii] وهي في حقيقتها "كشف واستكشاف لعلاقات دلاليّة غير مرئية". فالدّراسة السّيميائيّة تغوص في أعماق النّصوص، وتستكشف مدلولاتها الدّاخليّة المحتملة، مع محاولة ربط النّص بالواقع، والسّيميائيّات لا تنفرد بموضوع خاصّ بها، فهي تهتمّ بكلّ ما ينتمي إلى التّجربة الإنسانيّة العاديّة شريطة أن تكون هذه الموضوعات جزءًا من سيرورة دلاليّة.
وفي هذه الدّراسة، نحاول تقصّي العلامات السّيميائيّة ودلالاتها، والعلاقات الّتي فرضت نفسها بين الشّكل والمضمون، ما أفضى إلى تجلّي الغزل عند المرأة الجنوبيّة العامليّة في عصر الحداثة، ونكشف عن طبيعة العلاقة الّتي جمعت الحبيبين في قصائد الحرّ، لتبيان إن كانت هذه العلاقة نفسها أم اختلفت من قصيدة إلى أخرى، ولإظهار إن كانت المرأة العامليّة على الرّغم ممّا وصلت إليه من مراتب علميّة ومراكز اجتماعيّة قد استطاعت أن تكسر قيودًا فرضتها العادات والأعراف، ولتبيان موقف الشّاعرة من كلّ هذا، وللكشف عن رؤيتها إلى الصّراعات المتجلّيّة في القصائد. كلّ ذلك من خلال تحليل العلامات اللّغويّة على عدّة مستويات. فالنّصّ الشّعريّ لا حدود لدلالاته، وتبقى مهمّة المتلقّي أن يدرس هذه العلامات لينتج العلاقات الّتي فرضت نفسها بين المحاور الّتي ستظهر لنا.
وإذا كانت القراءة السّياقيّة قد يمّمت وجهها شطر الخارج تحاور حقوله المختلفة، فإنّ الدّراسة ستوكل لنفسها مهمّة الغوص في مجاهل عالم مغلق تقرّ بوجوده واستقلاله وتعطيه سمات الكائن الحيّ ذي الخصائص المميّزة.[ix]
تنطلق الدّراسة السّيميائيّة من العنوان الّذي يمارس ضغوطه على المتلقّي، ومن خلاله تتأسّس فاعليّة المتلقّي، ونقصد هنا عنوان الدّيوان وعنوان القصائد الّتي تمّ اختيارها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق