Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

بعد قرنٍ من مؤتمر القاهرة 1921: ماذا استجد؟ (2)

محمد أرسلان علي - مجلة الحداثة

محمد أرسلان علي *


- مناطق النفوذ وفق معاهدة سيفر


منطقة نفوذ فرنسا

احتلت فرنسا سوريا والأجزاء المجاورة لجنوب شرق الأناضول، ومنها عنتاب وأورفا وماردين. وعُدَّت منطقة كيليكية ومنها: أضنة وديار بكر ومنطقة كبيرة من وسط شرق الأناضول مرورًا إلى الشمال حتى سيواس وتوقات، هي منطقة نفوذ فرنسي.

- منطقة نفوذ اليونان (منطقة ازمير)

أنشأت سيطرة اليوناني لأزمير إدارة حكم بتاريخ 21 مايو/أيار 1919. ثم أعقبها إعلان المنطقة محمية في 30 يوليو/تموز 1922، حيث نقلت المعاهدة «ممارسة أزمير حقوقها السيادية إلى برلمان المحلي»، لكن تبقى المنطقة تحت حكم السلطنة العثمانية. ووفقًا لنصوص المعاهدة، فإن البرلمان المحلي يدير المدينة لخمس سنوات ثم يكون لأهالي أزمير الفرصة في استفتاء ما إذا كانوا يرغبون بالانضمام إلى اليونان أو البقاء تحت الدولة العثمانية. وستشرف عصبة الأمم على هذا الاستفتاء. وإن أبقت المعاهدة إدارة اليونان على قطاع أزمير، ولكن تبقى تحت السيادة التركية.

- منطقة نفوذ إيطاليا

أكدت إيطاليا حيازتها لجزر دوديكانيسيا (وكانت بالفعل تحوزها خلال الحرب العثمانية الإيطالية سنة 1911-1912)، وبالرغم من معاهدة أوشي إلا أن إيطاليا أُجبرت على إعادة الجزر إلى السلطنة، لكن إيطاليا أعلنت بأن أجزاء كبيرة من جنوب غرب الأناضول ووسطه (الساحل التركي للمتوسط والداخل) ومعها ميناء أنطاليا ومدينة قونية العاصمة التاريخية للسلاجقة، مناطق نفوذ لها. وقد وعد الحلف الثلاثي في اتفاقية لندن بإعطاء مقاطعة أنطاليا إليها، حيث رغبت السلطات الاستعمارية الإيطالية أن تصبح المنطقة مستعمرة باسم ليقيا.

- كردستان

من حقّ سكان إقليم كردستان إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم الذي يضم ولاية الموصل (تضم الموصل وكركوك والسليمانية واربيل) وفقًا للبنود 62-64 من الفقرة الثالثة. ونصّت على: (المادة 62: تتألف اللجنة المقيمة في القسطنطينية من ثلاثة أعضاء ترشحهم رسميًّا بريطانيا وفرنسا وايطاليا. وخلال الأشهر الستة التي تعقب توقيع هذه الاتفاقية، تقدم اللجنة خطة للحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تقطنها أغلبية كردية شرقي نهر الفرات وجنوب الحدود الأرمنية، التي يمكن تحديدها فيما بعد، وشمال سوريا والعراق كما ثبتت في الفقرات 27 و11 و2 و3.
وإذا ما أخفقت اللجنة في الوصول إلى قرار جماعي حول أية مسألة من المسائل، يقوم كل عضو من أعضائها بطرح المسألة على حكومته. وسوف يتضمن المشروع ضمانًا تامًا لحماية الآشوريين والكلدانيين وغيرهما من الأقليات القومية أو العرقية في هذه المنطقة. وحقيقًا لهذا الغرض ستقوم لجنة تشمل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وايران والكرد بزيارة هذه المنطقة للتحري وإقرار الإصلاحات – إذا ما وجد منها شيء – التي يمكن اتخاذها على الحدود التركية، حسب شروط الاتفاقية المتعلقة بالحدود الفاصلة ببين تركيا وايران.
المادة 63: توافق الحكومة التركية بهذا على قبول وتنفيذ القرارات المتخذة من قِبل كلتا اللجنتين المذكورتين في المادة /62/ وذلك في غضون ثلاثة أشهر من إبلاغ القرارات للحكومة المذكورة.
المادة 64: وإذا حدث خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية، أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم، قائلين إن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيش حياة مستقلة وتوصيتها يمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلّى عن كلّ حقّ في هذه المنطقة. وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلّي تركيا عن هذه الحقوق موضوعًا لاتفاقية تعقد بين كبار الحلفاء وتركيا. وإذا ما تم تخلّي تركيا عن هذه الحقوق فإن الحلفاء لن يثيروا أي اعتراض ضد قيام كرد الموصل بالانضمام الاختياري إلى هذه الدولة الكردية.
إن معاهدة سيفر تعدّ وثيقة مميزة في تاريخ القضية الكردية، حيث نصّت على تحقيق حلّ للمشكلة الكردية في بعض أجزاء كردستان؛ من خلال مراحل تصل إلى الاستقلال. ويعدّ هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي. إلا أنه لم يكن هناك اتفاق عام بين الكرد على شكل الحدود بسبب التفاوت بين مناطق سكن الكرد وحدود المنطقة السياسية والإدارية.
إلا أن شريف باشا العضو في جمعية تعالي كردستان (Kürdistan Teali Cemiyeti) قد اقترح في مؤتمر باريس للسلام 1919 خطوطًا عريضة لكيان كردستان حيث أوضح حدود المنطقة على النحو التالي: تبدأ حدود كردستان حسب وجهة النظر العرقية إلى الشمال من زيفان على حدود القوقاز ثم تتجه غربًا إلى أرضروم وأرزينجان وكيماخ وأربغير وبسني ودفريقي، ثم جنوبًا حيث يتبع خط حرَّان جبل سنجار وتل الأصفر وأربيل والسليمانية ثم سنانداج. وشرقًا راواندوز وباش قلعة ووزير قلعة، وما يسمّى بالحدود الفارسية حتى جبل أرارات.
تسببت تلك الخريطة بنشوب خلافات مع جماعات كردية أخرى، لأنها استبعدت منطقة وان (ربما كانت مجاملة لمطالب الأرمن بتلك المنطقة). وقد اقترح أمين علي بدرخان خارطة بديلة تضمنت منطقة وان ومنفذًا إلى البحر عبر مقاطعة هاتاي أو (الإسكندرون). ووسط إعلان مشترك للوفدين الكردي والأرمني فقد أسقطت مطالب الكرد لولاية أرضروم وساسون، وإن استمرت نقاشات سيادة الكرد على أغري وموش. وردًا على موقف رئيس الوفد التركي الداماد فريد باشا الذي حاول الإيقاع بين الكرد والأرمن، والحديث عن الخلافات الكبيرة بين الأرمن والكرد، والدعوة إلى الحفاظ على الممتلكات العثمانية في قارة آسيا ضمن حدود الدولة التركية، وعلى الروابط والعلاقات الأخوية بين كافة المكونات والقوميات وخاصة الدين الإسلامي.
وجّه رئيس الوفد الكردي شريف باشا وبوغوص نوبار رئيس الوفد الأرمني الموحد رسالة مشتركة إلى رئيس الوزراء الفرنسي كليمانصو بوصفه رئيسًا لمؤتمر الصلح تضمنت:
باريس 20 تشرين الثاني 1919
سيادة الرئيس
يسعدنا أن نسلمكم طيًا نسخة من كتاب معنون إلى مؤتمر السلام الموقع من قبلنا ممثلي الوفد الأرمني الموحد والوفد الكردي في مؤتمر السلام.
إن سيادتكم يرى أنه على النقيض من تأكيدات خصومنا الذين يزعمون أن الأرمن والكرد لا يستطيعون العيش بسلام، فإننا عقدنا اتفاق صلح، على ضوء تحقيق أهدافنا القومية التي هي مقياس للمستقبل، فنرجو قبول.. مع احترامنا الفائق التوقيع.
رئيس الوفد الكردي في مؤتمر السلام
شريف باشا
رئيس الوفد الوطني الأرمني
بوغوص نوبار

* نص الاتفاق:
الوفد الكـردي الموحد: 12 شارع الرئيس ولسون باريس الوفد الأرمني الموحد: 12 شارع الرئيس ولسون باريس
باريس 20 تشرين الثاني 1919
سيادة الرئيس:
نحن الموقعين أدناه، الممثلين للشعبين الأرمني والكردي، لنا الشرف أن نبلغ مؤتمر السلام، فشعبانا لهما نفس المصالح، ويرميان إلى نفس الأهداف، ويدركان حريتهما واستقلالهما وبالأخص للأرمن وانعتاقهم من السيطرة القاسية للحكومة العثمانية، أي تحررهم من نير الاتحاد والترقي. ونحن موحدون جميعًا في الطلب من مؤتمر السلام أن يقرر استنادًا على قاعدة مبادئ القوميات خلق أرمينيا موحدة مستقلة وكردستان مستقلة مع المساعدة من إحدى الدول العظمى.
عن كردستان شريف باشا
رئيس الوفد الكردي في مؤتمر السلام
اوهانيسيان
الرئيس المؤقت لوفد الجمهورية الأرمنية
بوغوص نوبار
رئيس الوفد الوطني الأرمني

وقد حاول الرئيس الأمريكي ولسون من خلال جلسات المؤتمر تقليص النفوذ البريطاني – الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط، بطرح فكرة الانتداب، للشعوب والمناطق التي يتم فصلها عن الإمبراطورية العثمانية. إلا أن انسحاب الوفد الأمريكي من المؤتمر، وتشابك مصالح بريطانيا وفرنسا، أديا إلى الإسراع بالبحث عن تفاهمات واتفاقيات لتقاسم التركة العثمانية «الغنية»، ورفضت بريطانيا عرضًا فرنسيًّا بتقسيم كردستان بين فرنسا وبريطانيا، واقترحت بريطانيا:
- رفض الانتداب البريطاني، أو البريطاني – الفرنسي على كردستان.
- رفض السيطرة التركية على كردستان حتى وإن كانت اسمية.
- ربط قضية استقلال كردستان بتشكيل الدولة الأرمنية.
- يترك للكرد تشكيل دولة واحدة، أو مناطق متعددة.
- حماية الكرد ضد اعتداء الترك، إن أمكن...
- تقوم فرنسا وبريطانيا بمنع المشاكل الحدودية في المناطق الكردية.

- مؤتمر سان – ريمو 1920


وقّعت اتفاقية سان ريمو في مدينة سان ريمو الايطالية بين بريطانيا وفرنسا، وحضر هذا المؤتمر ممثلون عن بعض الدول الأخرى كمراقبين، ولم يكن لهم تأثير على قرارات المؤتمر. كان الهدف من انعقاد هذا المؤتمر تحديد مصير الشرق الأوسط وتقسيم منطقة الهلال الخصيب، وتوزيع الانتدابات بين بريطانيا وفرنسا. ويمكن القول إن أسباب عقد هذا المؤتمر هو:
1- انتهاء الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء، وهزيمة المانيا، وانهيار الإمبراطورية العثمانية، الأمر الذي ساعد على تنفيذ الخطط التي وضعت خلال الحرب العالمية الأولى، كما ظهر في اتفاقية سايكس بيكو.
2- عودة الولايات المتحدة إلى سياسة العزلة والحياد، وفشل الرئيس ويلسون في الانتخابات، الأمر الذي سمح لبريطانيا وفرنسا أن تقوم كل منهما بتنفيذ ما اتفق عليه في سايكس بيكو بالنسبة إلى منطقة الهلال الخصيب في الشرق الأوسط.
3- ظهور عصبة الأمم، وذلك حسب اقتراحات ويلسون في نقاطه الـ14 حيث وضع ميثاق لهذه العصبة، وقد تكلم الميثاق على فكرة الانتداب.
4- توتر العلاقات بين سوريا وفرنسا، وذلك بعد نجاح فيصل ابن الشريف حسين بتحرير سوريا، والإعلان عن نفسه ملكًا على سوريا مطالبًا بتنفيذ الوعود التي قطعتها بريطانيا على نفسها، وذلك حسب اتفاقية مكماهون- حسين، وقد تخوّفت فرنسا من هذه التطورات، فأرادت طرد فيصل من سوريا، وتنفيذ مخططاتها الاستعمارية متجاهلة أماني العرب.
واتفق في سان ريمو على تقسيم منطقة الهلال الخصيب، وتوزيع الانتدابات كما يلي:
1- تحصل بريطانيا على انتداب العراق وشرقي الأردن وفلسطين ولكن مع مراعاة وعد بلفور.
2- تحصل فرنسا على سوريا ولبنان كمناطق انتداب.
3- تتنازل فرنسا عن منطقة الموصل الغنيّة بالبترول لصالح بريطانيا بشرط أن تحصل فرنسا على 25% من أسهم أو منتوج النفط، وتسمح بضخّ النفط عبر الأنابيب التي تمرّ في سوريا ولبنان حتى شواطئ البحر المتوسط.
4- تم الاعتراف بالشريف حسين ملكًا على الحجاز فقط، وليس على العرب.
جرت كذلك بعض التعديلات التي طرأت على اتفاقية سايكس بيكو في سان ريمو:
1- نلاحظ أن منطقة الموصل كانت ضمن النفوذ غير المباشر الفرنسي حسب اتفاقية سايكس بيكو، أما في سان ريمو فقد تنازلت فرنسا عن هذه المنطقة لبريطانيا مقابل 25% من عائدات البترول في الموصل.
2- اتفق على أن تكون فلسطين منطقة دولية حسب اتفاقية سايكس بيكو، وفي سان ريمو وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني ولكن مع مراعاة وعد بلفور.
3- إذا نظرنا إلى اتفاقية سايكس بيكو نلاحظ أن العراق وشرقي الأردن كانتا تحت النفوذ المباشر وغير المباشر لبريطانيا. أما في سان ريمو فقد أصبحت هذه الأقاليم تحت الانتداب البريطاني، فالتعديل هنا في كلمة الانتداب فقط.
4- نلاحظ أيضًا أن سوريا ولبنان أصبحتا تحت الانتداب الفرنسي بينما اتفق في سايكس بيكو على أن تكون هاتان المنطقتان تحت النفوذ المباشر وغير المباشر الفرنسي.
أما عن ردّ الفعل على هذا المؤتمر حيث عملت قرارات سان ريمو على تقسيم الأقاليم العربية، فهذه القرارات تتنافى وتتناقض مع اتفاقية مكماهون- حسين. لهذا شعر العرب بالإهانة والغدر. ومن هنا بدأت التمردات، والاحتجاجات، والمظاهرات، والمصادمات والاشتباكات بين القوى الوطنية العربية، وبين جيوش الانتداب.
ففي العراق حدثت مصادمات عسكرية وكذلك في فلسطين. أما في سوريا فقد تحدّى السوريون قرارات مؤتمر سان ريمو، وعينوا فيصل ملكًا عليهم، ورفضت فرنسا ذلك وجاءت بجيوشها بقيادة الجنرال غورو، واشتبكت هذه الجيوش مع الجيش السوري في سهل ميسلون بالقرب من دمشق، وانتهت هذه المعركة بهزيمة الجيش السوري واستشهاد يوسف العظمة وزير الحربية في حكومة فيصل. وهرب فيصل من سوريا إلى لندن. وهكذا انتهى الحكم الهاشمي في سوريا. كانت معركة ميسلون فاتحة لسلسلة من الثورات الوطنية التي قامت في سوريا في فترة الانتداب الفرنسي.
وبقيت مشكلة الموصل مستمرة بين بريطانيا وتركيا حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. حيث أخذت تركيا تطلب ضم الموصل لأراضيها لأنها تعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. عرضت القضية على عصبة الأمم والتي أقرّت ببقاء الموصل مع بريطانيا ولكن تركيا عارضت ذلك، وفيما بعد تم توقيع اتفاقية بين الطرفين التركي والبريطاني، ونصّت هذه الاتفاقية على ما يلي:
1- تحصل تركيا على 10% من أرباح النفط لمدة 18 سنة.
2- تتعهد بريطانيا بعدم مساعدة الآشوريين والكرد.

- معاهدة لوزان


لم تَرُقِ المعاهدة للأتراك وقاموا بالالتفاف عليها، فقد وصفها كمال أتاتورك بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وقاد حربًا ضد الحلفاء سميت بحرب التحرير. خلال معارك التحرير وتحديدًا في ربيع العام 1920 أسس مصطفى كمال المجلس الوطني الكبير في أنقرة من ممثلي القوى الشعبية المشاركة في حرب التحرير (وكانت نسبة الكرد فيه 33% وعدد البرلمانيين الكرد وصل إلى 77 برلمانيًّا)، ليتحول إلى حكومة موازية لسلطة الخليفة العثماني في إسطنبول، وفي العام 1921 أصدر المجلس المذكور القانون الأساسي الذي تزامن صدوره مع إعلان النصر وتحرير الأراضي التركية في صيف العام 1922 وأعلن فيه مصطفى كمال إلغاء السلطنة.
في يوليو/تموز العام 1923 وقّعت حكومة مصطفى كمال معاهدة لوزان التي كرّست قيادته لتركيا باعتراف دولي، فأعلن في 29 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه ولادة الجمهورية التركية وألغى الخلافة، وأعلن نفسه رئيسًا وجعل أنقرة عاصمة للدولة الجديدة بدلًا من إسطنبول. كما تراجع الغرب عن وعوده للكرد في معاهدة سيفر وتناسوهم في معاهدة لوزان التي جاءت لصالح ما أرادته تركيا الكمالية. السبب وراء ذلك يعود إلى خوف الدول الأوروبية وبالأخص بريطانيا من استغلال الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي تحويل الصراع لصالح نفوذهم في المنطقة.
لذلك قررت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في 25 يناير/كانون الثاني العام 1921 توجيه الدعوة إلى وفد حكومة أنقرة لحضور المؤتمر القادم، الأمر الذي دلّ على اعتراف الحلفاء بالواقع الجديد في تركيا.
معاهدة لوزان وصفت بالثانية تمييزًا لها عن اتفاقية لوزان الأولى (معاهدة أوشي) الموقعة في 18 أكتوبر/تشرين الأول العام 1912 بين إيطاليا والدولة العثمانية، والقاضية بانسحاب الأخيرة من ليبيا لصالح إيطاليا.
كان هدف المؤتمر التفاوض على معاهدة جديدة مع تركيا التي رفضت الاعتراف بمعاهدة سيفر. وبعد مفاوضات طويلة تم تسوية الخلافات بين بريطانيا، فرنسا وتركيا، وقد ترأس الوفد التركي عصمت إينونو بمشاركة حاخام يهودي، ومنذ افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر لوّحت بريطانيا وفرنسا إلى أنها مستعدة للتنازل والوصول إلى حلول وسط. ورضخت للشرط التركي برفض مشاركة أي وفد كردي في المؤتمر، ومنع مناقشة القضية الكردية في كردستان تركيا بشكل خاص، وكانت بريطانيا وفرنسا على استعداد للتنازل عن بعض امتيازاتهما في تركيا، خوفًا من ارتمائها في أحضان الاتحاد السوفييتي، الذي بات يشكل خطرًا على مصالحهما في المنطقة.
لذلك وافقت على الشروط التركية، وبذلك تعزز موقع تركيا في المنطقة وعلى الساحة الدولية، وتغيّرت موازين القوى لصالح حكومة أنقرة التي انفردت بالحكم في تركيا، بإلغاء السلطنة، ونقل العاصمة من اسطنبول إلى أنقرة، وإلغاء الخلافة وإعلان النظام الجمهوري في 1923. وبذلك ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وعقدت مباحثات المعاهدة على فترتين: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية استمرت ما بين ربيع وصيف العام 1923.

نصّت معاهدة لوزان على نقاط من بينها:
– إلغاء الخلافة ومصادرة أموال الخليفة.
– نفي الخليفة وأسرته إلى خارج تركيا.
– إعلان علمانية الدولة التركية.
– منع تركيا من التنقيب عن النفط.
– جعل مضيق البوسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة مرورًا إلى البحر الأبيض المتوسط ممرًا دوليًّا لا يحقّ لتركيا تحصيل الرسوم من السفن والبواخر التي تعبره.
كما نصّت على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى معاهدة سيفر، واعتبر الكرد هذه المعاهدة ضربة محطمة لآمالهم بالاستقلال.
وكان هدف المؤتمر التفاوض على معاهدة جديدة مع تركيا، التي رفضت الاعتراف بمعاهدة سيفر. وبعد مفاوضات شاقة وطويلة تم تسوية الخلافات بين بريطانيا، فرنسا، تركيا، وقد ترأس الوفد التركي عصمت إينونو بمشاركة حاخام يهودي حاييم ناحوم أفندي (1873 -1960/ ولد في مانيسيا بالقرب من أزمير، بتركيا، تعلَّمَ في كلية الحقوق التركية، وفي هذه الكلية درس الفقهَ الإسلاميَّ دراسةً عميقةً، ثم أكمل تعليمه في جامعة السوربون الفرنسية، وقد درس هناك الأديان واللغات الشرقية وعلى رأسها اللغةَ العربية. عام 1922 تم اختياره لمنصب الحاخام الأكبر في تركيا، وهو المنصب الذي شغله لمدة 12 عامًا، كما شغل منصب مستشار لرئيس الوزراء التركي عصمت باشا وزير (عصمت اينونو) في مؤتمر لوزان).
ولعدم وجود وفد كردي مستقل يمثل الكرد في المؤتمر لم تطرح القضية الكردية في لوزان، فقد تجاهلت القوى المتصارعة خاصة بريطانيا وفرنسا مصير الشعب الكردي، والوعد بإنشاء دولة كردية، وقد استُخدِمَ اسم الكرد وكردستان من قبل الجميع للابتزاز والمساومة، والانطلاق منه لتحقيق مصالحهم الخاص، وفي 24 تموز 1923 تم طي صفحة سيفر، ولم يرد ذكر للكرد في بنود المعاهدة الجديدة الـ143 «معاهدة لوزان»، التي تم التوقيع عليها في المدينة السويسرية الهادئة، التي كانت أروقة فنادقها ومكاتبها المغلقة شاهدة على تحطم أماني الشعب كخزف مدينة سيفر. غداة توقيع اتفاقيّة لوزان سنة 1923 سأل الحلفاءُ المنتصرون في الحرب العالميّة الأولى المندوبَ التركيّ - الكرديّ الأصل، عصمت إينونو، عن مصير قومه (الكُرد) إنْ دَعم الحلفاءُ إقامةَ جمهوريّةٍ تركيّةٍ فوق أرض الأناضول.
اتصل الرجلُ بصديقه، رئيسِ البرلمان وقتها، مصطفى كمال أتاتورك، وأخبره بما يجري. فاستدعى أتاتورك النائبَ الكردي حسن خيري، وطلب منه إعلانًا على الملأ أنّ الكرد «جزءٌ من الأمّة التركيّة ويفضّلون البقاءَ ضمنها». فعل خيْري ما طُلب منه، فأرسل أتاتورك كلامَه (مع صورته) عبر التلغراف إلى إينونو، الذي عرض كلامه بدوره على الحلفاء المجتمعين، فوافقوا على إنشاء الدولة التركيّة الحديثة. بعد إعلان الجمهوريّة بأشهر، قُبض على خيري وابن اخيه جلال محمد بحُجّة مخالفة الدستور لأنّه كان يتفاخر بارتداء زيّه الكردي في جلسات البرلمان. ولدى التحقيق توجه رئيس محكمة الاستقلال علي صائب إلى حسن خيري قائلًا: (كنت تحضر جلسات المجلس في أنقرة بالزي الكردي، وبهذا العمل كنت تقوم بالدعاية الكردية)، وخلال المحاكمة أشار حسن خيري بأن مصطفى أتاتورك هو من كان يطلب منه ارتداء اللباس الكردي.
إلا أن ذلك لم يشفع له وحُكم عليه بالإعدام. لكنّ خيري، قبل إعدامه هتف أمام حبل المشنقة (عاش الشعب الكردي، يا ضحايا كردستان الآن ينضم اليكم حسن خيري). وحسب وثائق تاريخيّة أنّ عدد النوّاب الكرد من أعضاء الجمعيّة التأسيسيّة التركيّة ممّن طلبوا بقاءهم ضمن الجمهوريّة الناشئة كان 72 نائبًا يمثّلون مختلف مناطق الوجود الكردي.
تم بعد ذلك عقد مؤتمر بلندن في 26 فبراير/ شباط 1921 بين الحلفاء وتركيا لبحث المشاكل العالقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية، حيث اعتزم الحلفاء إعطاء تنازلات مهمة في هذه القضية، لكن الحكومة التركية أصرّت على أن المسألة داخلية يمكن حلّها داخليًّا، ولا سيما أن الكرد لهم الرغبة في العيش مع إخوانهم الأتراك حسب ما زعمت آنذاك. وألمحت دول الحلفاء إلى أنها تعتزم تقديم تنازلات أمام تركيا وإعادة مناقشة مستقبل كردستان وأرمينيا.
وعندما وجدت بريطانيا أن حكومة أنقرة ثابتة على موقفها ألمحت إلى أنها على الاستعداد لتعديل معاهدة سيفر دون المساس بجوهرها العام. وتخلّت بريطانيا عن الاستقلال والدولة الكردية، وطلبت من الحكومة التركية منح الاستقلال الذاتي للولايات التي يعيش فيها غالبية كردية، وتحديد حدودها بدقة. فرد وزير الخارجية التركية بكر سامي بأن الاستقلال الذاتي لن يمنح للأكراد وحدهم، بل بوجه عام لجميع الولايات، وسيتم تطبيق لا مركزية واسعة. وبعد أن ضمنت بريطانيا سيطرتها على «ولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل)» تحسّنت العلاقات البريطانية – التركية، فأعلن بكر سامي بك وزير الخارجية التركية: «أن ميزوبوتاميا ثمن بخس مقابل الصداقة البريطانية».
تخلّت بريطانيا في هذا المؤتمر عن كردستان لأنقرة عدا جنوب كردستان التي تقع ضمن ولاية الموصل. وعلى هامش المؤتمر وقعت فرنسا مع حكومة أنقرة اتفاقية عسكرية، سياسية، اقتصادية عززت من خلالها مصالحها في تركيا، وقامت بتعديل حدود الانتداب الفرنسي على سوريا 1921.
كما أنها كانت بمثابة تآمر بريطاني ضد الحقوق الكردية التي تخلت عن الكرد مقابل إلحاق ولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل) بالعراق. بذلك قسم الكرد بين أربعة كيانات أنشأت بُعيد الحرب العالمية الأولى ولا زالت القضية الكردية مستمرة إلى الآن. وعندما تأكد للكرد أن حكومة كمال اتاتورك لا تعترف بهذه المعاهدة، وترفض منح الكرد أي حقّ من حقوقهم (حتى الحكم الذاتي) تحرك الزعماء الكرد. وقام خالد بك جبري بالتعاون مع عبد القادر النهري وعبد الرحمن هكاري ويوسف زيا بنشاط واسع والعمل من أجل تطبيق ما جاء في معاهدة سيفر على أرض الواقع. وأرسلت جمعية انبعاث كردستان عدة مذكرات لعصبة الأمم لتنفيذ ما ورد في معاهدة سيفر. وتم ارسال برقية إلى مجلس الأمة التركي للمطالبة بدولة كردية في ولايات: (ديار بكر، العزيز، وان، بتليس) كما ورد في معاهدة سيفر، وإلا سيضطر الكرد إلى انتزاع هذا الحق بقوة السلاح.
لكن حكومة أنقرة راوغت وحاولت الالتفاف على الكرد بالادعاء بأن الحكومة تدرس مطالبهم، وأنها ستتخذ قرارات لصالح الكرد كذلك. وحينما أدرك الكرد أن الأتراك يماطلون ورَدًّا على ذلك اندلعت ثورة كردية العام 1921 (ثورة كوجكيري) شملت مناطق واسعة من كردستان، تم اخمادها بوحشية. وفي مقال للكاتب طه عبد الناصر رمضان نشره في موقع -العربية نت- تحت عنوان «هكذا قتل الأتراك 15 ألف مدني كردي في يوم واحد»، يقول: شهدت السنوات التالية العديد من النزاعات بين السلطات التركية والكرد، حيث رفض هؤلاء سياسة التتريك التي مارسها نظام مصطفى كمال أتاتورك في حقّهم لطمس هويتهم.
وعلى أثر المقاربات التي قام بها مصطفى كمال في إنكاره للحقوق الكردية ومحاولة تصفيتهم بعدما أخذ الضوء الأخضر من القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، قام الكرد بالثورات ضد مصطفى كمال ساعين لنيل حقوقهم في الاستقلال كباقي الشعوب. ففي ديرسم قام الكرد بثورة سُميت (ثورة كوجكيري)، حيث اندلعت أحداث الثورة في العام 1920 في المنطقة ديرسيم، وبينما شنتها قبيلة كوجكيري، خطط لها أعضاء منظمة معروفة باسم «جمعية تعالي كردستان».
فشلت هذه الثورة بالتحديد لعدة أسباب؛ تتمحور أغلبها حول طبيعة الشخصية الديرسمية. في الواقع، ظل كثيرون من زعماء قبائل ديرسيم يدعمون الكماليين - يعتقدون أن مصطفى كمال أتاتورك «الحامي» ضد الموجات الدينية السنية، وكان بعضهم من الكُرد الكُرمانج. حيث اعتبر أغلب الكُرد الكُرمانج أن تلك الانتفاضة عَلَوية محضة، وبالتالي لا تهمهم.
انتشر الحديث حول الجمهورية التركية الجديدة عقب ثورة كوجكيري، وعن مجلس الأمة التركي الكبير، بشكل محدود من «الحكم الذاتي» للكرد في المنطقة الكردية المتمركزة في كردستان. اختفى كل ذلك في معاهدة لوزان. تحول الكرد إلى الصراع المسلح من جديد بدافع الإحباط في العام 1925، بقيادة عالم الدين الشيخ سعيد، ولكنها كانت منظمة كردية قومية جديدة باسم آزادي. احتلت ثورة الشيخ سعيد مكانة رئيسة في تاريخ التمرد الكردي في تركيا، الثورة التي اندلعت في العام 1925 في منطقة كردستان في تركيا، بقيادة الشيخ سعيد.
مهدت العداوات الكمالية والنزعات مفرطة العلمانية للنظام التركي وعمليات طمس الهوية الكردية لمزيد من التمرد الكردي. بدأت ثورة الشيخ سعيد في فبراير/شباط 1925. جاء أغلب المشاركين الكرد من المقاتلين من الزازا، وبلغ عددهم 15 ألف مقاتل كردي في مواجهة 52 ألفًا من قوات الدرك التركية. امتدت الثورة في نطاق مقاطعة ديار بكر ومدينة ماردين. كانت ثورة الشيخ سعيد أول ثورة تندلع على نطاق واسع للعرق الكردي في تركيا. نظّمت الجمعية الكردية المستقلة آزادي هذه الثورة بصورة أساسية. توجهت نية آزادي نحو تحرير الكرد من القمع التركي، وتوفير مناخ من الحرية للكرد، وتطوير الدولة.
وكان لهذه الثورة صدىً كبير في أجزاء كردستان الأخرى وخاصة في سوريا، وكان الاحتلال الفرنسي يتابع ثورة الشيخ سعيد عن كثب، ويتم ارسال البرقيات السّريّة إلى فرنسا مباشرة عن طريق الضباط الفرنسيين المتواجدين في سوريا. وفي بعض الوثائق الفرنسية التي ترجمها الدكتور خالد عيسى ونشرها ضمن كتاب، توضح الوثيقة حالة انتشار ثورة الشيخ سعيد في بعض المدن والسيطرة عليها. ففي إحدى الوثائق والتي تم تقديمها كتقرير من الملحق العسكري الفرنسي في تركيا والمرسل إلى وزارة الحرب الفرنسية في الرابع والعشرين من شهر شباط العام 1925، والمتعلق بالثورة الكردية في شمال كردستان.

قسطنطينوبل في 24 شباط 1925
الرقم: 71/آ.م
من الليوتنان كولونيل كاترو- الملحق العسكري في تركيا
إلى السيد وزير الحرب - هيئة أركان الجيش - المكتب الثاني- باريس
المرسل إليهم:
– هيئة أركان الجيش – المكتب الثاني
- هيئة أركان الجيش – إدارة المخابرات
- هيئة أركان الجيش – فرع أفريقيه
- المفوض السامي في بيروت
السفارة، في قسطنطينوبل
الملحق العسكري في أثينا، أثينا
الأرشيف
حزب الشعب

- قـضـية الكـينج


جرى حدثان اثنان في تركيا، ولا تزال أسبابهما غير معروفة، إنما تدعوان إلى الشبهة في أن حزب السلطة، حزب الشعب، يتعرض إلى أزمة داخلية، وأنه يتوجب عليه من جهة أخرى التصارع مع محاولة ردّ الفعل المناهضة للنظام المشيد من قبله. من جهة، وبدعوة من مصطفى كمال، قطع عصمت باشا استجمام الاستراحة التي كان يقضيه في هالكي، وجاء مستعجلًا إلى أنكورا (أنقره – المترجم)، ومن جهة ثانية، أعلنت الحكومة في 23 من الجاري حالة الطوارئ لمدة شهر في الولايات ذات السكان الكرد، ابتداءً من أورفا وحتى وان، ومن ماردين حتى أرزروم.
لنحاول تفسير هذين الحدثين اللذين لا يبديان مجردين من بعض الصلة بينهما.
ماذا حدث في المنطقة التي تخضع الآن لحالة الطوارئ؟ المعلومات حول الموضوع مجزأة، فعرض الأحداث، كما يظهر في الصحافة منذ حوالي عشرة أيام، يظهر بشكل واضح غير كاملٍ، ولا يبني العلاقة المنطقية بين السبب والنتيجة، بين الطبيعة المحلية للحوادث، التي تسردها (الصحافة- المترجم)، والإجراء العام الذي اتخذته الحكومة.
إذا اعتمدنا على معلومات الصحافة العامة، فيقال إن بؤرة عصيان قد اندلعت في ولاية كينج (قصبة واقعة إلى الشرق من أرغانا وإلى الشمال من ديار بكر). يقال إن شخصية دينية باسم شيخ سعيد استنهض السكان ضد السلطة القائمة، عن طريق التبشير لصالح إعادة تنصيب الخلافة، وتشكيل حكومة قومية كردية.
يقال إنه تم إرسال قوات لخنق الحركة التي تم إعلانها بدون قوة كبيرة ومن دون وسائل، ويتوقع انتظار استسلامها بسرعة. هذه هي الفكرة التي أُعطيت منذ البداية، ويُعاد منذ ذلك الحين إنتاجها كل يوم، ولكن من دون أن تتم القدرة على الإعلان، حتى الآن، بأنه تمت إعادة النظام بشكل نهائي.
وفي وثيقة أخرى ترد عدة فقرات مهمة عن ثورة الشيخ سعيد، (في نشرة المعلومات رقم 45 ذات الطابع السري المحررة في 28 حزيران 1930 من قبل إدارة مخابرات إقليم الفرات التابعة للمفوضية الفرنسية العليا لدى دولة سورية، نذكر منها:
الفقرة 11: تذكر بأن مدير المخابرات، الكولونيل مورتيه، كان قد زار الجزيرة: في 22 حزيران كان في الحسجه وقامشليه، وفي 23 كان في المنطقة الواقعة إلى شرق جقجقن، وفي 24 كان في رأس العين، وفي 25 كان في عين العرب.
الفقرة 12: حسب خبرية واردة إلى جهاز المخابرات في رأس العين في 18 حزيران: وصل إلى أورفه ثلاثة ضباط انكليز، ويقال بأنهم سيتوجهون بعدها إلى سويراك وإلى دياربكر.
الفقرة 13: حسب خبرية واردة إلى جهاز المخابرات في الحسجه وفي رأس العين، في 18 حزيران 1930: «يقال بأن خمس شاحنات أقلّت في نهاية أيار وجهاء الكرد من منطقة وان وبيتليس إلى أنكورا (أنقره- المترجم). يقال بأنه من بين هؤلاء الوجهاء هو علاء الدين الشيخ سعيد، شاب له من العمر حوالي عشرين عامًا، وأنه قد أنهى دراساته في إنكلترا».
الفقرة 15: اجتماع الولاة في ديار بكر- حسب خبرية – من مخبر جيد- واردة إلى جهاز المخابرات في تل أبيض في 10 حزيران 1930 – «يقال بأنه، في 28 أيار، اجتمع في ديار بكر ولاة أورفا وماردين وسويرك مع قائد الجيش السابع».
الفقرة 16: تعليمات جديدة على الحدود- حسب خبرية – من مخبر- راجح - واردة إلى جهاز المخابرات في تل أبيض في 10 حزيران 1930 – «يقال بأن العساكر وعناصر الجمارك التركية العاملون في المخافر الحدودية، قد تلقوا أمرًا جديدًا بإطلاق النار بدون تمييز وبدون إنذار على كل شخص يجتاز الحدود بعد غروب الشمس».
الفقرة 17: الحركة الثورية الكردية- حسب خبرية – من مخبر جيد- واردة إلى جهاز المخابرات في تل أبيض في 10 حزيران 1930 - يقال بان الأتراك قد تكبدوا، حوالي 15 أيار، فشلًا خطيرًا في بيازيد. وبأنه تم احتلال هذه المدينة من قبل كرد المدينة. وكان الكرد بقيادة إحسان نوري باشا. كان لهذه الواقعة أثر عميق في أنقرة.
تم إرسال تدعيمات كثيرة، واُستعيدت المدينة خلال 4 أيام. عقب استعادة المدينة أبيد 200 كرديّ من بيازيد.
حاليًا يتلقى كرد جبل آرارات مساعدات من العراق من أجل تحضير غارة»).
هذه الوثائق الفرنسية والآلاف غيرها المترجمة منها وغير المترجمة، توضح أن الكرد إن كانوا في شمالي كردستان وكذلك في سوريا، لم يتقبلوا فكرة قبول الاحتلال لا التركي ولا الفرنسي ولا حتى البريطاني، ولكن سوء الطالع ومصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى كانت بالضد من تحقيق أمنياتهم في تقرير مصيرهم. وبذلك انتهى التمرد سريعًا في مارس/آذار العام 1925.
شُنق الشيخ سعيد وكل القادة المنظمين للثورة في 29 يونيو/حزيران. وبدأت سلسلة الهجمات على الحاميات التركية في بالو وملاطية بعد سقوط الشيخ عبد الرحمن (شقيق الشيخ سعيد) في العام 1927. استطاع الكرد السيطرة على مدينة جوليك (بينغول). واحتلوا مرتفعات جنوب أرضروم. استخدمت القوات العسكرية التركية غارات جوية ضد الثوّار في ماردين. هاجم الثوّار منطقة دوغو بايزيد.
حاول شقيق الشيخ سعيد الانتقام من الحكومة التركية بالهجوم على العديد من القواعد العسكرية التركية في كردستان. لم يُنجز شيء دائم. انسحب الثوّار بعد التعزيزات العسكرية التركية التي وصلت للمنطقة. فشلت الثورة، وسيطرت حركة إحسان نوري الباشا على مساحة كردية كبيرة في 1929، وانتهت الانتفاضة في العام 1930. وعقب نهاية ثورة الشيخ سعيد بيران، واصلت السلطات التركية أثناء شهر أيلول/سبتمبر 1925 سياسة تتريك الكرد، فسعت لتغيير تنظيمهم الجغرافي أملًا في تجنّب ثورات واضطرابات مستقبلية. وعمدت عن طريق ما سمّته «خطة الإصلاح بالشرق» لتهجير رجال الدين والأرستقراطيين الكرد قسرًا نحو مناطق أخرى من تركيا، ومررت خلال شهر تموز/يوليو 1927 قانونًا آخر وسّع عمليات التهجير التي طالت مزيدًا من شرائح المجتمع الكردي.
وبالخارج، نظّم العديد من المناضلين الكرد المتواجدين بلبنان والعراق وسوريا حركات مقاومة ضد الأتراك وأعلنوا خلال شهر تشرين الثاني/أكتوبر 1927 عن نشأة منظمة خويبون "Xoybûn" التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق الشعب الكردي وتطلعاته وجعلوا من إحسان نوري Ihsan Nuri)) الذي عمل سابقًا بالجيش العثماني، جنرالًا وأرسلوه برفقة نحو 20 من رفاقه لمنطقة أرضروم. وقد أسس هؤلاء صحيفة آغري (Aigrî) وأعلنوا عن نشأة جمهورية أرارات Republic of Ararat) ) الكردية واتخذوا من قرية كوردافا Kurdava)) القريبة من جبل آكري (آرارات) عاصمة مؤقتة لهم، وطالبوا المجتمع الدولي بمساندتهم للحصول على حقوقهم.
بعد جملة من المحاولات لإنهاء الخلاف بين الطرفين، اجتمع الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك، أواخر العام 1929 بوزرائه وعدد من قادة الجيش ليعلن قرارًا نهائيًّا تضمّن عملية عسكرية ضد الكرد بجبل آكري (أرارات) وعدد من النقاط والأهداف الرئيسة، كطردهم من بعض قراهم وإجبارهم على القبول بالتهجير نحو غرب تركيا أو طردهم نحو إيران، وإنشاء نقاط للجيش قرب جبل آكري (أرارات) والمناطق الكردية الحساسة. كما وقع الاختيار على أواخر شهر حزيران/يونيو 1930 لبدء العملية العسكرية وكلّف الفيلق التاسع بمهمة إنجاحها.
خلال شهر آذار/مارس 1930، عيّن الجنرال التركي صالح عمر تاك (Salih Omurtak) قائدًا للفيلق التاسع لتنطلق العمليات العسكرية بعد نحو 3 أشهر بحلول يوم 11 حزيران/يونيو 1930. وفي الأثناء، لقي نداء منظمة خويبون (Xoybûn) ودعوتها لتوحد جميع الكرد في وجه الأتراك ترحيبًا وإقبالًا واسعًا، حيث عَبَرَ المئات من الكرد الحدود الإيرانية التركية (قادمين من إيران) وشَنَّوا حملات على خطوط تلغراف الجيش التركي بين جالديران ودوغو بايزيد كما أغار آخرون على عدد من مراكز الأمن التركية.
مطلع شهر تموز/يوليو 1930، تحدّث الجنرال التركي صالح عمر تاك عن وجود مئات المقاتلين الكرد قرب منطقة باتنوس شمال نهر «وان»، كما أكد تحصّنهم قرب القرى الكردية هنالك. وقد حشد الأتراك الفيلق التاسع ودعموه بنحو 80 طائرة حربية في عمليتهم العسكرية ضد الكرد التي انتهت بالقضاء على جمهورية أرارات. وفي خضم هذه الأحداث، عرفت الحملة على جمهورية أرارات والمسلحين الكرد، مذبحة أسفرت عن سقوط آلاف القتلى. ففي يومي 12 و13 تموز/يوليو 1930، أقدم الجنود الأتراك على إبادة الآلاف من سكان القرى الكردية عند منطقة وادي زيلانZilan) ) بعد اتهامهم بالخيانة والتخابر.
واختلفت المصادر حول عدد القتلى، فنقلت جريدة جمهورياتCumhuriyet) ) التركية في عددها الصادر يوم 16 تموز/يوليو 1930 أن عدد القتلى يقارب 15 ألفًا بوادي زيلان، وأن المنطقة تعجّ بالجثث المتناثرة، بينما تحدّثت مصادر ألمانية خلال الفترة التالية عن تدمير الأتراك لما يقارب 200 قرية كردية وقتلهم لحوالي 4500 من سكانها، كان من ضمنهم عدد كبير من النساء والأطفال والشيوخ. وقد نقل بعض الناجين من هذه المأساة شهادات فظيعة عن المذبحة التي ارتكبتها القوات التركية بوادي زيلان؛ فتحدّثوا عن استخدام الأتراك للرشاشات وحراب البنادق أثناء عمليات إعدام الكرد، وقيامهم ببقر بطون العديد من بطون النساء الحوامل.

- التطورات السياسية في سوريا وموقف الكرد من الاحتلال


بعد أن احتل الفرنسيون سوريا إثر معركة ميسلون في 24 تموز 1920، تم تعيين الجنرال غورو مندوبًا ساميًا عليها. وقد اتبع سياسة «فرق تسد»، وقام بعد دخوله سوريا بفصل لبنان عنها نهائيًا فأصدر في 31 آب 1920 مرسومًا خلق به دولة لبنان الكبير على أن تشمل حدود لبنان القديم مضافًا إليه بعض المدن الرئيسة مثل: طرابلس وبيروت وصيدا وصور وبعلبك ومعها سهل البقاع الخصيب، فاستطاع فصل لبنان عن سوريا نهائيًّا، وتكوين حكومة خاصة بإدارته، ثم قام بعد ذلك بتقسيم سوريا إلى أربع دول منفصلة ذات أربع حكومات متمايزة وهذه الحكومات هي:
1- حكومة اللاذقية وعاصمتها اللاذقية: تشمل المنطقة الساحلية بين حدود لبنان ولواء الاسكندرون.
2- دولة جبل الدروز وعاصمتها السويداء: تشمل المنطقة الجبلية بين دمشق وحدود (شرقي الأردن).
3- دولة سوريا وعاصمتها دمشق تشمل بقية المنطقة الواقعة تحت الانتداب.
4- دولة حلب ضمنها الاسكندرون: وبقي لواء الاسكندرون حتى صيف 1924 جزءًا من دولة حلب فأصدر المندوب السامي مرسومًا فصل به هذا اللواء عن سوريا.
ولا شك أن من أهم أسباب هذا التقسيم خوف فرنسا من استمرار نضوج فكرة القومية العربية والأفكار الأخرى المتمثلة بطموح الشعب السوري بالاستقلال الكامل، فعملت على تحطيم تلك الأفكار وهي في المهد بتغذية النزعات الانفصالية وحصرها في داخل الأقاليم وتكوينها ثلاث دول جديدة تسد أمامها الطريق والمنافذ إلى البحر الأبيض المتوسط هي: دولة لبنان واللاذقية وحلب.
وأخذت فرنسا تدير كل دولة من هذه الدول الثلاث بواسطة حاكم فرنسي مطلق السلطة، وكان تشكيل تلك الحكومات الإقليمية المتناقضة لتكون أدوات تنفذ إرادة فرنسا وخطة لتعميق التفرقة وتحقيق الانفصال.
مهّدت الإجراءات الفرنسية تلك إلى ظهور بوادر الثورة العام 1919 واستمرت حتى العام 1921. كان قائد الثورة إبراهيم هنانو الذي غادر المؤتمر السوري المنعقد في دمشق وقرر بعد المداولة مع بعض القادة المخلصين له، إعلان الثورة على الفرنسيين في المنطقة الغربية من سوريا. واستطاع هنانو أن ينشر الثورة في جهات حلب وضواحيها وأنطاكية وإدلب والمعرة وغيرها، وأن يحقق الانتصارات الساحقة على الفرنسيين في معارك كثيرة. واستطاع أن يتصل بالشيخ صالح العلي الذي أعلن هو أيضًا الثورة على الفرنسيين في اللاذقية وهزمهم شرَّ هزيمة في بعض المواقع وهدّد الوجود الفرنسي في اللاذقية.
وإزاء توسع الثورة وامتدادها على مناطق واسعة تمتد بين حلب - انطاكية – اللاذقية أخذت السلطة الفرنسية بوضع خطط للقضاء عليها، فأرسلت قوات كبيرة تجاوز عددها 30 ألفًا. وبعد تقدم هذه القوات وسيطرتها على بعض المواقع إثر انسحاب الثوّار منها فَرَّ قادة الثورة نحو الشرق، وانتهت الثورة بعد أن تخلّى معظم الثوّار عن الشيخ صالح العلي وإعلان طاعتهم للفرنسيين الذين استطاعوا تعميق التفرقة بين القيادة والثوّار، إضافة إلى عدم استمرار دعم الثورة وامدادها بالمؤن والذخيرة. أما ابراهيم هنانو فاتجه نحو جنوب سوريا لزيارة القدس فألقت السلطات البريطانية القبض عليه وسلمته إلى فرنسا التي أطلقت سراحه، أما نضاله ضد الفرنسيين فلم يهدأ إذ ناضل ضد الانتداب وكان أبرز رجال الكتلة الوطنية في سوريا.
وفي 1925 ظهرت في سوريا في فترة الانتداب الفرنسي، طبقة عسكرية حكمت بقوة الحديد والنار، وانتهج موظفو الدولة المنتدبة أساليب إدارية قاسية في معاملة الشعب لم يألفها من قبل. إضافة إلى ذلك لم تتوقف فرنسا عن اضطهاد العناصر الوطنية والقومية وتشديد الرقابة عليها. وقد فرضت السلطة المحتلة الأحكام العرفية وضيقت على الصحافة العربية، وشجّعت الصحافة المأجورة المتعاونة معها. وفي الوقت نفسه، كان للكرد دور مميز في استصدار بعض الصحف والجرائد في هذه الفترة والتركيز فيها على مطالبهم كشعب، وفضح الاستعمار الفرنسي في سوريا. ومن هذه الصحف كانت:
1- صحيفة أفندي: صدرت في بيروت على يد الكردي نايف تيلو العضو في حزب اللامركزية الإدارية، ساعده في الكتابة نخبة من الكتّاب الكرد أمثال عبد القادر ميرزو وعلي كيكي وحسين رقيا.
2- المقتبس: صدرت في دمشق بإدارة محمد كرد علي لكن الفرنسيين أغلقوها. لذا انتقلت إلى مصر لمساعدة الكرد البدرخانين، لكن لالتزام البدرخانين بقضيتهم الكردية التي أرادوا دعمها في لغتها وأدبها وقضيتها حدث خلاف بينهم وبين محمد كرد علي فأغلقت الصحيفة.
3- جريدة جراب الكردي: العام 1908م صدرت في حيفا، وكانت تكشف وتندد بجرائم الإبادة ضد الشعوب الكرد وخاصة الإيزيديين وكذلك الآرمن. رئيس تحريرها كان متري حلاج وكتّابه من الكرد كان؛ توفيق زانا ونايف تيلو وأحمد ملا. انتقلت الجريدة من حيفا إلى بيروت، ومن ثم إلى حمص وإلى الشام. من الجدير ذكره إن معنى جراب الكردي هو الكيس الكردي أو توركى الكردي وهذا التورك الذي كان يضم أشياء المسافر.
4- جريدة أبو نواس: 1924م صدرت في دمشق برئاسة أحمد ملا وكتّابها الكرد منهم: أحمد حلمي زادة وخالد بكداش الذي كان طالبًا حين ذاك، والكردي عبد الرحمن شهبندر رئيس حزب الشعب السوري.
الجدير ذكره إن العملاء الفرنسيين بقيادة سعيد متاعي الذي كان يعرف بسعيد عكاش وضع كمينًا لأحمد ملا ومعه ثمانية عشر شابًا من تاخا كردان أي ركن الدين وقتلوا الجميع في منطقة معربا خلف جبل قاسيون.
5- صحيفة الفيحاء: بإدارة الكردي قاسم همزاني في الشام 1924 ومن كتّابها: رئيس الحزب القومي الاجتماعي السوري أنطون سعادة وخير الدين زركلي وعبد الرحمن كواكبي وممدوح سليم وانلي.
6- جريدة دمشق المساء: أيضًا برئاسة الكردي قاسم الهمزاني وبمساعدة العربي سعيد تلاوي، لكن لمحاولة تلاوي الانفراد بمواضيع الجريدة وجعلها عربية المضمون ومنع المواضيع الكردية توقفت الجريدة عن الصدور.
7- جريدة الناس: رئيس تحريرها حسني البرازي وصدرت في دمشق. هذا المثقف السياسي الكردي كان يحذّر الكرد وغيرهم من أهداف حلف بغداد، وكان يدعو مع رئيس الجامعة العربية حين ذاك الكردي عزام باشا إلى حلّ القضية الكردية، ومنح الكرد في العراق الحكم الذاتي 1946م، لكن الجريدة توقفت عن الصدور بسبب انشغال برازي بمهام رئاسة الحكومة بعد أن كلّفه بها الرئيس السوري الكردي الأصل أيضًا أديب الشيشكلي.
8- جريدة الشعب: صدرت في دمشق على يد الكردي علي بوزو من حزب الشعب السوري برئاسة الكردي عبد الرحمن شهبندر وكان من كتّابها رئيس الوزراء الكردي شيخ معروف دواليبي الباديناني كذلك الوزير الكردي رشيد كيخيا والسياسي الكردي رشاد برمدا.
من الجدير ذكره بأن هؤلاء والأعضاء الكرد في حزب الشعب السوري تعاركوا بالكراسي العام 1951م في البرلمان السوري مع أعضاء حزب البعث، إثر النقاش حول المسألة الكردية في سوريا لمنحهم الحقّ الرسمي باستخدام اللغة الكردية.
9- مجلة المقتبس: بإدارة مديرة مدرسة البنات السيدة روشن بدرخان، ومن أهم كتّاب هذه المجلة: المثقفة الكردية ناجية وانلي التي حملت اسم ناجية تامر بعد أن تزوجت من الدبلوماسي التونسي وانتقلت إلى تونس لتصبح مديرة التلفزيون الرسمي. وشغلت منصب مديرة المسرح في تونس وكانت تهتم بنشر الفلكلور الكردي هناك.
بعد ذلك احتفظت فرنسا بالوظائف المهمة والكبيرة وعضوية المجالس المحلية للعناصر التي كانت تؤيدها وتتعاون معها. ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى قيام الثورة هو إساءة بعض الموظفين الفرنسيين معاملة شيوخ الجبل ورفض المندوب السامي تغيير هؤلاء الموظفين ومؤازرتهم على مواصلة أسلوبهم في التعامل مع الأهالي الذين أرسلوا الاحتجاجات إلى المندوب السامي الفرنسي على سوء المعاملة التي يلقونها، فاعتقل أربعة منهم على أنهم متآمرون، وقد أعقب ذلك إعلان الثورة في الجبل في شهر تموز وامتدت إلى العاصمة السويداء.
كانت مطالب الثوّار تتلخص في ضرورة احترام القانون، واحترام الحرية الشخصية والسياسية، والتحدث، وحرية الاجتماع، وكانوا على جانب كبير من التنظيم يقودهم قواد من أبناء الأسر الوطنية الكبيرة وبعض الضباط الذين خدموا في الجيش العثماني. أرسلت فرنسا في 21 تموز 1925 أول قوة فرنسية للقضاء على الثورة لكن القوة انهزمت أمام الثوّار وانسحبت إلى السويداء، وقد حوصرت فيها لمدة شهرين وحرّر الثوّار مدينة السويداء، ثم أرسلت فرنسا قوة ثانية في 2 آب 1925 فواجهت كارثة مماثلة خسرت خلالها أكثر من ألف قتيل وبعدها أعلنت الثورة في حمص وحماة وطرابلس، وهددت مدينة بيروت ثم امتدت إلى دمشق.
على أثر توسع الثورة وتحولها لمناطق واسعة وعجز الفرنسيين عن ايقافها، استعملوا أشد أنواع القسوة فضربوا القرى الآمنة بالمدافع الثقيلة، وسمحوا لجنودهم بأن يستبيحوا القرى، وجنّدوا كثيرًا من الأرمن والشركس (الشراكسة)، وسمحوا لهم بأن يقتلوا وينهبوا دون تمييز، وقصفوا الأحياء السكنية مرتين في دمشق دون انذار. ولما رأت فرنسا عزم الثوّار على مواصلة القتال استبدلت الجنرال سراي بالمسيو – دي جوفنيل- لحلّ هذه المشكلة وتخليص فرنسا منها، فأعلن أن فرنسا ترغب في عقد معاهدة تحالف مع سوريا لتحلّ محل الانتداب على غرار ما فعلته بريطانيا مع العراق. وحاول أن يبدأ المفاوضات إلا أنها توقفت نتيجة تعيين مندوب سامي جديد هو السير بونسو وهو أول مندوب سامي غير عسكري، فاستطاع أن يضع نهاية لثورة 1925 بعد أن تحولت في العام 1926 إلى ثورات صغيرة انتهت العام 1927. ويرجع سبب انتهائها إلى وعود فرنسا بتغيير سياستها واعطاء سوريا الاستقلال، إضافة إلى نفاد الذخيرة والعتاد والمؤن للثوّار، واستعمال فرنسا أشد أنواع الارهاب والقسوة.
لم تحقق فرنسا وعدها بعقد معاهدة التحالف مع سوريا لوضع نهاية الانتداب الفرنسي. إذ، كانت تماطل في تحديد وقت للمفاوضات، إضافة إلى ذلك شكّلت حكومة جمهورية ومجلس الوزراء ومجلس نواب، وكان أغلب أعضاء المؤسسات من الموالين لفرنسا ومنفذي خططها، وكأن ثورة 1925 انفجرت لإيصال القادة إلى سدة الحكم وتحقيق مصالح فرنسا وليس من أجل تحرير سوريا واستقلالها ووحدتها.
لهذا، كانت الجماهير بانتظار الظروف المؤاتية لإعلان الثورة على المستعمر الفرنسي. فانتهزت فرصة هجوم الشرطة على مكاتب الحزب الوطني في النصف الأول من كانون الثاني 1936 وأمرت السلطة بإغلاقه وإلقاء القبض على بعض قادته وابعادهم دون محاكمة أو اثبات أية وثيقة تدين هذا الحزب، فجاء رد الفعل سريعًا من قبل الشعب. إذ، بدأ بإغلاق جميع المحلات والحوانيت التجارية، ثم أعلن الحزب اضرابًا عن العمل في جميع سوريا وخرجت الجماهير إلى الشوارع للحكم العميل والاجراءات القمعية، فألقت السلطة القبض على الوطنيين واستعملت أساليب ارهابية في قمعها، لكنها لم تنجح في ذلك فكلما سعت السلطة لاستعمال الشدة ازداد نضال الجماهير وتمسكهم بموقفهم واستمر الاضراب مدة ستة أسابيع كاملة. 

- التواجد الفرنسي في منطقة شمالي سوريا


من جهة أخرى كان للكرد في سوريا دور كبير في مقاومة الاحتلال الفرنسي في المناطق والمدن الشمالية بشكل خاص، ومؤازرتهم للعرب في سوريا بشكل عام. وبعد اتفاقية سايكس-بيكو /1916/ التي تمخض عنها تقسيم الحدود بين الإنكليز في العراق والفرنسيين في سوريا والروس في شمال كردستان، لم يتمكن الفرنسيون من بسط حكمهم المركزي على الجزيرة، بسبب عدم وضوح معالم نتائج تلك الاتفاقية، كذلك اتفاقية جورج كليمنصو وسان ريمو وسيفر من جهة والإدارة المحلية من قبل العشائر المتنفذة فيها خاصة الكردية من جهة أخرى. وفي بدايات 1920 وبتعرض البلاد للاحتلال الفرنسي عاشت الجزيرة فترة من الزمن تفتقر إلى سلطة مركزية، وكان السكان يعيشون بمرارة إزاء وعود الدول الاستعمارية المخالفة للعهود التي اقتطعوها لهم لذلك كانت قلوبهم مع الثورات الوطنية التي عمت سوريا ضد الفرنسيين، كذلك إخوتهم في العراق ضد الإنكليز، بالإضافة لتحسبهم وخوفهم من السياسة القومية التي استخدمها الأتراك ضد الشعوب في المنطقة بعد أن لملموا جروحهم بعد اتفاقية سيفر 1920. كذلك شعور المكونات المفعم بالحرية بعد تحررهم من الاحتلال العثماني الطويل.
كتب حول هذا الأمر المؤرخ برادوست ميتاني في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي؛ أن: (تلك المشاعر خلقت لديهم روحًا قوية في الدفاع عن الأراضي عندما بدأ النفوذ الفرنسي يتغلغل رويدًا رويدًا إلى منطقة الجزيرة بإنشاء مخفر لهم في بياندور في 3 أيار 1922 (بين ترباسبي وقامشلو)، كذلك مركز إداري وعسكري ومخفر في عين ديوار (شرقي ديريك). حيث وبعد أن أسس الفرنسيون في قرية بياندور مخفرًا لإدارة المنطقة، وجعلوا الجنرال روغان مسؤولًا عن إدارته دون مراعاة رضى الأهالي الذين تطلعوا إليه كاحتلال، بالرغم من بعض أساليب التقرب من قبل روغان واستخدام سياسة مرنة معهم لتحقيق أهدافه الاستعمارية، فكان يعمل على الاتصال مع كبار رجال القرية وحولها لإيجاد علاقات معهم).
ولا يخفى على أحد أن الفرنسيين كانوا يثيرون الفتن بين المسلمين والمسيحيين وخاصة بين الكرد والأخوة السريان، وقد تقربوا من المسيحيين بشكل ظاهر، وحاولوا صنع كيان خاص لهم ومميز عن بقية المكونات.
يقول في ذلك الأديب الكردي سيداي جيكرخون إن الفرنسيين كانوا يعملون على تشكيل كيان سياسي للمسيحيين باسم سريانستان. وقد تمادى بعض المغرر بهم من المسيحيين في منطقة ترباسبي إلى إثارة الجنرال روغان على الشخصيات الكردية فيرفعون له شكاوى مثلما فعلوا مع كبير عشيرة دوركا عباس محمد عباس.
استدعى عباس محمد عباس شيخ عشيرة دوركا من «دوگر»، وطلب منه التعامل معهم، وبالطبع بما يخدم السياسة الفرنسية في بسط نفوذها على المنطقة، لكنه رفض ذلك. وبناء على شكوى من أحد المسيحيين اعتقله روغان في مفرزة بياندور ووضعه في السجن وأمر بإعدامه دون أن يتراجع عباس عن موقفه الوطني الكبير، وقد هشّموا جمجمته بالضرب وهو في الأرض حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ثم لفوه بعباءة وسلموه لأهله، وتم دفنه من قبل الأهالي في موقف جنازة تليق به.
في اليوم الثاني من اعتقال عباس محمد عباس اعتقل الفرنسيون عمه الحاج سليمان عباس ورموه في السجن في معمعان تلك الأوضاع قام السيد عمر أوسي وهو من كبار عشيرة حاجي سليمانا بزيارة روغان، وقد سمع صوت يلقي الشعر على عباس محمد عباس، فذهب إلى الغرفة التي يصدر منها الصوت، فإذا بالحاج سليمان في السجن. عاد إلى روغان يطلب إطلاق سراحه. فبعد مفاوضات طلب روغان فدية 200 ليرة ذهبية و12 حصانًا و4 ثيران وكمية من بندقيات من نوع برنو.
عاد السيد عمر أوسي وذهب إلى رئيس عشيرة الجوالة الشيخ سلومي حميد يذكره بالوضع وكذلك بالفدية. نذكر هنا بأن العلاقات بين عشيرة دوركا وعشيرة جوالة كانت جيدة وتعود إلى اتفاق السلم بينهما منذ العام 1650م عندما تصالحت العشيرتان بعد قتال وفق اتفاقية سلم وصداقة. جمع الشيخ سلومي حميد الفدية وتم إطلاق سراح حاجي سليمان عباس. بعد ذلك ذهب السيد حاجي سليمان إلى سرخت صوب أهله في منطقة كري ميران وجمع منهم خيرة المحاربين وجاء بهم إلى بنخت أي منطقة دوكري استعدادًا لإعلان الثورة.
الجدير بالذكر أن روغان قد اشتهر ببطشه فالأمثلة على ذلك كثيرة منها: أنه ألقى القبض على بعض رجال قرية بياندور ومنهم يوسف حسو مختار القرية وأحمد يوسف مختار السيحة وسلومي بن حميد شيخ الجوالة والشيخ عبد الرزاق نايف الطائي، وعبد الرزاق الحسو، وذلك لمعرفة قاتل القائمقام في مفرزة بياندور، فحفر حفرًا عديدة وزرعهم فيها حتى العنق، ومنه من ضرب حتى الموت منهم: عبدو أحمي وخلف يادي وحسن مادو وخليل أحمي وعباس محمد عباس الآنف الذكر. وتمت ملاحقة حسين محمد طحلو لكنه تمكن من التواري عن الأنظار. وفي سياق هذه السياسة غادر روغان بياندور إلى منطقة آليان وديريك وبرفقته الملازمان روبرتو وكاريز لتهدئة الأهالي الرافضة للوجود الفرنسي، فبنى له معسكرًا في قرية «زخيرة» أو «دمرقاپو» (باب الحديد) ومطارًا لطائرته وثكنة مدفعية.
خلال غياب روغان ذاك عن بياندور، شنّ السيد حاجو آغا زعيم اتحاد عشائر هفيركان من ترباسبي، هجومًا على القاعدة الفرنسية في بياندور ومعه عدد من الوطنين الغيورين وحاصروها ثلاثة أيام، واستولوا على عدد من الغنائم، وقبل ذلك كان حاجو آغا قد أرسل أربعة رجال يزيدين إلى القرية للتخلص من القائمقام عندما كان موجودًا في القاعدة، فهاجموها ليلًا وأطلقوا عليه النار وأصابوه بجروح بليغة، ثم نقل إلى مشفى دير الزور ولكنه توفي هناك. وبهذه الأعمال لاحق الفرنسيون حاجو آغا ورجاله لذلك فرَّ إلى الأراضي التركية ضمن الجبال ليعود بعد ذلك العام 1926م فيجبره الفرنسيون على الإقامة في مدينة الحسكة.
كانت انتقامات الفرنسيين فظيعة من الأهالي العزل. وبالرغم من ذلك اتفق أهالي المنطقة جميعًا على الهجوم كيد واحدة على المقر فأحرقوه وأخذوا أسلحته، حينذاك كان روغان قد وصل جزيرة «بوتان» وخاصة «عين ديوار» و«ديريك»، وقد خطط الوطنيون ملاقاته أثناء عودته، وحدث ذلك في واقعة وطنية كبيرة هي موقعة دياري مالا عبيس أي «گري توبي» عند ترباسبي. حيث انتظر الأهالي مستعدين لملاقاته عند قدومه من رحلته الأنفة الذكر، فقام رئيس عشيرة أباسا المرحوم حجي شيخى رشيدى أحمد آغا بأسر قافلة روغان القادمة من عين ديوار في قرية كرز يارتى أباسا حتى قبيل الفجر بسبب اعتقال بعض الشباب الكرد في ديرك، ولم يفكّ الحصار حتى الاتفاق على إطلاق سراحهم.
كذلك اصطدم الأهالي معه عند قرية ذخيرة حيث مطاره العسكري «زخيرة». لكنه تمكن من الإفلات من أيديهم، كذلك عند قرية شبك، وقد نفذ الأهالي ومنهم أبناء عشيرة عسفاتا بقيادة كبيرهم المرحوم عفدي مرعي، خطة للتمويه على بدء الثورة وهي دق الطبول وإطلاق الأهازيج كاستقبال مرحب بروغان، لكن تفاجأ روغان بحشود الأهالي وأدرك الانتفاضة في وجهه، وكانت المعركة الكبرى التي وقعت بالقرب من «ترباسبي» عند «دياري مالا عبيس أي گري توبي التي سميت بهذا الاسم بعد المعركة بسبب وضع روغان مدفع (توب) على هذا المرتفع» فكانت هذه المعركة هي الفاصلة.
طوق الثوّار روغان وعسكره من كل النواحي ومنعوه من التواصل مع مياه نهر جراحي، والاستفادة منها بحيث صار الثوّار بينه وبين النهر، وعندما اشتدت رحى المعركة توقفت مدفعية روغان عن العمل. فكان الشعب يدًا واحدة والتاريخ ينصف ذلك إذ كان الكردي يقاتل إلى جانب العربي معًا وبروح وطنية، وبعد مناوشات عديدة تمكنوا من تحقيق النصر وخاصة بعد انضمام الجنود الكرد المرافقين لروغان إلى الثوّار، مما أفقدوه توازنه وقوته وعدم قدرته على المقاومة.
استمرت المعركة حتى قبيل الفجر وبذلك نجح الوطنيون من قتله، وظلت جثته في أرض المعركة، ثم نقلت بعد ذلك وهي مقطوعة الرأس بطائرة هليكوبتر إلى دير الزور. وكان شرف مقتله قد تحقق في معمعان القتال، لذا صعب حتى هذه الساعة معرفة القاتل. ومن نتائج المعركة: مقتل من الفرنسيين 80 عسكريًّا بالإضافة إلى الضباط روبرتو وكاريز كذلك الجنرال روغان وبلغ عدد القرويين قرابة 15 قتيلًا وعددًا من الجرحى من عشائر الكرد والجوالة العرب وأكثرهم من الفلاحين وبينهم آل عباس وآل قرو. وكانت نتيجة هذه المعارك البطولية القضاء على الفرنسيين في بياندور، هي اضطرارهم إلى الانتقال إلى قامشلو).
كذلك كانت هناك مقاومة أهل عامودا المشرّف ضد الاحتلال الفرنسي والدور الوطني لعشيرة الدقورية السيد سعيد آغا الدقوري. اهتم الفرنسيون بعامودا كونها متاخمة للحدود التركية ولها دور اقتصادي كبير خاصة الزارعة ولكثافتها السكانية، فعمل الفرنسيون على بناء مخفر للشرطة واتفقوا مع الأهالي على أن تكون عناصره محليين. لكن الفرنسيين لم يلتزموا بتعهداتهم فأنشأوا ثكنة عسكرية صغيرة في المدينة من الجنود الفرنسيين «الكارد موبيل» (الحرس الجوّال)، وقاموا بتصرفات منافية للعادات والتقاليد الاجتماعية للمدينة، وراحوا يوجهون الشتائم للأهالي الذين ضاقوا بهم ذرعًا، فهاجموا الثكنة بالحجارة والعصي وبعض البنادق القديمة، حتى تمكنوا من طرد عناصرها الذين انسحبوا إلى مدينة قامشلو ولكن كخطة مموهة لتهدئة الأحوال والانتقام.
في العام 1926 شكلت القيادات الفرنسية جيشًا من بعض العشائر المجاورة بقيادة مشعل الفارس الشمري تقدمهم قرابة 300 حرس فرنسي «هاجانا»، لكنهم فوجئوا بمقاومة عنيفة بقيادة المجاهد سعيد آغا الدقوري زعيم عشائر «الدقورية» الذي كان على اتصال دائم وتنسيق مستمر مع أعضاء الكتلة الوطنية في دمشق، أمثال المجاهد شكري قوتلي وجميل مردم وسعد الله جابري وفخري البارودي والبطل إبراهيم هنانو. وبالتنسيق مع العشائر والوطنيين في عامودا وما حولها أمثال عشائر الكيكية الكردية بقيادة المجاهد عيسى رستم المعروف باسم عيسى القطنة، وعشائر الملّلية بقيادة المجاهد حسين أسعد، وكان اتصال المناضل سعيد آغا الدقوري قويًا مع الحركة الوطنية. لذا قام بزيارات إلى دمشق بالرغم من صعوبة السفر حينذاك بسبب بعد المسافة وقلة الوسائط وكثرة عيون الفرنسيين (الجواسيس والعملاء). حيث كان يتلقى الدعم والمشورة من الوطنيين في دمشق، ويتوج ذلك بالتفاف الأهالي حوله بفضل الروح الوطنية القوية لدى الجميع. فتمكنوا من مجابهة الجيش الفرنسي الزاحف من قامشلو والذي كان قد وصل إلى مشارف عامودا. وفي مكان بين قرى «تل حبش» و«چولي» و«ذو الفقار»، دارت رحى معركة حامية قبيل الفجر، حقق فيها المناضلون نصرًا ساحقًا وذلك بإلحاق الهزيمة بالدخلاء، بعد أن قدموا 12 شهيدًا من عشيرة «الدقورية» و12 من أهالي عامودا بينهم عبدي حاج يونس وعلي حاج قاسم وشيخموس سعد وشيخو محمد الهتو وسليمان العيشو ورمي حسو محمد. ولما كان المناضل سعيد الدقوري يدرك غاية فرنسا بالتفرقة بين السكان من كرد وعرب وسريان وغيرهم للقضاء على الوحدة الوطنية في البلاد، عقد صلات قوية مع أخوته العرب الذين لبّوا دعوته، فكان العربي يستشهد إلى جانب الكردي في ثورة عامودا ضد المحتلين.
أثناء القتال أراد قائد الثورة السيد سعيد آغا الدقوري إبعاد أذى الفرنسيين عن الأهالي لذا نقل مركز العمليات إلى خارج المدينة حيث تل عامودا الواقع 3 كم شمالها، وبعد مواصلة الدفاع بصورة حثيثة لم يتمكن الثوّار من مجابهة الآلة العسكرية الفرنسية المدعومة بأقوى العتاد، انتقل المناضل سعيد الدقوري مع أقربائه إلى تركيا العام 1927، فمكثوا فيها لأربع سنوات وكان خلالها يقود معركة استنزاف مع الفرنسيين على الطرف الآخر من الحدود. فخلق لفرنسا توترًا شديدًا لذا طلبت من تركيا إبعاد المجاهد الدقوري، فلبت تركيا ذلك فأبعدته لمسافة 100 كم إلى آمد (ديار بكر) على نهر دجلة. وبالرغم من ذلك ظل تأثيره على أبناء عامودا قويًا مما أدى إلى اضطرار فرنسا للتفاوض معه، فأرسلت إليه مندوبين عنها للتفاوض وإقناعه بالعودة مقابل إعادة جميع سلطاته السابقة إليه في المدينة. فأصدرت فرنسا عفوًا عنه وعن أخوته وأقاربه. فعاد في العام 1931 إلى مدينته وكانت غاية فرنسا في ذلك إقناعه بفصل الجزيرة السورية عن الوطن الأم بتشكيل شبه دويلة. وبالتعاون مع حلفائها (بعض المسيحيين) ولتحقيق هذه الغاية كانت تركيا ترسل المسيحيين من أراضيها إلى الجزيرة السورية تلبية لطلب فرنسا، وتحقيقًا لهدفها أرسلت فرنسا ضابطين فرنسيين إلى منزل المجاهد الدقوري لإقناعه بإنشاء دويلة، لكنه رفض قائلًا: «إنني رجل سوري ووطني هو سوريا»، فكان رد الضابطين هو أن «سعيد رجل شقي وسوف يرى في الأيام المقبلة ما لا يرضيه». وكان المجاهد سعيد يعزز موقفه الوطني ضد المخططات الفرنسية بتجزئة سوريا بزيارته في العام 1936 إلى دمشق ليكون على صلة دائمة مع الكتلة الوطنية. وسافر للغاية نفسها مرة أخرى في العام 1937 برفقة الحاج شيخموس يونس حسو وسليمان حاج سعدون لشراء سيارة جديدة من نوع فورد موديل العام 1937، وأثناء عودتهم أخذوا قسطًا من الراحة في دير الزور، إلا أن الأهالي في المدينة أعلموهم نبأ غليان عامودا ضد الفرنسيين والتي أدت إلى قيام ثورة عارمة تعرف في التاريخ لدى الشعب الكردي باسم «طوشا عامودي» العام 1937.
أشعل شرارة الفتنة التي تحولت إلى ثورة، شخص مسيحي اسمه «ملكو ايلو صباغ» بالاتفاق مع الاحتلال الفرنسي بإثارة فتنة دنيئة، وهي أنه اتفق مع بعض المسيحيين على أن يذهب إلى حارات الكرد وعندئذ يطلقون النار، ليشاع الخبر بأن المسلمين قتلوا المسيحيين. وهكذا سينفجر الوضع وتتدخل فرنسا لمعاقبة المدينة وضرب الكرد، وبالتالي القبض على زعيم الثورة. علمًا أنه وأصدقاءه لم يكونوا في المدينة إذ كانوا في طريقهم قادمين من دير الزور بعد العودة من دمشق. لذا، عندما سمعوا بالفتنة غيّروا وجهتهم إلى طريق صحراوي نحو الخابور من خلال معبر الدبس بمساندة بعض الأخوة من العشائر العربية، ثم الوصول إلى قرية الجوهرية (4 كم غرب عامودا) ثم التسلل إلى المدينة وقيادة الثورة التي انطلقت شرارتها في 28/7/1937 بعد الفتنة القذرة. وشملت المعارك شوارع المدينة بين الحي المدعوم بالقوات الفرنسية وعملائها والحي الوطني، باستخدام مختلف أساليب القتال كالقنص وقتال الشوارع والسلاح الأبيض. وتمكن الثوّار من تحرير المدينة. ويقال إنه تم قتل «ملكو ايلو صباغ»، وذلك عند قرية حمدون قرب الحدود التركية. وفي اليوم التالي استخدم الفرنسيون طيرانًا مكثفًا ضد المدينة وما حولها من قرى الدقورية مثل تل حبش وتل خنزير، حيث بلغ عدد القتلى 32 شهيدًا وكذلك قرية «قره قوب» واستشهد مختارها المناضل محمود هدو، وقرية ديكتية. فكانت الخسائر كبيرة إذ استشهد أكثر من 150 شخصًا من المدن المجاورة لمدينة عامودا. لكن الأخيرة كانت الأكثر ضررًا. إذ، تم تدمير المباني حتى أصبحت أنقاضًا. فأخليت من ذويها حتى قائد الثورة مع أفراد أسرته وأقربائه فروا إلى تركيا. لكنه بفطنته السياسية أدرك بأن الأتراك سيسلمونه إلى الفرنسيين مقابل تسليم الفرنسيين المجاهد الكردي محمد جميل باشا للأتراك. لذلك غيّر رأيه فأختار الملك غازي في العراق للالتجاء إليه مع أهله بسيارتين في 5/8/1937م. قضى في العراق مدة خمس سنوات عانى فيها من السجن والفقر والعوز والهوان ليعود إلى وطنه العام 1942م، بعد توسط العشائر الدقورية في كل من الجزيرة وحارة الأكراد في دمشق ومن معهم من آل شمدين في الكيكية وحي الاكراد (ركن الدين حاليًا)، لدى حكومة فرنسا الحرة الحليفة للإنكليز بعد طرد حكومة فيشي الفرنسية الحليفة للألمان من سوريا. وبعد ذلك مارس البطل سعيد آغا نضالًا سياسيًّا إذ كان من ممثلي أهل الجزيرة في البرلمان السوري العام 1943، وشاهد الاستقلال 1946، لكن بعد إحصاء 1962م جرد من أملاكه. وفي ظل الأنظمة السورية وبدلًا من أن يكافئ وتعلق على أكتافه الأوسمة الوطنية، قضى بقية حياته مواطنًا عاديًا مغبونًا في قرية صغيرة قرب الحسكة حتى مماته.
لم يقتصر الكرد في سوريا على مقاومة الفرنسيين في الجزيرة فحسب، بل امتدت مقاومتهم إلى المناطق كافة من الشرق حتى الغرب وخاصة منطقة عفرين (كرداغ)، وهنا أيضًا رفع الكرد لواء المقاومة، ولم يتركوا الراحة للفرنسيين في هذه المنطقة أيضًا. ففي تشرين الثاني العام 1919، حينما تسلمَت القوات الفرنسية ولاية حلب من الإنكليز، ودخلت منطقة جبل الأكراد وكلس من جهتين، الأولى: من جهة محطة القطار (ميدان أكبس)، والثانية: من قرية الحمام إلى جنديرس، وصولًا إلى محطة قطار قطمه، فاتخذت من المحطة مركزًا رئيسًا لقواتها.
لاقت هذه القوات الفرنسية أول مقاومة لها في منطقة عفرين، حيث أطلق المجاهد: محو بن إيبو شاشو الرصاصة الأولى في وجه المستعمرين الفرنسيين في سوريا (كما جاء في كتاب تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي، أدهم آل جندي). وتشكلت القوات الشعبية وكان من مؤسسيها، كلٌ من: عبدو خوجه، ومحو إيبو شاشو، وحج حنان شيخ إسماعيل، وسيدو ديكو، وأحمد روتو. وبدأت تلك القوات بمحاربة الفرنسيين، خلال العديد من العمليات الناجحة ضدهم في جبل الأكراد. فقد أقدم (سقيب) أحد زعماء مع فرقته بمهاجمة القوات الفرنسية في محطة قرط قلاق للقطار (شمالي مدينة عفرين).
ثم دارت اشتباكات عديدة بين محو إيبو شاشو والقوات الفرنسية، وكان أعنفها تلك التي وقعت قرب بلدة قرق خان في لواء اسكندرون، حينما هاجم محو ورفاقه قافلة للقوات الفرنسية. كما هاجم محو والمجاهد أحمد حاجي ته ك بيقلي وبكر آغا من قرية سنارة ورفاقهم الحامية الفرنسية في قرية الحمام، التابعة لجنديرس حاليًا، فدمروا الحامية، وأوقعوا فيها خسائر كبيرة. وقد شكل زعماء مناطق: بيان، وشيخان، وآمكا، وهم: سيدو آغا ديكو، وحج حنان شيخ إسماعيل، وأحمد روتو وأصلان آغا، قوة كبيرة بلغت مئات المقاتلين، خاضوا بها معارك عديدة ضد القوات الفرنسية. ومن أهمها، تلك التي وقعت في وادي النشاب، حينما قطع المقاتلون (بقيادة سيدو آغا ديكو) خط الحديد المار به، فأدى ذلك إلى تدهور قطار للقوات الفرنسية، فقتل العديد من جنود وضباط تلك القوة، وأسر آخرون.
في موقعة حَسَاري كَمَنَ حج حنان وسيدو آغا ديكو ورجالهم لقوة فرنسية كانت متوجهة إلى ميدان أكبس، فأسروا قائدها، واستولوا على عتادها، وقتل الكثير من أفرادها. وعلى الرغم من توقف أعمال المقاومة في أكثر مناطق بلاد الشام، إلا أن أحمد روتو، ورفيقه أصلان آغا، رفضا إلقاء السلاح، وظلا يقاومان في الجبل، فأعدّ الفرنسيون (في أواخر العام 1923) قوات كبيرة للقضاء عليهما، وقصفت قرية أحمد روتو بالمدفعية من محطة قرط قلاق للقطار، وأحرقت داره وأملاكه، ثم اعتقلته، وألقت به في سجن حلب. لكنه استطاع الفرار من السجن.
أما أصلان آغا فقد بقي يقاتل إلى العام 1923، ثم أصبح مطلوبًا وملاحقًا من الفرنسيين وكان معقله في جبل هاوار. واستمرت المقاومة المدنية من قبل الأهالي ومن بعض آغوات وزعماء المنطقة ضد الانتداب الفرنسي إلى حين ظهور الحركة المسلحة لجماعة المريدين ضد الفرنسيين بقيادة الشيخ إبراهيم خليل سووق أوغلو.
تأسست هذه الحركة المريدية في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين على يد شيخ للطريقة النقشبندية يدعى إبراهيم خليل ولقب بشيخ أفندي، واتسع نفوذها في المنطقة وتبعها آلاف المريدين، وشكلت قوة مقاتلة بلغت مئات المسلحين، وراحت في البداية تحارب بعض أعوان الفرنسيين في المنطقة. ثم بدأت الاشتباكات المباشرة مع القوات الفرنسية ورجال الدرك التابعين لهم منذ بداية العام 1936، ووقعت في صفوف الطرفين خسائر كبيرة.
واستمرت الأعمال المسلحة للمريدين إلى 1939، في معظم المناطق الجبلية في قضاء كرداغ.
على أثر ذلك، أرسل الفرنسيون قوات كبيرة مدعومة بالطيران إلى الجبل، فشتّتت قوات المريدين، مما اضطروا إلى الانسحاب مع عائلاتهم إلى داخل الحدود التركية، إلى أن صدر العفو عنهم، فعاد أكثرهم إلى قراهم.
في كتاب للدكتور محمد علي الصويركي تحت عنوان «مساهمة أكراد سورية في مقارعة الاستعمار الفرنسي وصناعة استقلال سورية الحديثة»، يوضح فيه الكثير من المعلومات المغيّبة عن المجتمع السوري بكل مكوناته. حيث يذكر في الكتاب عن دور الكرد في كافة جغرافية سوريا، كيف أنهم تكاتفوا مع أخوتهم العرب في مقاومة الفرنسيين. حيث يقول الصويركي:

* يوسف العظمة

(كان يوسف العظمة من كبار الشهداء والمناضلين في سبيل استقلال سورية الحديثة. وهو من مواليد دمشق العام 1884م، خدم ضابطًا في الجيش العثماني، وعين رئيسًا لأركان حرب الفرقة العثمانية في بلغاريا والنمساوية وفي رومانيا. ثم رئيسًا لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في قفقاسيا، فرئيسًا لأركان حرب الجيش الأول بالأستانة. استمر في عمله إلى أن تلقى الملك فيصل إنذار غورو الفرنسي بوجوب تسريح الجيش، وبينما كان الجيش المرابط على الحدود منفضًّا كان الجيش الفرنسي يتقدم بأمر الجنرال غورو، فعاد الملك فيصل يستنجد بالوطنيين السوريين لتأليف جيش أهلي يقوم في الدفاع عن البلاد، وتسارع شباب دمشق وشيوخها إلى ساحة القتال ومعهم بعض الجنود ويتقدمهم البطل يوسف العظمة، وعندما سئل هل تستطيع إيقاف الزحف الفرنسي؟ أجاب: لن أدع التاريخ يسجل أنهم دخلوا سوريا بدون مقاومة! وكان قد جعل على رأس وادي القرن في طريق المهاجمين ألغامًا خفية، فلما بلغ ميسلون ورأى العدو مقبلًا أمر بإطلاقها. فلم تنفجر، فأسرع إليها يبحث، فإذا بأسلاكها قد قطعت، فعلم أن القضاء قد نفذ، فلم يسعه إلا أن ارتقى ذروة ينظر منها إلى دبابات الفرنسيين زاحفة نحوه، وجماهير الوطنيين من أبناء البلاد بين قتيل وشريد، فعمد إلى بندقيته، فلم يزل يطلق نيرانها على العدو، حتى أصابته قنبلة، تلقاها بصدر رحب، وكأنه ينتظرها... ودفن في المكان الذي استشهد فيه، وكان ذلك يوم 24 تموز 1920.

* إبراهيم هنانو

لا يوجد شخص في سوريا أو في العالم العربي لم يسمع به، أنه كبير المجاهدين في الثورة السورية، والزعيم الوطني الكبير الذي تصدّى للاستعمار وقاومه في مطلع القرن العشرين، ويأتي في طليعة الأبطال الكرد الذي تفخر بهم سوريا اليوم. ولد في بلدة «كفر حارم» الواقعة غربي حلب العام 1869م، وهو ينحدر من عائلة هنانو العريقة، ذات الزعامة والوجاهة التي تنتمي إلى عشيرة البرازي الكردية المعروفة. تقلد وظائف إدارية في العهد العثماني؛ ثم عاد إلى بلاده سنة 1908م، وانتخب عضوًا في «المجلس العمومي» بحلب.
عندما دخل جيش الأمير فيصل بن الحسين مدينة حلب فاتحًا (1918) عاد إليها، وانتخب عضوًا في المؤتمر السوري بدمشق 1919-1920، وعضوا في جمعية العربية الفتاة السّرية. وخاض سبعًا وعشرين معركة لم يصب فيها بهزيمة، واستمر عامًا كاملًا ينفق مما يجبيه في الجهات التي انبسط فيها سلطانه. تحوّل إلى الميدان السياسي، يحارب الدولة الفرنسية المنتدبة، فاجتمعت على زعامته سورية كلها. وقادها فأحسن قيادتها. وكان منهاجه: «لا اعترف بدولة فرنسا المنتدبة، ولا تعاون معها»، ولما دعيت البلاد العام 1928 لانتخاب الجمعية التأسيسية ووضع الدستور السوري، انتخب إبراهيم هنانو عن حلب، واختير رئيسًا للجنة الدستور في الجمعية التأسيسية، فأتم وضع دستور العام 1930. قال المؤرخ اللبناني يوسف إبراهيم يزبك: أن الزعيم السوفيتي لينين كتب أربع رسائل بخطه سنة 1919 إلى إبراهيم هنانو يدعوه فيها إلى التعاون مع حركات التحرر الوطنية في المنطقة والاعتماد على مساعدة الاتحاد السوفييتي في الصراع العادل ضد الاستعمار.

* أحمد بارافي

من مواليد حي الأكراد بدمشق العام 1898م، تخرج في مدرسة عنبر، والتحق بقوات الدرك، وقد تربّى في جوّ وطني مفعم بالثورية والجهادية حيث كانت سببًا مباشرًا لحماسه وانخراطه في مقاومة المستعمر الفرنسي في سوريا ولبنان بكل قوة. وعندما كانت تصدر السلطات الفرنسية في دمشق العفو على جميع الثوّار كان يستثنى منه. بعد أن نجحت قوات الثورة العربية التي كان يقودها الأمير فيصل بن الحسين في طرد العثمانيين من دمشق، سارع الدركي أحمد بارافي في الصعود إلى سطح سراي دار الحكومة في دمشق، وأنزل العلم التركي، ورفع مكانه العلم العربي، وعندما تشكّلت الحكومة الوطنية عيّن بارافي رئيسًا لمخفر الدرك في قطنا.

* أحمد الملا

هذه قصة المجاهد الوطني أحمد بن محمد بن أحمد يوسف الملا، أحد كبار المجاهدين في الثورة السورية الكبرى 1926، وأحد شهدائها، فهو من مواليد حي الأكراد بدمشق سنة 1879م، خدم ضابطًا بالجيش العثماني في «غلطة سراي». وقد دفعته وطنيته مع الكثيرين من أحرار سوريا للمقاومة والثورة على المحتلين الفرنسيين في موقعة ميسلون 1920، ثم تصدّى لهم بالقلم في جريدته «أبو نواس» لتكون منبرًا حرًّا في النضال والمقاومة للمفكرين الأحرار، حتى أثار حفيظة الفرنسيين عليه، فأوقفوا جريدته عن الصدور، ولاحقوه في كل مكان. ولما نشبت الثورة السورية العام 1925، ألف مجموعة من أبناء حي الأكراد والصالحية وانضوى تحت لوائه زمرة من البواسل يحمي بهم الثغور والمشارف الشمالية من غوطة دمشق، وليكون على صلة مع القيادات الثورية في المحافظات السورية، وكان هو ومعه علي آغا زلفو يتزعمان الفريق الوطني، وقد دفع بالسلطة الفرنسية الحاكمة إلى أن تبثّ عيونها وعملاءها في كل مرصد، وتعمل على القضاء عليه وعلى رجاله، حتى إذا ما انتهى من مهمته في تفجير الخط الحديدي بين دمشق ورياق، تم اغتياله غيلة وغدرًا مع 12 من رفاقه).

- الكرد في شمالي العراق


أما أوضاع الكرد في جبهة شمالي العراق والمدن الكردية هناك التي كانت تعاني من الاحتلال البريطاني منذ الحرب العالمية الأولى، فلم تكن أفضل من باقي المناطق. حيث المعارك لم تتوقف على أراضيهم وخاصة بين البريطانيين والعثمانيين ورغبة كل طرف فرض احتلاله على هذا الجزء، لما يُمثّله من مكانة جيوسياسية واقتصادية ولغِناه بالبترول. لذا نشبت فيه الثورات أيضًا ضد الاحتلالين البريطاني والعثماني في الوقت نفسه، لكن سوء طالعهم أيضًا أدى دورًا معاكسًا لتطلعاتهم في بناء دولة كردستان من جهة، كذلك تنصل البريطانيين من وعودهم التي قطعوها للكرد من جهة أخرى.
بعد سقوط الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، أصبح العراق تحت الانتداب أو الاحتلال البريطاني، ولكون خريطة العراق الحالية كانت لا تزال في طور التكوين، حاولت تركيا استمالة الشيخ محمود الحفيد (1881 - 1956)، إلى جانبها رغبةً منها في إلحاق ولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل) السابقة إلى الجمهورية التركية الحديثة، وكان التركيز على محمود الحفيد سببه المكانة الدينية المرموقة لأسرة الحفيد في صفوف الكرد. إلا أن الحفيد كانت له تطلعات قومية، فاتصل بالإنكليز ووعدهم بالسيطرة على الحامية التركية التي كانت لا تزال باقية في السليمانية، لقاء منحه امتيازات في إدارة شؤون المدينة، وتشكيل حكومة كردية برئاسته على أن تكون تحت ظل الانتداب البريطاني.
نتيجة لهذا التعهد دخلت القوات البريطانية إلى السليمانية وتم تعين محمود الحفيد حاكمًا عليها بشرط تعيين ضابط بريطاني كمستشار له، وبدأ العمل في تشكيل الحكومة الكردية التي وعد الإنكليز محمود الحفيد بها. لكن البريطانيين تنكّروا لوعودهم له مما حدا بالحفيد إلى إعلان الثورة على الحكم البريطاني وسيطر على السليمانية في 21 مايو/أيار 1919 وطرد القوات البريطانية في المدينة، وتمكن من أسر عدد من الضباط الإنكليز وأعلن تشكيل دولة كردية، وأعلن نفسه ملكًا عليها، واتخذ له علمًا خاصًا بدولته.
حشد البريطانيون قوة عسكرية كبيرة مدعومة بالطائرات الحربية، وتمكنت من إلحاق الهزيمة بقوات الحفيد، فاعتُقل مع صهره‌ شيخ محمد غريب، ونُفيا إلى الهند (جزيرة الاندامان). بقي الحفيد منفيًا حتى العام 1922، واضطر البريطانيون إلى إعادته إلى السليمانية مرة أخرى بسبب الاضطرابات السياسية التي أعقبت نفيه. بعد رجوعه طرد الحفيد مرة أخرى، الإنكليز من السليمانية في 11 يوليو/تموز 1923، ومرة أخرى تمكّن البريطانيون أثناء حكومة ياسين الهاشمي من إعادة السليمانية إلى حدود المملكة العراقية الحديثة التي لم تكن لحد تلك اللحظة تضم ولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية واربيل)، حيث تم ضم الموصل إلى حدود المملكة العراقية في شباط/فبراير 1925 بناء على توصية من عصبة الأمم.
أحدث توقيع نوري السعيد معاهدة 30 آب/أغسطس 1930 احتجاجًا واسعًا من قبل الكرد، ومظاهرات ضد المعاهدة وضد حكومة نوري السعيد. فحشد محمود الحفيد للمرة الثالثة أتباعه وطرد الإنكليز من منطقة نفوذه، وأضاف إليه هذه المرة مذكرة إلى المندوب السامي البريطاني يطالبه بإنشاء دولة كردية في منطقة كردستان تمتد من زاخو وحتى خانقين.
وللمرة الثالثة تمكّن الإنكليز وقوات الحكومة العراقية من إلحاق الهزيمة بمحمود الحفيد، فقام بتسليم نفسه في 13 أيار/مايو 1931 وأُبعد إلى مدينة السماوة، ثم نقل إلى مدينة الناصرية، وأخيرًا تم نقله إلى قصبة عانه، ثم سمحت له الحكومة بالإقامة في بغداد وقررت مصادرة أملاكه في السليمانية. ولم تلق تلك المعاهدة استنكارًا من الكرد فقط بل قوبلت برفض شديد من قطاعات واسعة من الشعب العراقي بما فيهم سياسيون كبار وتم وصفه بمحاولة نوري السعيد وضع العراق تحت الاحتلال البريطاني الذي هو أسوء بكثير من الانتداب.
يقول ياسين الهاشمي: «لم تضف المعاهدة شيئًا إلى ما كسبه العراق بل زادت في أغلاله، وعزلته عن الأقطار العربية، وباعدت ما بينه وبين جارتيه الشرقيتين وصاغت لنا الاستقلال من مواد الاحتلال، ورجائي من أبناء الشعب أن لا يقبلوها». ويقول عنها حكمت سليمان: «المعاهدة الجديدة تضمن الاحتلال الأبدي، ومنحت بريطانيا امتيازات دون عوض أما ذيولها المالية، فإنها تكبد العراق أضرارًا جسيمة دون مبرر». ويقول عنها رشيد عالي الكيلاني: «إن أقل ما يقال عن هذه المعاهدة، أنها استبدلت الانتداب الوقتي باحتلال دائم وأضافت إلى القيود والأثقال الحالية قيودًا، واثقالًا أشد وطأة».
أما بالنسبة إلى كركوك، فقد كتب الدكتور محمد على تميم في مقال له بعنوان «كركوك في سنوات الانتداب البريطاني 1921-1932م»: (القوات البريطانية دخلت مدينة كـركـوك في 6 أيار 1918، إلاّ أنها تخلت عنها لضرورات عسكرية، مما أدى إلى حدوث مآسي اقترفها الأتراك بعد أن أعادوا احتلال المدينة مجددًا في 24 أيار 1918. عاود البريطانيون احتلالهم لكركوك بعد بضعة أشهر، ودخلوها في 26 تشرين الأول 1918 وسمع البريطانيون بالهدنة وهم يلاحقون الأتراك المتراجعين عبر الزاب الصغير إلاّ أنهم استكملوا احتلال ولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية واربيل) بأكملها بعد الهدنة، وهكذا دخلت كـركـوك والمناطق التابعة لها تحت سيطرة القوات البريطانية، وعين لونكريك حاكمًا سياسيًا عليها والكابتن بلايرد Bulirad مساعدًا للحاكم.
قَبِلَ الأهالي في عموم العراق في البداية النظام العسكري الذي أقامه الإنكليز دون تذمر، والسبب في ذلك يعود إلى أن السلطات العسكرية البريطانية رغبت في جذب الأهالي وتقويض نفوذ الأتراك.
فقد حرصت السلطات البريطانية في الأشهر الأولى على تسديد أثمان المواد الغذائية، وعلى أن تدفع نقدًا إيجار المساكن التي ينزلون فيها وأثمان الأراضي التي يستخدموها، بل إنها أعفت السكان من الضرائب في العام 1918 بسبب الغلاء الذي اجتاح البلاد، ولم تخل بالأعراف الدينية والمحلية التي لا تؤثر على عملها).
يتابع تميم مقالته: (لم يستمر الانكليز في سياستهم هذه طويلًا، إذ سرعان ما تذكروا أن عليهم امتصاص موارد البلاد وتسديد الثمن الذي تحملوه في الحرب، حيث بدأوا بتغيير سياستهم الودية تجاه السكان، مما أدى إلى ظهور مقاومة عنيفة في مختلف أنحاء العراق، ففي كركوك قام محمد أمين صديق القابلي بالاتصال بيوسف السويدي لغرض توحيد الجهود لمقاومة الاحتلال، وبرز عدد من أبناء كركوك في هذا المجال مثل ملا رضا الواعظ وعزت باشا صاري كهية وفهمي عرب أغا والحاج حسين أوجي، وخليل أغا الكاكة وملا صديق ترزي باشا ورشيد عاكف الهرمزي وعبد الصمد قيردار وغيرهم. إلاّ أن الظروف لم تكن تسمح للجمهور بالمقاومة آنذاك، إلى أن تهيأت الفرصة في ثورة العشرين).
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانتهاء أعمال مؤتمر سان ريمو في 25 نيسان 1920 الذي وقع العراق بموجبه تحت الانتداب البريطاني، أدى ذلك إلى هياج خواطر العراقيين واشتداد عزمهم للمطالبة بحقوق بلادهم، ودفع الحكومة البريطانية لتنفيذ سياستها تجاههم، ولم تعر للموضوع أهمية.
أدى تمادي الإنكليز في سياستهم من خلال الاحتلال المباشر والإدارة العسكرية القاسية، إلى حدوث رد فعل داخل نفوس الشعب العراقي، وأصبحت الأجواء مهيأة للثورة ولم يكن ينقصها سوى الشرارة التي جاءت باعتقال شيخ عشيرة الظوالم في الرميثة في 20 حزيران 1920، مما أدى إلى هياج شعبي كبير عمَّ مختلف أنحاء العراق. تأثرت كركوك بهذه الأحداث والسبب كما ذكرنا هو العداء للإنكليز مع غلبة بعض العوامل على بعضها الآخر من مكان لآخر، وقد اتصل أعضاء جمعية العهد السّرية، في الموصل مع أبناء كركوك لغرض استثارة هممهم فضلًا عن جهود جمعية سرية أخرى في كركوك أسسها بعض الوطنيين فيها لغرض مقاومة الاحتلال الإنكليزي.
في هذا الوقت كانت صلاحية (كفري) تعلن الثورة على المستعمرين، وتمكّن ثوّار كفري من قتل سالمون الحاكم السياسي البريطاني في 28 آب 1920، وإعلان انهاء حكم الاحتلال البريطاني. وأعلنت عدد من قرى ليلان القريبة من كركوك انتفاضتها ضد المحتلين واصطدمت مع القوات المحتلة التي تمكّنت من السيطرة على الوضع، وتبعت عملية الصدام، أعمال حرق وتدمير ومطاردة قام بها المحتلون الانكليز امتدت آثارها إلى طوز خورماتو.

- الموصل في فترة الانتداب البريطاني


كان لثورة العشرين دور كبير في حمل المحتلين الإنكليز على تغيير أسلوب حكمهم واشعارهم بعجزهم عن حكم العراق عن طريق الوصاية المباشرة ومنطق الإدارة العسكرية الصارمة. فحاولوا من جديد اخفاء ذلك تحت غطاء الصبغة المدنية، وعليه فقد أعلنت الحكومة البريطانية عن عزمها على إقامة حكومة وطنية في العراق، تضمن استقلالها عصبة الأمم وتشرف بريطانيا عليها بالوكالة عن العصبة، وحددت مسؤولياتها بإدارة البلاد وحفظ الأمن الداخلي والخارجي.
وعن مدينة الموصل كتبت الباحثة سفانة هزاع الطائي مقالًا بعنوان «الموصل وتأسيس الدولة العراقية سنة 1921» توضح فيه أنه (تألف وفد من أعيان الموصل وتجارها قوامه 43 رجلًا وذلك لغرض عرض مطاليب أهالي الموصل لدى الحاكم السياسي الكولونيل نولدر، فاجتمعوا به في الساعة السادسة بعد ظهر يوم 6 آب 1920، إذ ألقى رشيد أفندي العمري كلمة في هذا الاجتماع تضمنت المطاليب الوطنية ومما جاء فيها: (حضرات أعضاء الوفد قد حضروا ليعرضوا على سعادتكم مطالب الأهلين بشأن تشييد حكومة وطنية وفقًا لتصريح حكومة جلالة الملك ومنح حرية المطبوعات والكلام وتأمين الحريات الشخصية وصلاحية أعضاء اللجنة الانتخابية).
وقد أجاب الحاكم السياسي بخطاب تلاه سكرتيره أنيس الصيداوي جاء فيه: (إني مقتنع تمامًا بإخلاصكم وصفاء مقاصدكم وكنت أكون أشد ارتياحًا لو سلكتم غير السبيل الذي سلكتموه... فقد كان من الأفضل إما أن تستشيروني أولًا لكي يكون موقفكم قانونيًّا ومعترفًا به من جانب الحكومة، أو أن تنتظروا ريثما يتم المشروع الذي هو الآن تحت النظر (يقصد مشروع إقامة مجلس تأسيسي...). وكان لهذا الخطاب وقع حسن في نفوس الأهالي.
في الأول من تشرين الأول 1920 وصل برسي كوكس إلى بغداد، ليكون أول مندوب سامي بريطاني في العراق، وأخذ على عاتقه إطفاء نار الثورة، وتكوين حكومة وطنية مؤقتة في العراق تكون خاضعة لأوامره ومراقبته، كما أخذ يدرس مختلف الأساليب لمعرفة الحكم الذي يجدر بالحكومة البريطانية أن تقيمه في العراق. وكان طالب النقيب مع أعضاء لجنة الانتخابات العراقية من جملة المستقبلين، وقد ألقى جميل صدقي الزهاوي، عضو لجنة الانتخابات العراقية، كلمة رحب فيها بالمندوب السامي. وقد رد برسي كوكس بكلمة مقتضبة ذكر فيها أنه جاء لتأليف (حكومة مستقلة تحت سيادة انكلترا).
وصل برسي كوكس إلى الموصل في 16 تشرين الأول 1920، واجتمع مع وجهاء الموصل، وأكد خلال الاجتماع أن مهمته هي تشكيل (حكومة وطنية مؤقتة) في العراق، بإشراف الحكومة البريطانية. وفي 26 تشرين الأول نشرت الصحف ذلك بمنشور عام من المندوب السامي إلى الشعب العراقي. في 29 حزيران 1921 وصل الأمير فيصل إلى بغداد فاستقبل فيها بحفاوة وتكريم. وفي الموصل سارع وجهاء المدينة وكبار وجوه البلد إلى عقد اجتماع في مقر البلدية في 22 حزيران 1921، أسفر عن تشكيل وفد كبير لاستقبال الامير فيصل.
في 11 تموز 1920 قرر مجلس الوزراء تنصيب فيصل ملكًا على العراق (على أن تكون حكومته دستورية نيابية ديمقراطية مقيدة بالقانون)، ولما تبلغ كوكس هذا القرار رأى أن يجري استفتاء عام للنظر في درجة انطباق هذا القرار على رغائب الشعب العراقي، وبعد إجراء الاستفتاء أسفرت نتيجة الاستفتاء العام عن 97% لصالح الملك فيصل. عبَّر الموصليون عن غبطتهم ورضاهم لهذا الاختيار، فأقاموا الاحتفالات الواسعة، رددوا خلالها الأناشيد الحماسية ومنها: (فليحي الملك فيصل، فليحي العراق، فليحي الاستقلال). وامتزجت لديهم خلال هذه الفعاليات بالمشاعر الوطنية والقومية.
كما أرسل الموصليون برقيات تؤيد تنصيب فيصل ملكًا على العراق. وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت ثلاثة اتجاهات: الأول منها يؤيد ترشيح فيصل لعرش العراق، وكانت وراءه جمعية العهد، والثاني كان يدعو إلى انتخاب أحد العراقيين، في حين كان الثالث يفضّل الرجوع إلى رأي الشعب عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية تأخذ على عاتقها البت بالأمر.
أما السلطات البريطانية فكانت تميل إلى جانب ترشيح فيصل، لأن مصالحها وقتئذ اقتضت أن يكون فيصل المرشح المفضل، ولاسيما أن المشاورين البريطانيين والموظفين الحكوميين قد أشرفوا على عملية الاستفتاء، كما أن جريدة (الموصل) الموالية للسلطات البريطانية قد بادرت أيضًا إلى تأييد ترشيح فيصل ليكون ملكًا على العراق. وفي 23 آب 1921 توج فيصل ملكًا على العراق. ومنذ ذلك الوقت أخذ فيصل يعمل من أجل أن تكون العلاقات بين العراق وبريطانيا علاقة تعاهدية بدلًا من الانتداب، إذ إنه كان يصرح دائمًا ضد هذه الكلمة.
أما بريطانيا، فقد سعت إلى سياسة مفادها أن مركز العراق ينبغي (ألا يحدده شكل الانتداب المعتاد بل صيغة المعاهدة) التي تضمن مصالحها الأساسية ومن خلالها يتحدد هيكل النظام السياسي العراقي الجديد. وعلى ضوء ذلك دخلت الحكومة العراقية في مفاوضات مباشرة مع بريطانيا للوصول إلى عقد معاهدة تحدد شكل العلاقة بين الجانبين.
صدرت الإرادة الملكية في 19 تشرين الأول 1922 التي حدد بموجبها يوم 24 تشرين الأول 1922 موعدًا للشروع بالانتخابات، وفقًا للنظام المؤقت لانتخاب المجلس التأسيسي الصادر في 4 آذار 1922، لكن لم تكن تبدأ الانتخابات حتى واجهت معارضة شديدة من قبل الحركة الوطنية التي قررت مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي الذي سيصادق على المعاهدة. فقد قدم قادة الحركة الوطنية مذكرة إلى الحكومة أعلنوا فيها شروطهم للدخول في الانتخابات منها إلغاء الإدارة العرفية، وإطلاق حرية المطبوعات والاجتماعات وسحب المستشارين البريطانيين من الألوية إلى بغداد، وإعادة المنفيين السياسيين، والسماح بتأليف الجمعيات السياسية. ولما لم تستجب الحكومة لمطالب الحركة الوطنية، قررت الأخيرة مقاطعة الانتخابات في أغلب أنحاء العراق، كما أصدر بعض علماء الدين الفتاوى بتحريم المشاركة في الانتخابات.
كان للفتاوى الدينية أثرها الكبير، فقد استجاب لها العراقيون بمختلف فئاتهم دون تحفظ، ويدل ذلك على أن حركة المقاطعة كانت ذات غايات وطنية، منها رفض المعاهدة العراقية - البريطانية للعام 1922 التي اعتقدوا أن المجلس التأسيسي سيصادق عليها وذلك بعد (تزوير الانتخابات). لم تقتصر الدعوة لمقاطعة الانتخابات في الموصل على المسلمين وحدهم، فقد ظهرت إعلانات موجهة إلى المسيحيين تخبرهم بأن رجال الدين المسيحيين وجهوا أبناء طائفتهم لمقاطعة الانتخابات ومؤازرة المسلمين في ذلك (تمسكًا بالجامعة الوطنية وحفظًا للمصالح المشتركة وتأييدًا للحقيقة الواضحة والحق الصريح واستبقاء للتآلف القديم والتودد المستقيم).
ولقد كان للهيئة التفتيشية صورة لهذا الإعلان الذي وجد ملصقًا على باب بلدية الموصل مع قرارها الذي أرسله المتصرف إلى وزارة الداخلية كان رد فعل السلطات البريطانية المحتلة إزاء هذه الفتاوى عنيفًا، إذ، قامت باعتقال ونفي علماء الدين.
في 30 نيسان 1923 وقَّع رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون (18 تشرين الثاني 1922 - 15 تشرين الثاني 1923) مع برسي كوكس على بروتوكول معاهدة 1922، وكان غرض بريطانيا من ذلك تهدئة المعارضة في العراق وذلك لاجراء انتخابات المجلس التأسيسي من دون صعوبات. إذ حددت السلطات المحتلة يوم 12 تموز 1923 للمباشرة في اجراء الانتخابات.
من الجدير بالذكر أن السلطات البريطانية لم تكن واثقة من نجاح إجراءاتها في الموصل فقد كانت تتخوّف من نجاح أنصار الحزب الوطني في الموصل الذي بدأ نشاطه يزداد ويتسع في الانتخابات منذ أيلول 1923، ليس من مركز المدينة فحسب، بل في جميع الأقضية والنواحي التابعة للموصل أيضًا، إذ ظهرت دلائل تشير إلى احتمال سيطرة هذا الحزب بشكل كبير على قوائم الناخبين الثانويين، لذلك لجأت السلطات المحتلة إلى اتهام الوطنيين بالميول التركية، لعزلهم وتوجيه ضربة للحركة الوطنية.
عندما بدأت الانتخابات في لواء الموصل، نشطت المعارضة ضدها. إذ كانت مدينة الموصل مركز اللواء الوحيد من ألوية العراق التي حدثت فيها معارضة انتخابية أدت إلى الصدام مع السلطة، وكان قائد هذه المعارضة سعيد الحاج ثابت عضو الهيئة التفتيشية الذي كان له نشاط ملحوظ بهذا الشأن، وخاصة بعد أن أبعد مصطفى الصابونجي إلى بغداد، على أثر نقل متصرف اللواء رشيد خوجة، وقد اتخذت المعارضة في الموصل في مرحلة انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي، موقف الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات.
يظهر أن هذا الموقف اتخذ بعد أن تدخلت السلطة في الموصل للتأثير على الانتخابات وجعلها تسير لصالح مؤيدي المعاهدة في انتخابات الناخبين الثانويين. عندما اقترب الموعد المحدد لاجراء الانتخابات، شعرت السلطة الحكومية في الموصل أن سعيد الحاج ثابت وإبراهيم عطار باشي وغيرهما، قد بادروا بالدعوة وبصورة سرية لمقاطعة الانتخابات، ففي مساء يوم 23 شباط 1924، عقد اجتماع في جامع قضيب البان في الموصل، حضره جمع من الأهالي، فقرروا فيه مقاطعة الانتخابات، كما وزعت في الوقت نفسه منشورات في بيوت بعض الناخبين الثانويين، وألصقت في أنحاء المدينة، وكانت هذه المنشورات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات وتهاجم الملك فيصل والبريطانيين.
كما قامت العناصر الوطنية بمظاهرة سلمية احتجوا فيها على تدخل الحكومة في الانتخابات، فما كان منها إلا أن اعتقلت سعيد الحاج ثابت ومكي الشربتي صاحب جريدة (الجزيرة) بضعة أيام، ثم أفرجت عنهم، لكن وزارة الداخلية دعت سعيد الحاج ثابت بناء على اقتراح محافظ الموصل إلى بغداد ومنعته من العودة إلى الموصل، كما عقد اجتماع في ضواحي المدينة في 24 شباط 1924 لمعارضة الانتخابات، ورفعت مذكرات احتجاجية إلى الملك والمندوب السامي، وقد اعتقلت السلطة ستة أشخاص، وتمكّنت من الانتهاء من عملية الانتخابات في 25 شباط 1924 بعد قمع الحركة الوطنية بالقوة، ونفي عدد من زعمائها وعلماء الدين إلى خارج العراق.

- معاهدة العام 1922


بدأت المفاوضات بين الجانبين العراقي والبريطاني لعقد المعاهدة، ورغم السرية في المفاوضات، إلا أنه تسرب بعض منها إلى الرأي العام العراقي وخاصة المشتغلين بالسياسة. ونصّت المعاهدة على أن ملك العراق يوافق على قبول ارشاد الحكومة البريطانية في كل ما يتعلق بالأمور الخارجية والاقتصادية والعلاقات الدولية والمصالح الخاصة ببريطانيا، وليس للحكومة العراقية أن تستخدم أي موظف أجنبي إلا بموافقة بريطانيا. ولملك العراق حق إرسال ممثل عنه إلى لندن وغيرها من العواصم التي يتفق عليها بين الطرفين، وتقوم بريطانيا بحماية الرعايا العراقيين في الأماكن التي لا ممثل عراقي فيها، وتتعهد بريطانيا من الجهة الثانية أن تبذل جهدها لقبول العراق عضوًا في عصبة الأمم ولتقدم المساعدة العسكرية في وقت الحاجة.
وأدخلت مواد في صلب المعاهدة تنصّ على وجوب وضع اتفاقيات خاصة عسكرية وقضائية ومالية، واتفاقيات تتضمن شروط استخدام الموظفين البريطانيين في الحكومة العراقية. وكان جانب لا يستهان به من هذه المعاهدة عبارة عن تحوير لصكّ الانتداب. لذلك، جاءت معاهدة 1922 نسخة مكررة لنظام الانتداب تستهدف توطيد النفوذ البريطاني في العراق دون ذكر الانتداب، لذلك رفضتها الحركة الوطنية العراقية منذ البداية.
ففي نيسان 1922 وبمناسبة عيد النهضة العربية، عقد الموصليون اجتماعًا ضم عدة آلاف من المواطنين، وتحول الاجتماع إلى مظاهرة سلمية، رفعوا خلالها برقية إلى الملك فيصل عرضوا فيها مطالبهم التي تضمنت عدم قبولهم بأية معاهدة لم يصادق عليها المجلس التأسيسي، فضلًا عن منح رخصة لتشكيل الأحزاب السياسية، إلا أن فيصل اعتبر ذلك من قبيل التدخل في شؤون الحكومة. وفي 23 أيار 1922 صرح وزير المستعمرات تشرشل في مجلس العموم البريطاني بأن (الملك فيصل وحكومته لم يخبرا المعتمد السامي (كوكس) عن رفض العراقيين للانتداب).
كان لهذا التصريح أثرٌ كبير في الموصل، ففي 17 حزيران أرسل أعضاء المجلس البلدي برقية إلى الملك وقعها اثنا عشر شخصًا، احتجوا على تصريحات تشرشل بخصوص الانتداب. وفي 25 حزيران 1922 أرسل أعيان الموصل برقية أخرى إلى الملك احتجوا فيها على تصريحات تشرشل أيضًا، وأعلنوا رفضهم للانتداب ولكل ما يعيق استقلال البلاد، وكانت لهذه البرقيات صدى آثار اهتمام البلاط الملكي الذي طلب من وزارة الداخلية الإيعاز إلى متصرفية الموصل لطمأنة الناس وتبليغهم بأن (الحكومة العراقية تسعى لتحقيق استقلال البلاد وفقًا لرغائب الأمة).
في 30 أيلول 1922 شكّل عبد الرحمن النقيب وزارته الثالثة (28 أيلول 1922 - 16 تشرين الثاني 1922) وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي لاقتها المعاهدة العراقية - البريطانية من القوى والأحزاب الوطنية، فقد وافقت الوزارة المذكورة موافقة نهائية على المعاهدة في 10 تشرين الأول 1922. ثم اجتمع مجلس الوزراء في 17 تشرين الأول 1922 وتباحث بخصوص انتخابات المجلس التأسيسي فقرر باتفاق أغلب الآراء تأليف المجلس التأسيسي والذي كان من مهامه: البت في المعاهدة العراقية - البريطانية، وسن الدستور العراقي، وسن قانون المجلس النيابي.

السؤال هو كيف تشكّل الشرق الأوسط الحالي على ضوء مؤتمر القاهرة 1921؟
حول تقسيم المنطقة وما جرى فيها نشر الباحث سليمان محمد شناوة في دراسة في مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي تحت عنوان «كيف تشكل الشرق الأوسط»؛ يوضح فيها أنه (ظهرت دول عربية بحدودها الحالية، العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وهي قلب منطقة الشرق الأوسط، والمناطق والتي اجتمع عليها المنتصرون في الحرب العالمية الأولى لتوزيعها. مع العلم أن روسيا انسحبت من الاتفاقية بسبب قيام الثورية البلشفية فيها سنة 1917، وهي الثورة التي نشرت بنود الاتفاقية والتي بقيت سرًا بين المتعاقدين. وبإيجاز سريع نفهم فيه كيف قامت الدول الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا)، بتقسيم منطقة الهلال الخصيب تحديدًا (سوريا والعراق ولبنان وفلسطين «جغرافية كردستان- إضافة من الكاتب»)، لكنها لم تمس منطقة الخليج العربي ومنطقة نجد خصوصًا المنطقة التي تسمّى الآن السعودية. فهل هذه المنطقة تخضع لاتفاقيات أخرى غير سايس بيكو وسان ريمو ومؤتمر القاهرة؟ وهي المؤتمرات الثلاثة التي شكلت خريطة الهلال الخصيب وسوريا وفلسطين؟ أسئلة تبقى حائرة ونحن في بحثنا الدائم عن الحقيقة لعلنا نضع بعض الضوء على حقائق مخفية).
ربما كان تأمين الحدود الشمالية لدولة العراق الحديثة وذلك بضم ولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية واربيل) للعراق ضد التهديد التركي في الفترة (1921 – 1923م) من أهم أولويات السياسة البريطانية في العراق الجديد، فقامت بريطانيا بدعم الحركة القومية الكردية وتطويرها، من أجل الوقوف بوجه تيار «الجامعة الإسلامية بين الكرد» الذي كانت تشجعه وتستخدمه تركيا، لتحريض الكرد ضد الإدارة البريطانية في المدن الكردية. وكان على الحكومة البريطانية أن توافق أيضًا بين آمال القوميين الكرد في الاستقلال، ومصالحها السياسية في العراق الجديد، الداعية إلى توطيد حكومة الملك فيصل في بغداد، ليصبح العراق الجديد مستعمرة تنعم بالاستقرار، فكان تأسيس حكومة الشيخ محمود الحفيد الثانية سياسية وقتية، لخدمة أهداف السياسة البريطانية في العراق.
إن الخسائر التي سببتها الثورة المعادية للإنجليز في العراق (ثورة العشرين) العام 1920، أدت إلى حملة قوية في إنجلترا، للتقليل من تكاليف الحملات العسكرية في الخارج، ولقد وضعت خطة للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط.
إن مؤتمر القاهرة جاء استجابة لنجاح القوات الكمالية في تركيا والتي أدت إلى تمزيق سياسة لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني في تركيا، لقد كانت تركيا في تحدٍ مستمر لمنع سيطرة الإنجليز على المناطق الكردية، وإن المطالبة بتقليل الحملات العسكرية كانت متوافقة مع المطالب الاستراتيجية البريطانية؛ وبإيعاز من السيد ونستون تشرشلChurchill) ) وزير الدولة البريطاني للمستعمرات، عقد مؤتمر القاهرة في آذار 12-24/1921 للتباحث في أوضاع الشرق الأوسط، ووضع أسس جديدة للسياسة الإنجليزية. وقد جرى الاتفاق على تسليم الإدارة في العراق إلى حكومة عربية، واستغلال نفوذ الإنجليز لضمان ترشيح الأمير فيصل ملكًا للعراق الجديد، ثم الدخول في مفاوضات مع هذه الحكومة العربية لإبرام اتفاقية التحالف، لتحلّ محل حكم الانتداب.
وكان من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل نفقات البعثات العسكرية، ومساعدة الحكومة البريطانية على تقليل النفقات، بالتدرج من 32 مليون جنيه إسترليني سنويًا في العام 1921 إلى 4.5 مليون جنيه، في نهاية العشرينيات، كما جرى الاتفاق على تخفيض عدد القوات البريطانية في العراق، من 37 فرقة عسكرية إلى 4 فرق فقط، وقيام الموظفين البريطانيين بتشكيل جيش محلي في العراق الجديد لملء الفراغ، قبل تكوين الجيش النظامي، وانسحاب القوات البريطانية. كما تم الاتفاق على تعزيز الجيش المحلي العراقي عن طريق الاستفادة من ثمانية أسراب من الطائرات، التابعة للقوة الجوية الملكية البريطانية.
ومن أجل تجنب الحساسيات القومية العربية تجاه سياسة الوصاية البريطانية على العراق الجديد، ولتمكين الملك فيصل من التعامل مع لندن، من دون أي تحفظ، رأت الحكومة البريطانية عقد اتفاق التعاون المشترك مع حكومة الملك فيصل. كذلك فقد كان من المتوقع عقد (اتفاق للسلام بين تركيا وبريطانيا) في وقت قريب؛ الأمر الذي سيجعل حكومة العراق قادرة على تطوير مواردها النفطية في ولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية وأربيل)، وهذا يتطلب إعطاء دعم للعراق الجديد، مما سيمكن بريطانيا من جعل العراق الجديد مستعمرة، قادرة على الإنفاق الذاتي على نفسها.
وحول تفاصيل مؤتمر القاهرة كتب الدكتور عبد العزيز المفتي عدة محاضرات نشرها في الموقع الثقافي (الكاردينيا) العام 2015 تحت عنوان «مؤتمر القاهرة والقضية الكردية آذار 1921»، ووضّح من خلال محاضراته أن (التصور البريطاني في مؤتمر القاهرة، كان قائمًا على وجود نوع من السلم في المدن الكردية، ووجود علاقات ودية مع تركيا.
ولذلك، فإن المسألة الكردية كانت من القضايا الرئيسة التي جرت مناقشتها في مؤتمر القاهرة (الملحق أ)، وأكثر المسائل إثارة لوجود وجهات نظر متباينة بين الموظفين البريطانيين حول السياسة التي يجب اتّباعها في المناطق الكردية التابعة لولاية الموصل (التي تضم الموصل وكركوك والسليمانية واربيل).

***

* كاتب وصحافي كردي - سوريا

بعد قرنٍ من مؤتمر القاهرة 1921: ماذا استجد؟ (1)


الحداثة (Al Hadatha) – ع. 228 - س. 30 - صيف Summer 2023

ISSN: 2790-1785


ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1007) أبحاث في الأدب واللغة (362) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (182) أبحاث في الفنون (168) أبحاث في التاريخ (125) أبحاث في التربية والتعليم (114) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (80) أبحاث في علم النفس (64) مراجعات (61) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) افتتاحية الأعداد (37) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) أبحاث في الإعلام (34) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (24) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) أبحاث في القانون (21) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في العلوم والصحة (17) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة