♦ أليسار فرحات فرحات *
- نبذة عن البحث
"مجلس التعاون لدول الخليج العربية" أو كما يعرف باسم "مجلس التعاون الخليجي" هو منظمة إقليمية سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية عربية مكوّنة من ست دول عربية تطل على الخليج، وتشكل أغلبية مساحة شبه الجزيرة العربية هي المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ودولة قطر ومملكة البحرين. تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في25 مايو (أيار) 1981م بالإجتماع المنعقد في العاصمة السعودية الرياض بالمملكة العربية السعودية، وكان أمير الكويت الأسبق الشيخ جابر الأحمد الصباح (1926 - 2006) صاحب فكرة إنشائه، يتولى الأمانة العامة للمجلس حاليًا الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني (مواليد البحرين 1954)، وذلك منذ العام 2011، ويتخذ المجلس من العاصمة السعودية الرياض مقرًا رئيسًا له[1].
تعدّ منطقة الخليج العربي من إحدى أهم المناطق الحيوية والاستراتيجية في العالم استنادًا إلى عدة اعتبارات كموقعها الاستراتيجي، وأهميتها الاقتصادية المتمثلة في معدّلات التبادل التجاري مع دول العالم، فضلًا عن كون المنطقة أهم مستودع للنفط في العالم؛ إذ تمتلك أكثر من ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط؛ بما يحمله ذلك من تأثير على النمو الاقتصادي العالمي.
من ناحية أخرى، تمثل دول مجلس التعاون الخليجي تركيبة سياسية متجانسة، تجمعها التجربة التاريخية، ويربطها الموقع الجغرافي والحدود المشتركة.
وانطلاقًـا من أهميتها وارتباطها ببعضها البعض برزت أهمية وجود كيان جماعي يعبِّر عن المصالح المشتركة لتلك الدول، ويتفاعل مع الأحداث الإقليمية والدولية المحيطة تأثيرًا وتأثرًا، واستجابة لبعض المتغيرات والمعطيات الإقليمية والدولية.
وبالفعل، فقد تمَّ الإعلان عن إنشاء المجلس خلال اجتماع قادة دول الخليج الست (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، عُمان) في أبو ظبي خلال الفترة (25-26) مايو/ أيار 1981، وأُطلق على هذا الاجتماع قمة التأسيس؛ حيث تم خلاله التوقيع على النظام الأساسي للمجلس الذي هدف إلى تحقيق التعاون بين دول الخليج الست وتنمية علاقاتها، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، وإنشاء المشاريع المشتركة، ووضع أنظمة متماثلة في جميع المجالات بما يخدم مصالحها ويقوي قدرتها على التمسك بعقيدتها وقيمها.
وتتناول الباحثة دواعي تأسيس مجلس التعاون من وجهة النظر الرسمية الخليجية، ثم تحلل دوافع تأسيس المجلس في ضوء الظروف والعوامل الداخلية والإقليمية والدولية.
دواعي تأسيس من وجهة النظر الرسمية الخليجية[2]
تكشف الاقتراحات التي قدمتها الدول الأعضاء لتشكيل المجلس عن سيطرة الدافع الأمني على فكرة إنشائه؛ فمن بين ثلاثة اقتراحات قُدِّمت، كان الطابع الأمني مسيطرًا على اثنين منها، وهما الاقتراحان السعودي والعُماني؛ حيث دعا الأول إلى إنشاء منظمة خليجية تهدف إلى توحيد مصادر السلاح لدول الخليج، وإقامة تعاون واسع النطاق بين قوات الأمن الداخلي في الدول المعنية، بدلًا من إنشاء حلف عسكري، مع استبعاد فكرة الأحلاف العسكرية تمامًا مع الدول الأجنبية، كما طالب الاقتراح السعودي باشتراك القوات المسلحة النظامية في تأكيد سيادة كل دولة، وتسهيل المحافظة على القوانين والنظام الداخلي فيها، وتشجيع دول الخليج العربي على تحقيق الاستقلال الذاتي. فيما دعا الاقتراح العُماني إلى إنشاء قوة بحرية مشتركة لحماية مضيق هرمز والدفاع عنه بوصفه شريان الحياة في المنطقة.
أما الاقتراح الثالث الذي تقدمت به الكويت، فعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن الجوانب العسكرية والأمنية، ويركَّز على الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية، إلا أنه ينبع في الأساس من مبادرة بحرينية نتيجة إدراك أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (1931 – 1999) لضرورة مواجهة التهديدات الإقليمية ضد دول الخليج؛ ما دفعه إلى تكليف وزير الخارجية البحريني آنذاك الشيخ محمد بن مبارك بنقل مقترح إلى ملك المملكة العربية السعودية في حينه الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود (1913- 1982) بإنشاء منظمة إقليمية تضم دول الخليج العربية تحت مظلة واحدة، وهو المقترح الذي حظي بتأييده، وطلب نقله إلى أمير الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح؛ الذي بارك بدوره الفكرة وأحالها إلى جامعة الكويت التي قامت بدراستها وتقدمت بمشروع إنشاء المجلس.
وعلى الرغم من ذلك لم تُشِر ديباجة النظام الأساسي لمجلس التعاون - الذي وقَّعه قادة الدول الست في 25 مايو/أيار 1981 إلى البُعد الأمني، وإنما أشارت إلى عوامل قيام المجلس بالقول: "... إدراكًا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية... وإيمانًا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها... ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل فيما بينها بما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية... واستكمالًا لما بدأته من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولًا إلى وحدة هدفها... وتمشيًا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى... وتوجيهًا لجهودها إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية، وافقت فيما بينها على إنشاء هذا المجلس[3]"، وفي هذا الإطار حدد النظام الأساسي أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يلي:[4]
- تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولًا إلى وحدتها.
- تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
- وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، والشؤون التعليمية والثقافية، والشؤون الاجتماعية والصحية، والشؤون الإعلامية والسياحية، والشؤون التشريعية والإدارية. فعجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعـــة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص.
وبعيدًا من طبيعة المبادرات التي طُرحت لإنشاء المجلس وما تضمنته ديباجة النظام الأساسي، تكشف متابعة التصريحات الرسمية هي الأخرى عن وجود تنوع في دواعي التأسيس؛ حيث يذهب بعض التصريحات إلى أن نشأة المجلس جاءت نتيجة لتوافر مقومات وخصائص مشتركة محفزة للتكامل، فيما تشير تصريحات أخرى إلى أن النشأة تمثل استجابة لما شهدته فترة السبعينات وبداية الثمانينات من أحداث وتحديات.
فالعاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز (1921 – 2005) أشار إلى أن "إقامة مجلس التعاون لدول الخليج العربية يمثل الاستجابة العملية لمطلب وضرورة إقليمية أمْلتها متطلبات العصر، فضلًا عن توفر عنصر التجانس ومقومات التقارب بين دوله الست"، وهو ما ذهبت إليه أيضًا الدكتورة "بهية الجشي" النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى البحريني من أن "تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربي كان أمرًا حتميًّا، نظرًا لامتلاك المنطقة الكثير من المقوِّمات المشتركة، والروابط الدينية والثقافية، إلى جانب تشابهها في الخصائص السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصلات القربى التي تجمع العائلات الخليجية تبعًا للروابط بسبب التصاهر والتزاوج والنظام القبلي".
في حين رأى السفير "عبدالله بشارة" الأمين العام الأول لمجلس التعاون أن "فكرة تأسيس المجلس جاءت من استياء تولَّد لدى قادة الخليج من الأساليب غير المعتادة وغير الأخلاقية، التي اتبعتها بعض العواصم لتأمين الموافقة الخليجية على البرنامج الذي وضعته بغداد ضد مصر، إضافة إلى نجاح الثورة الإيرانية، وما رافقها من صخب ثوري شعاراتي، موجَّه ضد دول الخليج، وانفجار الحرب العراقية- الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980، والوضع المتوتر بين سلطنة عُمان واليمن الجنوبي، والتبدلات التي شهدتها الساحة الدولية، على إثر غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، والتهديد الذي رافقه لاستقرار باكستان"[5].
الظروف الإقليمية والدولية الدافعة لتأسيس مجلس التعاون
بعد رصد المواقف الرسمية، من المهم تحليل البيئة الإقليمية والدولية للتعرف على دورها في إنشاء مجلس التعاون الخليجي. وانطلاقًا منها، هناك بعض الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية التي وقفت وراء إنشائه، ويمكن إجمالها بالتالي:
- البند الأول: الاعتبارات الخاصة بمنطقة الخليج وتتمثل بـ[6]:
- الثورة "الإسلامية" وتطور الأوضاع الداخلية الإيرانية
شهدت الأوضاع الداخلية في إيران في منتصف العام 1978 تطورًا كبيرًا بسقوط حكم الشاه وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية في فبراير/شباط 1979. وقد أدَّت هذه الثورة إلى تعقد الوضع الجيوستراتيجي المجاور لدول الخليج العربي، وصنعت تحولًا نوعيًّا بالغ التأثير في دول المجلس، مثَّل دافعًا لها لتأسيس المجلس بعد انهيار نظام الشاه في إيران، لكن هذا التحول الديناميكي في إيران استبدل بهاجس الخوف من نظام الشاه بمخاوف مذهبية.