العقود : ترف حضاري أم ضرورة اجتماعية؟

د. سنان عبد الحسين صالح - مجلة الحداثة

سنان عبد الحسين صالح *


- نبذة عن البحث:


إنّ حياة البشر وعلاقاتهم في تطوّر مستمر، كذلك رحلة العقود مع الناس، كانت ولا تزال في تطور مستمر، فقد بدأت رحلة العقود شفهيّة بين فردين أو بين فريقين، وضوابطها الكلمة وشهود الحال، ثم أصبحت كتابيّة، كانت تأخذ في أول العقد بالكتابة شكل "الحجّة" وهي عبارة عن إثبات واقعة الاتفاق بين الطرفين على نقل ملكيّة عقار ما، أو غيره، إلى ملكيّة طرف آخر.
وعندما بدأ يتبلور شكل الدولة العصريّة، شهدت العقود قفزة نوعيّة، فقد أصبحت هناك قوانين تنظّمها، وأصبحت لها مرجعيّات تحسم ما قد ينشأ عن تنفيذها من خلافات بين أطرافها.
غير أنّ الحدث الأبرز كان عندما عرف المجتمع البشري ما يُسمّى بالعقود الإداريّة، وذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر. فقد كان المبدأ السائد الذي يحكم العقود هو "العقد شريعة المتعاقدين"، فما اتفق عليه طرف العقد، هو القانون الذي يتم الرجوع إليه في تنفيذ بنود العقد.
ولأن العقود غالبًا قد تحتوي على بنود غامضة، أو على الاقل قد يُساء فهمها، أو قد يُختلف في تفسيرها، اقتضت الضرورة إنشاء المحاكم، سواء الدينيّة منها قبل ظهور الدولة المعاصرة، أم المدنية التي تكرّست مع نشوء الدولة الحديثة.
وقد استمر مبدأ "العقود شريعة المتعاقدين"، وكان دور المحاكم الأساسي يتمحور حول معرفة بنّية المتعاقدين عند توثيق العقد. إلا أنه مع نشوء العقد الإداري، انحسر ظل هذا المبدأ، وأخلى مكانه في هذا العقد، بحسبان أنّ العقد الإداري هو ذلك العقد الذي يكون أحد طرفيه الدولة (الإدارة العامة)، وذلك استنادًا إلى أن الدولة بصفتها المسؤولة عن الصالح العام، والنظام العام، لا يمكن تقييدها بعقود قد تتغيّر ظروف تنفيذها، بحيث إنّها قد تتناقض مع الصالح العام، لهذا كان لا بدّ من جعل يد الدولة في العقد أعلى من يد الطرف الآخر، الخاص، فلها – بالتالي – أن تتدخّل في أي وقت، سواء أكان قبل تنفيذ العقد أم في أثنائه، لكن هذا مع حفظ حقوق الطرف الآخر، سواء بالتعويض عليه، أم بزيادة الثمن، لقاء زيادة الالتزام الذي فرضته عليه.
والسؤال الذي يمكن طرحه هنا: هل تعدّ العقود، خصوصًا منها الإداريّة ترفًا حضاريًا أم ضرورة اجتماعية تتطلبها عملية تطور العلاقات بين الأفراد داخل المجتمعات؟
في هذا البحث نحاول سرد أنواع أهم العقود التي عرفتها المسيرة البشرية – على الأقل في القرون المتأخرة – وصولًا إلى العقد الإداري، لنفرد له مساحة أكبر، نظرًا إلى تقييده مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وعلى هذا نقسم بحثنا قسمين هما:
1- العقود التي تندرج تحت مبدأ العقد شريعة المتعاقدين أو العقود التي يتساوى أطرافها.
2– العقود التي يتميز أحد طرفيها.

***

* دكتور بالقانون العام – العراق - الاختصاص الدقيق: القانون الإداري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ترحب مجلة الحداثة بالتعقيبات أو التصويبات أو التعليقات على ما ينشر فيها من أبحاث ودراسات، وتنشرها بحسب ورودها.
Al-Hadatha Journal welcomes any comments, corrections, or comments on the research and studies published in it, and publishes them as they are received.