تتقدم أسرة الحداثة من المثقفين العرب عمومًا، ومن عشّاق أدب الروائي السوري حنا مينا خصوصًا، بأحرّ التعازي، برحيله في اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك، عسى أن يحاكي موته أضحية تحقق الأمن والسلام في بلده سوريا، وفي جميع البلدان العربية.
كانت أولى روايات حنا مينا «المصابيح الزرق» التي ترجمت إلى الروسية والصينية، ثم «الشراع والعاصفة» مترجمة إلى الروسية، و«الثلج يأتي من النافذة» تدرس في السوربون في فرنسا، و«الشمس في يوم غائم» ترجمت إلى الفرنسية والإنكليزية، و«الياطر» ترجمت إلى الصينية والانكليزية، و«المستنقع»، و«المرصد» و«حكايا بحّار» و«الدقل»، و«مأساة ديمتريو» و«القطاف» و«حمامة زرقاء في السحب»، و«نهاية رجل شجاع»...، ثم مجموعة قصصية بعنوان «الأبنوسة البيضاء»، وله دراسات أدبية منها: «ناظم حكمت» و«ناظم حكمت ثائرًا» و«أدب الحرب» و«هواجس في التجربة الروائية»، وغيرها العشرات من الأعمال الروائية والأدبية. كما حاز عشرات الجوائز وشهادات التقدير في غير محفل ومناسبة.
يتسم أسلوب حنا مينا بالسلاسة؛ فلا تعقيد في تراكيب الجمل، ولا مبالغة في صناعة الصور، ولا كلمات رنانة ومستغربة على اللسان والأذن، فمعجمه الروائي هو من المجتمع العربي عمومًا، والسوري تحديدًا، إذ عبّر عن الفقراء والكادحين والمهمّشين، كما عبر عن شرائح مختلفة من المجتمع، بلغة واقعية، بعيدة من الغرابة والتصنع. ويمكن القول إنه يحمل قلمًا صعب تكراره، فلغته الأدبية هي السهل الممتنع بعينه.
كانت أمنية مينا الدائمة أن "تنتقل دمشق إلى البحر، أو ينتقل البحر إلى دمشق، أليس هذا حلماً جميلاً؟! السبب أنني مربوط بسلك خفي إلى الغوطة، ومشدود بقلادة ياسمين إلى ليالي الشام الصيفية الفاتنة، وحارس مؤتمن على جبل قاسيون، ومغرم متيّم ببردى، لذلك أحبّ فيروز والشاميات".
حنا مينا حفر عميقًا في السرد، ليزرع حقولا من الوعي، والأحلام بواقع عربي أفضل. ولا شك في أن هذا اليوم سيأتي.