Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

الافتتاحية: المغرب والمشرق

د. خالد زيادة - مجلة الحداثة

خالد زيادة *


امتزج المغرب في الذاكرة المشرقية بالتاريخ، بثقافته وأسماء أعلامه وخصوصًا أولئك الذين وفدوا من بلدانه ومدنه ليستقروا في مصر أو سوريا أمثال ابن عربي وابن خلدون أو أولئك الذين عبروا مدن الشرق في أسفارهم الطويلة أمثال ابن جبير وابن بطوطة. كانت بلاد الحجاز محط أنظار المغاربة الذين يبغون الحج ولو لمرة واحدة. هذا الموسم السنوي كان يخلف وراءه العديد من الأفراد الذين استقروا في مدن المشرق مثل القاهرة والقدس وبيروت ودمشق، حيث صار لكل مدينة حيّ للمغاربة، اندمجوا في الحياة المشرقية واحتفظوا في ذاكرتهم حتى يومنا هذا بأصولهم المغربية.
والواقع أن افتراق المصير السياسي للمغرب الأقصى عن سائر البلاد العربية قد بدأ مع مطلع القرن السادس عشر، إذ خضعت كل البلدان بما في ذلك الجزائر وتونس للسيطرة العثمانية، إلا أن المغرب بقي بعيدًا من التأثير السياسي و"الثقافي" العثماني. ونشير أيضًا إلى أن المغرب لم يتأثر بعصر التنظيمات الذي ترك آثارًا بارزة في ميادين التعليم والقضاء والتنظيم العسكري بالرغم من أن أثر التنظيمات كان بارزًا في تونس في عهدي الباي أحمد والباي محمد الصادق، وكان خير الدين التونسي أبرز معبر عن روح التنظيمات.
لم يتطلع أبناء المشرق إلى المغرب ولم يكن مقصدهم لا للزيارة ولا للتجارة. ولم تصل أخبار المغرب إلى الشرق إلا مع ظهور الصحافة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع ثورة الريف وعبد الكريم الخطابي. وكان ينبغي انتظار الخمسينات حتى يحضر المغرب بقوة في المشرق مع الاستقلال وزيارة الملك محمد الخامس إلى القاهرة العام 1960 حيث لقي حفاوة بالغة. حدث ذلك مع صعود حركات التحرر والاستقلال، الذي عُدّ انتصارًا للعروبة والأمل بوحدة للمشرق والمغرب.
كان تأثير المشرق كبيرًا على المغرب، في بدايات الحقبة الحديثة، أي في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين. وهو تأثير يتعلق بالنخب أكثر مما يتعلق بالعامة. كانت الصحف التي ازدهرت في المشرق وخصوصًا في مصر تصل مقالاتها عن الدستور والحرية والسياسة إلى المغرب الأقصى، وكان للإصلاحية ممثلة بالإمام محمد عبده تأثيرها على الجمعيات الاسلامية، وحضر المشرق ومصر خاصة في الثقافة المغربية من خلال أعمال طه حسين والعقّاد وسواهما.
إلا أن التأثير الثقافي الذي تواصل في خمسينيات القرن العشرين، توقف عند حدود التأثير السياسي والايديولوجي. فلم تستطع الأيديولوجيات القومية والاشتراكية التي ازدهرت في المشرق أن تجد أرضًا خصبة في المغرب. خصوصًا أن العروبة انبثقت في نهاية القرن التاسع عشر من خلال التناقض مع "العثمانية"، ثم تميز العروبة عن الإسلام بالعودة إلى التراث ما قبل الإسلامي، فلم تتردد أصداؤها في المغرب، ذلك أن النخب المغربية لم تضع حدودًا فاصلة بين الإسلام والعروبة.
وقد أسهم الصراع العربي الإسرائيلي في تشكيل الوعي المشرقي، وجذب التيارات السياسية والفكرية إلى أرضية هذا الصراع، ولا شك أن التطورات السياسية في الأربعينات والخمسينات، وخصوصًا الانقلابات العسكرية، قد أدت إلى هيمنة الخطابات الأيديولوجية على التفكير النقدي والبحث العلمي لدى النخب الثقافية.
والريادة المشرقية في مجال الفكر خصوصًا، تراجعت أمام الصراعات الأيديولوجية في ظل الأنظمة الأحادية العسكرية التي تروج للشعارات على حساب التفكير النقدي الحر. وأصبحت السجالات بين التيارات القومية والاشتراكية والدينية الشغل الشاغل لأصحاب الرأي والكتّاب، وبقيت بيروت التي لم تكن بمنأى عن هذه السجالات، مركزًا للنشر تستقطب أعمال الأدباء والمفكرين والباحثين حتى في سنوات الحرب التي عرفها لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، إلا أن ذلك لم يكن يعكس حيوية فكرية لا في لبنان ولا في سوريا والعراق، ولا في مصر التي دخلت في عزلة ثقافية، فلا تتأثر بما يجري حولها، ولا تؤثر في محيطها العربي.
والمظهر الآخر لتراجع التأثير المشرقي في حركة الأفكار هو اضمحلال التأثير الغربي في البلدان التي تحكمها أيديولوجية الحزب الواحد، التي تراقب كل ما يهدد عقيدتها باسم الحفاظ على الخصوصية ورفض "الأفكار المستوردة". لقد مزقت حروب الأيديولوجيات والمذهبيات لبنان والعراق وسوريا، وجعلتها صحراء قاحلة فكريًا.
هذا ما يجدر أن نأخذ به حين نقارن بين المشرق والمغرب وخصوصًا لجهة الإنتاج الفكري. تفادى المغرب صراع الأيديولوجيات ونأى بنفسه عن التطورات المشرقية. بل يمكن أن نلاحظ مسارين مختلفين: ففي المشرق وأثر خروج دول الاستعمار ونيل الاستقلال، تراجع تأثير أوروبا الفكري. وأدت الدعوة الإيجابية إلى تعريب التعليم إلى نتائج عكسية فلم يحصل تحديث للعربية ونحوها وقواعدها، ولا حدث تعريب للعلوم كما يُفترض. أما في المغرب، فإن الانتقال إلى مرحلة الاستقلال لم يترافق مع دعوات للتخلّص من إرث الثقافة الغربية، ولعل ما حصل هو العكس فقد اضطردت صلات المغرب مع الثقافة الأوروبية وخصوصًا الفرنسية، على المستوى الجامعي الأكاديمي.
ونجد تأثرًا مبالغًا فيه بالمنهجيات الحديثة، وتأثيرًا لمفكرين من أمثال ميشال فوكو وجاك دريدا وغيرهما، وثمة اجتهاد لمواكبة التيارات الفكرية الحديثة. وفي جميع الأحوال فإن الجامعيين من المغرب يحضرون بشكل ملحوظ وكثيف في الدوريات التي ما زالت تصدر في بلدان الشرق، وتنتشر مؤلفاتهم عبر دار النشر التي لا تزال تحتفظ ببعض نشاطها في بيروت خصوصًا.

***


* باحث وأكاديمي من لبنان


الحداثة (Al Hadatha) – س. 29 – ع. 224 - صيف 2022 Summer

ISSN: 2790-1785

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1007) أبحاث في الأدب واللغة (362) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (182) أبحاث في الفنون (168) أبحاث في التاريخ (125) أبحاث في التربية والتعليم (114) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (80) أبحاث في علم النفس (64) مراجعات (61) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) افتتاحية الأعداد (37) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) أبحاث في الإعلام (34) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (24) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) أبحاث في القانون (21) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في العلوم والصحة (17) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة