♦ أليسار حسن إبراهيم *
- نبذة عن البحث:
حَظِيَ مفهومُ الأدب بالكثيرِ من الدّراسات، وذلك لِمَا لهُ من أهميّةٍ تتجلّى في الدّلالات المتنوّعة الّتي اكتسبتها كلمة "أدب" عبر مساراتٍ زمنيّةٍ مختلفة. ونحن إنْ عدْنا إلى "لسان العرب" لابن منظور، نجد في مادّة "أَدَبَ" و"دأَبَ" عدّة كلمات مفاتيح، إذا التقطناها، نراها تندرجُ في إطارٍ قائمِ على الدّعوة إلى المحامد: "الأدبُ الّذي يتأدّبُ به الأديبُ من النّاس، لأنّه يأدبُ النّاسَ إلى المحامدِ"، كما نلحظُ دلالاتٍ أخرى كالتّعليم، والتّرويض، وحُسْن التّناول.إذا تَتَبّعنا كلمة "أدب" عبرَ العصور نجدُها قد تطوّرت لِتكتسبَ بُعدًا ثقافيًّا اتّسعَت درجةُ غِناه في العصر العبّاسيّ نتيجةَ الإحتكاك بالثّقافات الأخرى. من هنا ظهرتِ العديدُ من الكتب الّتي تتحدث عن آداب المهن.نعالج من خلال هذا البحث مفهومَ كلمة "أدب" في كتاب "أدب الطّبيب" لإسحق بن عليّ الرُّهاويّ (المتوفّى في الرّبع الأوّل من القرن الرّابع الهجري/العاشر؟) الطبيب الّذي عاش في العصر العبّاسيّ الثّاني، والعالم بكلام جالينوس. وقد اخترنا هذا الكتاب لندرسَ مفهوم كلمة "أدب" فيه، والدّلالاتِ التي اكتسبَتْها من خلال السّياق، ولنُبرِزَ مدى أهميّةِ وجودِ قواعد وضوابط لمهنة الطّبّ.فما هي درجةُ انتشار كلمة "أدب" في كتاب "أدب الطبيب"؟ وما هي المضامينُ والأبعاد التي اكتسبَتْها كلمة "أدب" من خلال هذا الكتاب؟
في الواقع، إنّ الإجابة عن هذه الإشكاليّة تقتضي منّا اتّباعَ تنظيمٍ محدّدٍ، لذا استندْنا في دراستنا على منهجَين:
- المنهج المعجميِ القائم على رصْدِ درجَةِ تواتر كلمة "أدب" في سياق نصّ الكاتب، والتقاطِ الدّلالاتِ المُتعلّقة بها (تأديب، دعوة إلى المحامد، ثقافة، عِلْم)، ثمّ العمل على تصنيفها في حقولٍ ذاتِ دلالاتٍ معّينةٍ (مِهَني، مَعْرفي، ديني، أخلاقي، سلوكي...)، معَ الإشارة إلى أنّ دراستَنا هي دراسةٌ داخليةٌ تحتاجُ إلى أن تُستَكمَل من حينٍ إلى آخرَ بدراسةٍ خارجيّة تحدّدُ البيئةَ والعصْر والمُناسَبة، والإطارَين الزّمانيّ والمكانيّ، لذا كان لا بدَّ من اعتماد المنهج التّاريخي أيضًا.
وقد جعلْنا بحثَنا في ثلاثة أقسامٍ، عرّفْنا في القسم الأوّل بالرُّهاوي وآثاره، وقد بدأنا بهذا القسم لأنّه لا بُدَّ لقارىءِ البحثِ من أن يُحيطَ بالعصر الّذي نشأ فيه الرُّهاويّ، وبالأطبّاء الّذين قد تأثّر بهم، وأن يُدرِكَ مدى انفتاحِ العرب المسلمين في مجال الطّبّ على الحضارات الأخرى ولا سيّما اليونانيّة، ويتلمَّس مدى تأثير أخلاق الإسلام في المؤلّف الّذي ينتمي إلى الملّة اليهودّية، ثمّ ارتأينا أن نُدْرِجَ القسم الثّاني تحت عنوان: "الآداب والتّدابير في مهنة الطّب". وقد قدّمناه على القسم الثّالث لأنّنا اخترْنا أن ننطلقَ في بحثنا من الخاص إلى العام، أي من كلّ ما هو معرفي وأخلاقي خاص بالطّبيب وحده، كوْن عملية الإصلاح والتّعلّم تبدأ من الذّات، وتنطلقُ إلى الآخر. لذلك أورَدْنا في القسم الثّالث كل ما له علاقة بسلوكيّات الطبيب مع الآخر، سواء أكان هذا الآخر المجتمع بشكلٍ عام، أو المريض بشكل خاص، أو علاقة العوّاد بالمريض. محاولين تبيان مفهوم كلمة "أدب".
أمّا بالنّسبة إلى المصادر والمراجع فقد اعتمدّنا على الكتُب الآتية:
1- الرُّهاويّ، إسحق بن عليّ (الرُّبع الأوّل من القرن الرّابع الهجري/العاشر؟)، أدب الطبيب؛ حقّقه مريزن سعيد مريزن عسيري، ط1. الرّياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدّراسات الإسلاميّة 1412 ه/1992 م.
هذا الكتاب هو مِحْورُ دراستنا، لذا استندْنا عليه في فهم حياة الرُّهاوي، وفي دراسة مفهوم كلمة "أدب" المنتشرة في بعض الأبواب.
2- القفطي، علي بن يوسف بن إبراهيم (646ه/ 1249م)، إخبار العلماء بأخبار الحكماء؛ حقّقه إبراهيم شمس الدّين، بيروت: دار الكتب العلميّة 2005 م.
مَن يتطرّق لدراسةِ حياة الرُّهاويّ، يلحظ عدمَ وجودِ تحديدٍ دقيقٍ لتاريخ الولادة والوفاة، لذا كان لا بُدَّ من رصْدِ أسماء بعض الأطباء الّذين عاصروه لفترات زمنيّة معيّنة، أو تأثّر بهم، وقد أفادنا كتاب القفطي في هذا المجال، إذْ اطّلَعْنا من خلاله على ترجمةٍ لبعض الأطبّاء.
3- ابن أبي أصيبعة، أحمد بن القاسم بن خليفة (668ه/1312م) عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء، تحقيق نزار رضا، بيروت: دار مكتبة الحياة، 1965م. أفادنا هذا الكتاب في القسم المتعلّق بالتّرجمة الدّقيقة للرُّهاوي.
4- ضيف (شوقي)، تاريخ الأدب العربيّ: العصر العبّاسي الثّاني، ط.2، القاهرة: دار المعارف بمصر، 1973.
اطْلعّنا من خلال هذا الكتاب على الحقبة التّاريخيّة الّتي عاش فيها الرُّهاوي، كتحوّل مقاليد الحكم إلى الأتراك، وحدوث ثورة الزّنج، وانطلاق حركة التّرجمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق