♦ إلهام حسن الحاج حسن *
نبذة عن البحث:
- لِم طرح موضوع التنمُّر (Bullying)؟
"سامي" طفل في العاشرة من عمره وفي الصَّف الخامس إبتدائي، التقيته في السِّجن وكان وحيدًا ذليلًا خائفًا ونادمًا، هو ضحيَّة وجلَّاد في آن واحد، ضحيَّة التنمُّر المدرسي. شكَّلت سنواته الخمس الأولى في المدرسة معاناة رهيبة له، منبوذًا ووحيدًا وبلا رفاق، مطاردًا في الملعب بالإهانات حول شكله وأسرته "ذات الصِّيت السَّيء"، إلى أنَّ تقرَّب منه أحد الرِّفاق وعادت إليه "الرُّوح"، وصار سامي يُغريه بالهدايا ليُحافظ على صداقته. لكن حدث أن رأى والد رفيقه صورة لابنه مع سامي، فعنَّفه وطلب إليه ألّلا يخالطه مُجدَّدًا، لأن عائلته "مشبوهة وغير صالحة". وهكذا عاد سامي لسابق عهده، معزولًا ومنبوذًا، لا بل وأكثر، مصدومًا من أحبِّ الناس إليه، الذي تحوَّل من صديق إلى مُتنمِّرٍ شرسٍ له. يقول الأهل إنَّ سامي كان يبكي طوال الوقت، ويرفض الذَّهاب إلى المدرسة، لكن ما لم يعرفوه أنَّه كان يُخطِّط بصمت للانتقام. ذات يوم تعرَّض لإهانة شديدة في الصَّف من صديقه السَّابق وأقران آخرين، فما كان منه إلا إن استل سكِّينًا وطعن رفيقه حتى الموت، في الصَّف وأمام الأستاذ والأقران المصدومين.
تدخُّلي كنفسانيَّة كان لمساعدة التلامذة على احتواء الصَّدمة وتحصينهم من "عوارض ما بعد الصَّدمة"، التي قد تتشكَّل عند من يشهد أمرًا رهيبًا كالذي عرفه هؤلاء الأطفال.
كانت ورشة عملٍ ضخمةٍ استمرَّت لسنتين مُضنيتين، ليس مع تلامذة الصَّف الخامس فقط، بل مع كلِّ التلامذة في المدرسة والمعلِّمين، لأنَّ الصَّدمة مثل الهزَّة الأرضيَّة لها ارتداداتها على المحيط، كذلك عملت، ولو بشكل أقلّ، مع أهل الضَّحية وأهل الجاني والجاني نفسه.
مرَّ زمن طويل على هذه الحادثة، لكنَّ آثارها حفرت عميقًا بداخلي، ودفعتني للعمل ميدانيًا مع الأطفال والمدارس، وطلب التعاطي بجدِّية مع ظاهرة التنمُّر، والتي تسبّبت هنا في خسارة حياة طفلين، أحدهما بالموت وآخر بالسَّجن.
والتساؤلات التي تُطرح اليوم: هل التنمُّر ظاهرة متفشِّية في مدارسنا وتستحقُّ البحث فيها؟ ما الأسباب التي تُحرِّكُ المُتنمِّر، أهي بيئية أسرية أم طِباعًا موروثة أم إصابة بعدوى العُنف وما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل يمكن إيقافها ومنع ضررها وكيف؟