إكرام حامد الأشقر *
- نبذة عن البحث
يهدف هذا البحث إلى وضع إطار نظري أكاديمي للعناصر المكوّنة لرقصة الزار كممارسة طقوسية لها نظامها وترتيبها وشعائرها وأدواتها الطقوسية، كما يهدف إلى تسليط الضوء على الزار كفن شعبي من ناحية شكله وعناصره ودوره ووظيفته، ولا يمكن الوصول إلى أهداف الزار إلا عن طريق المكوّنات الجمالية بما يرافقه من أغانٍ ورقص وموسيقى، فهذا الأمر يمنح الحاضرين في الزار، الإيحاء الذاتي في ظل المعتقدات الشعبية إذ فيه تحصل النفس على أكبر قدر ممكن من الإثارة النفسية والانفعالية والجسدية، وذلك في جوّ احتفالي صامت يحدث فيه نوع من التطهير من الكبت الانفعالي والنفسي بهدف إحداث شكل من أشكال التوازن النفسي الذي يساعد على الإقبال على الحياة.
- الكلمات المفاتيح: الزار، رقص شعبي، طقوس، دراما، فنون
***
انبثق الرقص من نشاطات الناس ليعبر عنهم في الأعياد والاحتفالات المختلفة، فهو يعكس الأحوال التي يعيشونها، وتلحظ الباحثة نادية الدمرداش أن الرقص الشعبي يعدّ من أقدم أنواع الفنون، إذ إنه ولد بمولد الإنسان، فعبّر عن أحزانه وأفراحه، وهو نوع من أنواع الفنون الشعبية، يعبر بصدق عن مشاعر الشعوب ويحكي تاريخها ويحتفظ بتراثها ويتوارثه الأجيال، ويرقصه جميع أفراد الشعب على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية.1
ويشمل الرقص الشعبي الثقافة الروحية والمتوارثات الشفهية لشعب معين، فيتضمن المشاعر والأحاسيس والتقاليد والأعراف التي خلفها السلف في كل طقوس الحياة.2 ومن ذلك، تعبير الرقص الشعبي بوحدات الحركة عن رد فعلي جمعي لدورات الحياة المهمة، ولا شك أنه يقوم اليوم بدور مهم في الاحتفالات في جميع أنحاء العالم، ففي المجتمع المتحضر يرقص الناس للتسلية، أما في المجتمع البدائي فكان يرقص أفراد القبيلة استرضاء للآلهة وقوى الخير، ويتخذون من الرقص وسيلة لطرد الأرواح الشريرة. وللرقص الشعبي وظائف عالمية تختلف باختلاف المناخ والظروف الجغرافية وتنوع الأمزجة، ولكل قارة وأمة وقبيلة أسلوبها الخاص بها في الرقص.3
استخدمت الشعوب القديمة الرقص في معظم نواحي الحياة: في تقديم القرابين، وفي السحر والعبادة، وحفلات الولادة والجنائز والصيد والمرض والحصاد.4 ويلحظ أن العناصر التي تميز الرقص الشعبي عن غيره هي ما يحمله بداخله من عناصر الثقافة الشعبية، ومن مأثورات وتراث شعبي يلازم جميع مناسبات دورة الحياة الإنسانية.5 وتعدّ الطقوس في العرف اللغوي، النظام والترتيب الخاص بإقامة الشعائر بمظاهر وأدوات معينة، فالرقص الطقوسي يؤدى وفقًا لشعائر أو مبادئ معينة، وتصاحبه أعمال وأدوات تقليدية منه الرقص الديني والجنائزي، ورقصة الحرب التي تعدّ أقدم أنواع الرقص التاريخي، وهي ما نراها مصورة على جدران المعابد.6
في كل ممارسة طقوسية هناك علاقة بين الرقص والطقوس؛ فالرقص ليس مجرد تسلية بسبب رغبة ملحة، لكنه كان يحتوي على مغزى سحري، وهو يظهر كحركات إيقاعية للجسم، والطقوسية ممارسة تعبدية رمزية تعبر عن نفسها بمظاهر وسلوكيات جسدية محددة ناتجة عن حركات تعبيرية إيمائية، أي بما هي لغة جسدية أو جهاز جسدي تقني يبثّ عضويًّا رسائل معينة.7
وفي الرقص الطقوسي يتدخل العامل الديني أو السحري، ويستخدم كعامل أساسي في الرقص لمحاربة قوى خفية والانتصار عليها. وقد يكون الهدف من الرقص الطقوسي خلق شحنة انفعالية لدى المشاهد كما في رقصات الدراويش حيث يقصدون إلى الصفاء الروحي، والتقرب إلى الله وبعث الشعور الديني في نفوس المشاهدين.8
أما الرقص الصوفي فهو ذاكرة النفس المضيئة، لأنه ليس مجموعة حركات تم ضبطها وتنظيمها من الخارج، بل هي مرتبطة بفاعلية الكائن الأسمى، وهو يؤكد تلاحم وتفاعل كل المعاني المؤكدة لإنسانية الإنسان ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا. والرقص الصوفي هو محاولة حماية الجسد وتحصينه والوصول به إلى التطهير (الكاتارسيس) من كل ما هو مادي يغلق على النفس.9 ويتسم الرقص الشعائري بأنه يهتم باللفتات والتطويعات السريعة حيث يعتقد أنها تخلص الإنسان من الأرواح الشريرة، وتبعدها من التأثير فيه.10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق