♦ علي كامل عواضة *
نبذة عن البحث
على الرّغم من التّقدم العلميّ والتكنولوجيّ الكبيرين اللذّين شهدهما العالم على غير صعيد، وقف المسؤولون مذهولين أمام اجتياح جائحة كورونا للعالم بعدما عجز الطبّ بداية عن التّعامل معها ووضع حدّ سريع لها، فاستطاع هذا الفيروس في فترة وجيزة حصدَ الكثيرِ من الأرواحِ بأعدادٍ مخيفةٍ في كلّ الدّول الفقيرة والغنية منها على حدّ سواء، فضلًا عن الخسائر الاقتصادية المدمرة التي خلّفها في الكثير من القطاعات والتي نتجت عن قرارِ الاقفال وحظر التّجوال الذي فرضته الدّول على مواطنيها خوفًا من إبادة مجتمعاتها وفي محاولةٍ منها لتطويق هذا الفيروس المميت.
اهتمت القنوات الإعلامية الدولية بهذه الأزمة، وكثّفت من عمليات مواكبتها لها، وكان تركيزها منصبًا على الشقّ الطبي وتداعياته الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية. وكان الإعلام اللبناني مواكبًا للأزمة أيضًا، لذلك عملنا في هذه الدراسة على تفكيك دوافع قناتين تلفزيونتين تمثل توجهات سياسية متنوعة في التعامل مع أزمة كورونا، وتحديدًا في بداية تسجيل أول اصابة بالفيروس حيث كان الارباك سيد الموقف، والتكهن بمسار التطورات الصحيّة ضبابيًّا، ومهمة شبه مستحيلة، فافترقت القنوات اللبنانية بين ضفتين إعلاميتين مع اختلاف في طريقة المقاربة ضمن كل صفة: بين من حمّل وزير الصحة وقتها حمد حسن وفريقه الوزاري والحكومة مجتمعة مسؤولية وصول كورونا إلى لبنان عبر الرحلات الإيرانية، وبين من دافع عن الوزير والحكومة، ورأى أنها تخوض معركة صحيّة أسوة بكل دول العالم، وأنها تقوم بكل ما هو مطلوب منها رغم محاولة الفريق السياسي المخاصم لها من التصويب عليها، ونقل التحدي الصحي إلى فرصة للتوظيف السياسي وتصفية حسابات قديمة.
- إشكالية الدراسة:
تلحظ الاشكالية وجود مشكلة بحثية تعني "سؤالاً يحتاج إلى إجابة علمية تستند إلى ملاحظات دقيقة ومتقنة. كما قد تكون المشكلة موقفًا غامضًا يحتاج إلى تفسير أو حاجة لم تشبع وتوجد عقبات أمام اشباعها".[i]
فعلى الرّغم من أنّ أزمة كورونا هي قضية صحيّة وإنسانية إلا أن منطلقات تظهيرها اختلف من قناة لبنانية مشمولة بالدراسة إلى أخرى. وإذا كان يندرج ضمن الاختلاف الطبيعي في الخلفيات السياسية لكل قناة، فإن التسييس الكامل لقضية صحية وإنسانية يعكس الافتراق الحاصل اليوم في مقاربة الأزمات والكوارث والقضايا الكبرى، حتى ان القضية المطروحة لا تعود مهمة بقدر ما يهم كيفية توظيفها في الاشتباك السياسي على الساحة اللبنانية.
تتفاقم هذه المشكلة مع إزدياد أعداد القنوات التلفزيونية، حيث يصطدم الجمهور بواقع اختلاف تفاصيل الخبر الواحد بين تلك القنوات التي تعمل على توجيه الخبر وتوظيفه وفقًا لما تمليه عليها سياستها التحريرية المرتبطة بمصالحها الأيديولوجية والسياسية والمالية والاقتصادية. من هنا تأتي محاولةُ البّاحث لمعالجة سؤال الإشكالية: هل وظفت القنوات التلفزيونية اللبنانية أزمة كورونا لغايات إيديولوجية وسياسية؟
وتتفرع من هذه الإشكالية عدة أسئلة:
هل عكست معالجة القنوات اللبنانية لقضية كورونا نظرة مسبقة تتعلق بالصراع السياسي في لبنان؟ وهل انطوت على استغلال سياسي أو طائفي؟
إلى أي مدى جيّرت القنوات التلفزيونية اللبنانية أزمة كورونا للتراشق السياسي في ما بينها؟
كيف ساهم الصراع السياسي في التأثير على المحتوى الإعلامي للقنوات اللبنانية؟
هل ساهم بعض الإعلام في تضخيم أزمة كورونا للتصويب على السلطة؟
ما هي الأطر التي اعتمدت عليها القنوات اللبنانية في تغطية كورونا؟
- أهمية الدراسة وأسباب اختيارها:
تعدّ هذه الدراسة من الأبحاث الحديثة المستجدة التي تهم الكثيرين للاطلاع على نتائجها ولا سيّما أنّها مرتبطة بإلقاء الضوء على أزمات المجتمع المحليّ من خلال التّعرف على الدّور الذي يقوم به الإعلام اللبنانيّ خلال الأزمات. وتكمن أهمية هذا الموضوع في أنه يمثل نموذجًا لما يمكن تسميته بـ"أنسنة الأزمة" من منطلق سياسي، وبحسب علم الباحث، فقد شكل الموضوع الإنساني مؤخرًا، عنوانًا للكثير من الأزمات التي ظهرت بين الدول.
أمّا عن حيثيات اختيار الموضوع، فقد أحدثت أزمة كورونا أصداء واسعة على المستوى المحليّ والدّولي، واستقطبت النّقاشات على مستوياتٍ عدّة حول كيفية حلّ هذه المشكلة واستيعابها. وبرغم اتفاق الإعلام اللبنانيّ المتلفز على كون هذه الأزمة صحيّة بامتياز، جاءت مقاربته لها على نحو متباين بين قناة وأخرى، وفق الانتماء السياسي لكلّ محطة، وهذا ما استدعى منّا رصد ملامح هذا التّباين في نظرة القنوات الإعلاميّة محل الدّراسة حيال الأزمة، وعلاقة تغطيتها بالخط السياسيّ لكلّ قناة.
- أهداف الدراسة:
يتحدد الهدف الرئيس لهذه الدراسة في التعرف على كيفية تغطية القنوات التلفزيونية اللبنانية لأزمة كورونا، وتتفرع من هذا الهدف عدة أهداف أخرى، هي:
- استكشاف الاختلافات الكامنة في معالجة القنوات المشمولة بنطاق البحث لأزمة كورونا، ومن ثم تقدير دوافع هذه التغطية (وجود أجندة سياسية، إرضاء المالكين أو الممولين أو الجهات السياسية الراعية، إرضاء الجمهور...).
- التعرف على مدى انعكاس الانتماءات السياسية وتأثيرها على محتوى الإعلام اللبناني.
- رصد الفنون الصحافية التوضيحية التي اعتمدتها كل قناة في الحديث عن كورنا وكيفية توظيفها.
- التعرف على الأطر والآليات المستخدمة للإضاءة على أزمة كورونا.
- الإطار النظري:
تتركز أهمية الإطار النظري في أي دراسة بفهم مسار وإطار وتوجه هذه الدراسة ما يسهل على الباحث التعمق في أبعادها وخلفياتها ونتائجها. في هذه الدراسة نعتمد بداية على "المقاربة النقدية" التي تقول: "إن وظائف وسائل الإعلام هي مساعدة أصحاب السلطة على فرض نفوذهم والعمل على دعم الوضع القائم. وبذلك، فإنّ محتوى وسائل الاتصال يروّج اهتمامات الجماعات المهيمنة في المجتمع".[ii] وفي هذا الإطار يشير كل من "نعوم تشومسكي" (Noam Chomsky) و"إدوارد هيرمان" (Edward Herman) إلى وجود فلاتر تمر عبرها الأخبار في وسائل الإعلام قبل وصولها إلى الجمهور، وهذه الفلاتر قد تكون في القيود التي يفرضها المالكون على المحطة، أو تتمثل في قيود المعلنين أو في الأيديولوجيا التي توجه الوسيلة الإعلامية.[iii] وبطبيعة الحال، فإنّ هذه الفلاتر موجودة في لبنان وتستخدمها وسائل الإعلام بأشكاله المختلفة ومنها القنوات التلفزيونية.
في هذه الدراسة يمكن الاعتماد على "المقاربة الثقافية" التي تنظر إلى وسائل الإعلام "ليس نقل معلومات، ولكن تقديم المعتقدات المشتركة"،[iv] بمعنى أن "نوع الجمهور الذي يعتقد القائم بالاتصال أنه يخاطبه، له تأثير كبير على طريقة اختيار المحتوى وتنظيمه"،[v] وهذا ينطبق على دراستنا من خلال محاولة كل قناة إعلامية مخاطبة جمهورها عن الاجراءات الوقائية بالطريقة التي تشبه ثقافة هذا الجمهور والمجتمع. ورغم أهمية هذه المقاربة لكن تبقى "نظرية التأطير" هي الأساس في هذا البحث، من أجل تفسير دوافع القنوات الإعلامية قيد الدراسها في تعاملها مع جائحة كورونا وطريقة مقاربتها استنادًا إلى نشرات أخبارها المسائية. والمقصود بنظرية التأطير أي التنميط الإخباري والتركيز على عناصر إخبارية معينة وإهمال الأخرى، فيعمل التأطير على جعل بعض الأفكار أكثر بروزًا ويهمش الأفكار الأخرى ويستبعدها ليجعلها غير ملحوظة، ولا يقف التأطير عند هذا الحد بل إن صحافيين غالبًا ما يلجؤون إلى اسقاط أطرهم التفسيرية الخاصة للأخبار على تغطيتهم للأحداث، بمعنى أنهم يضعون الأخبار في إطار ايديولوجي وإنساني معين من أجل التشجيع على تفسير الأخبار بطريقة معينة.[vi]
- الفرضيات:
- وجود ارتباط بين الاتجاه السياسي للقناة ونظرتها إلى أزمة كورونا وموقفها من أطراف الأزمة وطريقة تغطية هذه الأزمة.
- صناعة الإعلام للأزمة من خلال تضخيمها والعمل على أنسنتها من أجل تهديد الأنظمة والحكومات.
- نوع الدراسة:
يعدّ البحث من الدراسات الوصفية التي تركز على وصف طبيعة مجتمع معين وسماته وخصائصه أو موقف أو جماعة أو فرد معين، وتكرارات حدوث الظاهرات المختلفة. وتقوم البحوث الوصفية بتصوير وتحليل وتقويم خصائص مجموعة معينة أو موقف معين أو دراسة الحقائق الراهنة المتعلقة بطبيعة ظاهرة أو موقف أو مجموعة من الناس أو مجموعة من الأحداث أو مجموعة من الوقائع، وذلك بهدف الحصول على معلومات كافية ودقيقه عنها، من دون الدخول في أسبابها، وذلك بغضّ النظر عن وجود أو عدم وجود فروض محددة مسبقًا، ذلك أنّ الدراسات الوصفية لا تتضمن بالضرورة فروضًا سببية تخضع للاختبارِ والدّراسة، كما قد تستهدفُ تقديرَ عددِ مرّات تكرارِ حدوثِ ظاهرةٍ معينةٍ ومدى ارتباطها بظاهرةٍ أو مجموعةٍ أخرى من الظواهر.[vii]
- منهج البحث وأدواته:
نعتمدُ في هذه الدراسةِ على المنهجِ المَسحيّ الذي يساعدُ على وصفِ ظاهرةٍ والحصول على البيانات الوافية عنها، ونستخدم في هذا المنهج أداة تحليل المضمون، و"تحليل المضمون يعني دراسة المادة الإعلاميّة المقدمة من خلال الوسيلة للكشف عن المعنى الذي تريدُ إيصالَهُ إلى جمهورها وكيفيةِ عرض المحتوى وحجمِه وأسلوب مخاطبته للجمهور في محاولةٍ للوصول الى درجة تأثيره".[viii] ومن خلال التّحليل النوعي والوصفي والمقارن لعينة من نشرات أخبار قناتي "المنار" والـ"أم تي في" (MTV) سنظهر تمايز خطاب كل قناة في التعاطي مع جائحة كورونا.
- مجتمعُ البحث وعينتُه:
يدرس الباحث دور الإعلام في الأزمات من خلال دراسة دّور قناتي المنار و"أم تي في" اللبنانيتين في جائحة كورونا من خلال أخذ عيّنة من نشرات الأخبار المسائية للقناتين خلال مرحلة الإعلان عن أولى الإصابات بفيروس كورونا، وتمتد من 20/2/2020 إلى 24/2/2020، حيث تمثل كلّ قناة خطًا سياسيًّا مواجهًا للخط الآخر. (...)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق