♦ أحمد فاضل عباس الفلاحي *
- نبذة عن البحث
تعالج هذه الدراسة النهج الذي طبّقته الصهيونية في فلسطين طيلة مرحلة الانتداب البريطاني (1922 – 1948)، هادفة إلى وضع اللبنات الأولى التي ركن إليها المشروع الصهيوني بالتضامن والتعاون مع قوات الانتداب التي أمّنت السُبل لتحقيق الأهداف المرجوة والمتحلّقة حول إقامة وطن قومي يهودي، عبر استحداث منظمات وهيئات فاعلة. ويعمد البحث إلى الحديث عنها لِما حوته من أهمية في تمكين اليهود من إحكام قبضتهم حول فلسطين بمختلف الميادين من سياسية، واقتصادية، وعمّالية، وثقافية، وحتى إدارية، وذلك خلال المرحلة السالفة على ولادة الكيان الإسرائيلي عشية انتهاء الانتداب الإنكليزي على فلسطين العام 1948.
***
طالما شغلت القضية الفلسطينية المجتمع الدولي بعامة والأوروبي بخاصة، ولا سيّما أن المدنية الأوروبية، بنسقها السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، كانت من المسبّبات الدافعة إلى اضطهاد فئة اليهود داخل أقطارها تحت شعار معاداة السامية، وما خلّفه من تضييق طال التكتلات اليهودية التي آزرت بدورها الهجرة إلى الأراضي الفلسطينية بحثًا عن الأمان داخل وطن يحمي خصوصيتها القومية التي سعت جاهدة إلى التمسّك بها ودعمها، من خلال بناء صِلات متقاربة مع بريطانيا. وقد جنّدت الإمبريالية البريطانية المسألة اليهودية وتأثرها بمبادئ الصهيونية خدمةً لمسعاها الرامي إلى تهويد فلسطين، وسلخها عن محيطها العربي([i]) عبر فتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه داخل الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى منح الامتيازات اللازمة للصهيونية تسهيلًا لمهمتّها الهادفة إلى إقامة كيان يهودي في فلسطين. وهذا ما عبّر عنه إعلان بلفور وعده (Balfour Declaration/ 1917) المساند للصهاينة، وما أعقبه من وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني بُعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، لتنطلق بذلك مرحلة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي ذات منحى أكثر شدّة وعنف، لِما اتخذه من أبعاد جماهيرية شعبية وسياسية دولية([ii]).
- خطة عمل الصهاينة وأهدافهم في فلسطين
مثّل البرنامج الذي تمخّض عنه "مؤتمر بازل" (Basel)([iii]) الدعامة الأساسية التي ارتكزت إليها الحركة الصهيونية وشرعت إلى تحقيق فحواها، كانطلاقة أوليّة على طريق تأسيس الكيان اليهودي القومي داخل الأراضي الفلسطينية التي تآكلت على يد الصهيونية، ومسعاها إلى الاستحواذ على المساحات الزراعية الأكثر خصوبة، بالتزامن مع إحياء التقاليد اليهودية الدينية والثقافية، وبالاعتماد على قوة سلاح مادي، سعى الصهاينة إلى امتلاكه من خلال التأثير على أصحاب الرساميل من اليهود، ودفعهم إلى امتلاك الأراضي، تمهيدًا لإنشاء المستوطنات اليهودية الزراعية عليها([iv]).
1. اللجان الصهيونية المالية وحكومة طور التكوين
شرع الصهاينة إلى إنشاء جهاز مالي قوامه الهيئة المالية القومية التي تسمّت بالصندوق التأسيسي([v])، وخطة عمله القائمة على تأمين الموارد المالية للوافدين إلى الداخل الفلسطيني، وصولًا إلى تيسير استقرارهم وتأمينه على أكمل وجه.
من جهة أخرى، واصلت اللجنة الخاصة بالحركة الصهيونية تبلورها حتى تحوّلت إلى حكومة طور التكوين التي اهتمّت بالمسائل المعنية باليهود وتواجدهم في فلسطين، كما سعت إلى تطوير أعمال الصهاينة ومراميهم، ولا سيّما تلك المتعلّقة بإنشاء كيانهم القومي في الداخل الفلسطيني، من خلال تأسيس شبكة من الحلقات الجامعة لعدة ميادين إدارية، وسياسية، ودعائية، وزراعية، وصناعية، وتجارية، وتربوية تعليمية، ومالية، وفنية، واستيطانية، بالإضافة إلى مد يد العون لكافة اليهود والبحث عن عمل لهم أيضًا([vi].
(...)
***
* باحث عراقي - اختصاص تاريخ حديث ومعاصر
[i] سُلافة حجاوي: اليهود السوفييت دراسة في الواقع الاجتماعي، جامعة بغداد، بغداد 1980، ص 1 – 3
[ii] أحمد طربين: فلسطين في خطط الصهيونية والاستعمار، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1970، ص 29 – 30
[iii] مؤتمر بازل: أو المؤتمر الصهيوني الأول: المؤتمر الافتتاحي التأسيسي للصهيونية. جرى انعقاده بهدف وضع الدعائم الأساسية الرامية إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي. وقد ترأس المؤتمر المذكور تيودور هرتزل. جوني منصور: معجم الأعلام والمصطلحات الصهيونية والإسرائيلية، ط 1، مؤسسة الأيام، رام الله 2009، ص 452
[iv] Alan R. Taylor: Prelude to Israel: An Analysis of Zionist Diplomacy, Dertor Longman and Todd, London 1959, p. 38
[v] الصندوق التأسيسي: سُمّي باللغة العبرية كيرن هايسود، مثّل أحد أهم المنظمات الفاعلة داخل البناء الصهيوني، لاختصاصه بالشأن المالي ودوره الريادي في الاستحصال على التبرّعات والأموال اللازمة لتأمين النفقات المالية الخاصة بعمل الصهيونية. أُنشئ الصندوق التأسيسي العام 1920 إبّان انعقاد مؤتمر الصهيونية في لندن الذي رسم الإطار العام لعمل كيرن هايسود والمحدد بتمويل حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والاستيطان داخلها. عمد الصندوق إلى وضع رسوم فُرضت على اليهود كافة على شكل تبرعات يدفعونها سنويًا. لا بد من الإشارة إلى أن قيام الكيان الصهيوني العام 1948 لم يؤثر على مهام الصندوق التأسيسي الذي واصل دعمه للمشاريع الاستيطانية اليهودي داخل فلسطين وعلى نطاق أوسع من ذي قبل. مؤسسة الدراسات الفلسطينية: حرب فلسطين 1947 – 1948 – الرواية الإسرائيلية الرسمية، ترجمه عن العبرية: أحمد خليفة، ط1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1984، ص xivii.
[vi] لمزيد من التفاصيل حول مهام الصهيونية خلال السنوات الثلاث التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، أنظر:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق