إبراهيم علي الموسوي*
- نبذة عن البحث
أنتجت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في عالم الاتصال والتواصل من خلال سرعة وصول المعلومات وتأثيرها في المجتمعات كافة. والذي ساعد في انتشار هذه الوسائل هو حاجة الناس إلى الاجتماع والتواصل البشري بطرق سهلة وسريعة، بالإضافة إلى الكلفة المالية المنخفضة أو شبه المجانية أحيانا. وبالتالي ساهمت هذه الوسائل في تأسيس الشبكات والمجموعات الالكترونية ما أدى إلى خلق منصات للمشاركة والتبادل تعرف اصطلاحًا بخاصية "التشبيك" التي أحدثت مفارقة تاريخية وقطيعة بين جيل الإعلام التقليدي وجيل الإعلام الجديد، وتاليًا بين نظريات التأثير الإعلامي من منظور الإعلام التقليدي ونظريات التأثير الإعلامي من منظور جيل الإعلام الجديد.
إن منصات "فيسبوك، تويتر، انستغرام، سنابشات، واتساب، يوتيوب..." هي ما يعرف اليوم بوسائل التواصل الاجتماعي، ويتم عبرها التواصل الالكتروني بين المرسل والمتلقي ومحيطهما التفاعلي من خلال نشر الصور والفيديوهات والتعليقات، وتبادل الآراء والتشبيك والتشارك، والتفاعل المفتوح. وهو ما يتم تعريفه اليوم بـ"النيوميديا".
لكن نظريات التأثير الإعلامي (Theories media influence) في عصر "النيوميديا" تثير قدرًا كبيرًا من النقاش والجدل حول المنهج أو البناء النظري والمفاهيمي الأصوب لفهم وتفسير مجريات الأحداث، وقد انقسم الخبراء بين تيارين:
- تيار الناشطين الإلكترونيين الذين مارسوا التأثير الاعلامي بصورة فعلية من خلال التواجد والحضور القوي على المنصات الالكترونية الاعلامية للاعلام الجديد، وهؤلاء وصل تأثيرهم إلى حدٍّ دعا البعض إلى الاشارة إليهم بالوقوف خلف صناعة "ثورات الربيع العربي" كما يرى الباحث علي حرب صاحب كتاب "ثورات القوة الناعمة في العالم العربي".
- وتيار أكاديمي يضم باحثين وأساتذة تخصص كليات الإعلام في الجامعات والأكاديميات العلمية يقف متشبثًا بنظريات التأثير الإعلامي التاريخية والتقليدية.
وقد جدد هذا الجدل والنقاش نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة التي جاءت بدونالد ترامب (Donald Trump) رئيسًا للولايات المتحدة على متن منصات التواصل الاجتماعي وخاصة "تويتر"، وهو ما أعاد تأكيد خطورة وأهمية وسائل التواصل الاجتماعية والإعلام الجديد (فايسبوك، وتويتر، الخ) وقدرتها الهائلة في الوصول إلى أوسع الشرائح الشعبية والتأثير الإعلامي في اتجاهاتها بعيدًا من المفاهيم النظرية والنظريات التقليدية المعروفة في كليات الاعلام.
والشعب الأميركي شعب صانع لأضخم وسائل ومنصات الإعلام والميديا التقليدية والجديدة، وفي الوقت نفسه أكبر شعب مستهلك للإعلام، الذي له دور في تحريك دفة اتجاهات السياسات الأميركية الداخلية والخارجية، فلهذه الوسائل والمنصات الإعلامية دور كبير وعظيم في الرأي العام الأميركي خاصة في الحملات الانتخابية، وهي من ساعد في صعود نجم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في انتخابات عام 2008، وهو ما دفع أوباما لحد القول في خطاب الاتحاد "نحن أمة غوغل وفيسبوك"([1]).
لكن دونالد ترامب جاء من عالم رجال الأعمال، ومن خارج مؤسسة الحكم التقليدية بجناحيها الديموقراطي والجمهوري. وعلى الرغم من اصطفاف الغالبية العظمى من وسائل الإعلام الأميركية التقليدية ضد ترشيح ترامب، فإنه استطاع أن يكسب المعركة الإعلامية ضدها بفضل منصة تواصل اجتماعي واحدة (تغريدات حساب ترامب على منصة موقع تويتر) وهو وسيلة إعلامية شعبية ينخرط فيها اليوم 3 مليار شخص في العالم وفق احصاءات الاتحاد الدولي للاتصالات، إضافة إلى وسيلة إعلام تقليدية واحدة هي شبكة تلفزيون فوكس نيوز (FOX NEWS) اليمينية، وموقع الكتروني واحد: (بريتبارت نيوز/www.breitbart.com) أمنت فوزه بالرئاسة بمواجهة حلف وترسانة إعلامية ضخمة وهائلة ضمّت العشرات والمئات من وسائل الإعلام التقليدية التي دعمت هيلاري كلينتون (Hillary Clinton) وعلى رأسها قناة "سي أن أن" (CNN) التلفزيونية الإخبارية ذات الانتشار الواسع، وكبريات الصحف الأميركية كـ"الواشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، وجيوش نجوم هوليود بكامل عدتهم وعتادهم، وكبار عباقرة "وادي السيليكون" حيث تقع شركات "فيسبوك وغوغل وتويتر وواتس أب"، وهو ما قوّض متانة نظريات التأثير الاعلامية المعروفة أكاديميًّا، وأظهر عجزها أو فشلها في تفسير ظاهرة وحالة ترامب (Trump case study) مع وسائل الإعلام.
وبناءً على ذلك التغيير ظهرت العديد من العلوم الجديدة على الصحافة الرقمية لم تكن موجودة من قبل، مثل مفهوم إدارة المواقع الاجتماعية، أو علم "المرور" أو science of traffic"" وهو ما يعني سلوك الجماهير للاستجابة للمحتويات المنشورة بسرعة، كما ظهرت نظرية "الأخبار الزائفة والمضللة" كمنهج وإطار نظري جديد لدراسة التأثير الاعلامي على شبكات النيوميديا.
تهدف هذه الورقة البحثية لفهم اشكالية صعود نظريات التأثير الاعلامي عبر منصات "النيوميديا" الجديدة بآزاء ومقابل ضمور نظريات التأثير الاعلامي التقليدي عن تفسير سياق اتجاهات التأثير بالرأي العام وسلوكياته الانتخابية والسياسية والإحتجاجية، وتحديدًا دور منصة وموقع تويتر في توجيه نتائج الإنتخابات الأميركية 2016 التي أدت إلى فوز دونالد ترامب، في محاولة لفحص مطابقتها لنظريات التأثير الإعلامية، ودراسة وتحليل أهمية ومدى تأثير استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كفايسبوك وتويتر على جمهور المتابعين، كذلك على النخب وصناع القرار في صوغ رؤاهم ومواقفهم ومدى قدرتها على تغيير آرائهم.
المنطلق الذي حفزني للتعاطي مع هذا الموضوع هو ثلاثة أحداث كبرى حدثت في العالم ولها اتصال وثيق ومسيس بالموضوع الإعلامي:
- الحدث الأول: الانتخابات الأميركية 2016 ووصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية.
- الحدث الثاني: البريكست (Brexit) وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي 2016.
- الحدث الثالث: وصول الرئيس الفرنسي ماكرون (Emmanuel Macron) إلى سدة الرئاسة عام 2017 بدعم تيار شبابي تكوّن صعوده عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ثلاثة أحداث كبيرة كانت مدوية على مستوى السياقات السياسية في العالم أدت إلى فجوة وقطيعة بين نظريات التأثير الإعلامية التقليدية والنيوميديا.
وسيتم معالجة الإشكالية في عدد من المباحث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق