♦ فرحان صالح *
نبذة عن البحث
لم يجد العديد من المؤرخين والمفكرين والفقهاء سبيلًا خلال التاريخ الممتد من العام 600م إلى اليوم، سوى تأكيد خصوصية مجتمع الجزيرة العربية، وريادة قبائله وتياراته الحنيفية والوثنية. تلك المنطقة التي تم التركيز على قوة جاذبيتها لاحتضان النبوة التي ولد من رحمها الإسلام المحمدي (الدين الحنيف)، فبعض المفكرين الذين تناولوا الموضوع التاريخي، خاصة جانب السير الذاتية منه، ليس للرسول محمد فحسب، بل للخلفاء من بعده أيضًا - استبعدوا حضور الرموز والمؤثرات الدينية السابقة على نشوء الإسلام. وها أننا نجد أن كل ما يختلف عليه المؤرخون المسلمون اليوم، يحيلونه إلى المؤثرات السلبية لليهود، وأحيانًا للمسيحيين. في حين نرى بعد أن نتفحص التاريخ الذي كانت عليه الجزيرة العربية في ذلك الزمن، أن الإسلام ذاته ولد: من تفاعل الحضارة الهيروغليفية- السومرية، مع حضارات شعوب العالم القديم، ومن تفاعل الخصوصيات الاجتماعية السياسية في علاقة الجزيرة مع تراث ما قبلها. ففي اللاوعي التاريخي تكتمل حركة القبائل الصحراوية في الزمان، وتعبر هذه الحالة أصدق تعبير عن حالة "السيولة الثقافية" داخل – قلب مثلث – المنطقة الجغرافية الصحراوية الهائل الاتساع الذي يمتد من صحراء العراق وشمال شبه الجزيرة والحجاز، وصولًا إلى صحراء الشام حتى حدود النيل في مصر، وينزرع في قلب هذا المثلث من فلسطين كمعبر رئيس بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، والعكس بالعكس، وتشكّل فلسطين القلب والمضخّة التي يأتيها الدم الثقافي من كل مكان.