♦ خديجة عبد الله المقداد*
نبذة عن البحث
تعدّ القصيدة المقطعيّة من أكثر القصائد الحداثية صعوبة في التحليل والتأويل نظرًا إلى غناها بالمظاهر الأسلوبية والمعايير النصّيّة. وتتصدر القصيدة المقطعية قائمة الشعر الحديث؛ فهي نسقٌ يصنعه الشاعر بتكثيف العبارة وصياغة المعنى، فتؤثر في المتلقي، وتحرّك وجدانه وأفكاره لاكتشاف مكنوناتها وسبر أغوارها وفكّ رموزها وخفاياها.
هذا البحث مقاربة نصّيّة لقصيدة "الموتى" لشاعر القصيدة المقطعية الحديثة، وشاعر "المحبرة" اللبناني الجنوبي جوزف حرب، من ديوانه "قلم واحد في ثلاث أصابع" الصادر في العام 2013.
- التسويغ والإشكالية
ولد الشاعر جوزف حرب في بلدة المعمارية (جنوب لبنان) العام 1944 وتوفي في العام 2014. مثقّف واسع، وذو روح قومية تتعدّى حدود الوطن. شاعر وكاتب، ومحامٍ ومعلمٌ وصِحافيّ وإذاعيٌّ... سُمّي بمتلازمة فيروز لكثرة ما أنتج لها من أغانٍ، كأغنية "حبيتك تنسيت النوم" و"أسوارة العروس".
كتب حرب عن الحبّ والحياة وختم كتابته بالموت.
لا تُستنفَدُ الكتابةُ عنه. لذا اخترت من بين نصوصه الأدبية للدَرس، قصيدة من ديوانه الأخير "قلم واحد في ثلاث أصابع"، الذي طغت فيه فكرة الموت والرحيل، كأنه يرثي نفسه ويقول: وداعًا، بطريقته، فترك كلماته لتؤنس القارئ، فيما كان التراب رفيقه الأخير.
ولأنّ اللسانيات تعدّ من أبواب الدخول إلى عمق المعنى، يعالج هذا البحث هذه القصيدة على مستوى الدراسة اللسانية للوقوف على معانيها ودلالاتها، وتحديدًا قصديّتها.
أما إشكالية البحث فهي:
كيف تجلّت قصديّة حرب في قصيدته "الموتى"؟ وكيف وظّف أسلوبه الأدبي في خدمة هذه القصديّة؟
- القصديّة (Intentionality):
لغةً: القصد: استقامة الطّريق. قصد يقصد قصدًا، فهو قاصد؛ والقصد إتيان الشيء. تقول: قصدته وقصدت له وقصدت إليه، بمعنى. وقصدت قصده: نحوت نحوه (ابن منظور، لا ت، ج 12، ص 114).
اصطلاحًا: هي إحدى المقوّمات الأساسيّة للنصّ. ويحقّق المؤلّف مقاصده بطرق مختلفة تجمَع في مصطلح القصديّة، ولا يتكلّم المتكلّم مع غيره إلّا إذا كان لكلامه قصد (الصّبيحي، 2008، ص 96). وقد يكون القصد في النصّ صريحًا مرتبطًا بالمعاني المباشرة للكلام، أو متضمّنًا مرتبطًا بالمغزى من استخدام الأفعال (فرج، 2007، ص 48).
ويرى الفيلسوف الروسي ميخائيل باختين (Mikhail Bakhtin)* أنّ النصّ يحدّده عاملان يجعلانه نصًّا: النيّة والعزم، وتنفيذ هذه النيّة، ويتفاعلان بشكل ديناميّ. فالقصديّة هي نيّة المرسل إرسال رسالته بأيّ طريقة، مبقيًا على الترابط الشكليّ والمفهوميّ (الصّبيحي، 2008، ص97).
أما القصديّة في الدرس اللسانيّ فهي: النصّ عمل مخطّط يستهدف تحقيق غاية معيّنة، فترابطه وتناسقه مقصودان لتحقيق هدف معيّن (نور الدين، 2009، ص 21).
أما مفهوم المفكر البريطاني هربرت بول غرايس (Paul Grice)* للقصد فهو: "كلّ حدث كان لغويًّا أو غير لغويّ إمّا أن يكون محتويًا على الدلالة أو على نيّتها. فتراكم الغمام دلالته المطر، فهذا الحدث له دلالة وليس وراءه قصد، وقولنا لآخر: اغلق الباب، يتحكّم فيه قصد" (عوض، 1994، ص 102).
وإذا اتبع منتج النصّ هذه المبادئ استطاع تحقيق الاتصال، فهو العنصر المؤثّر في تحديد مدى مقبوليّة النصّ.
يتّضح إذًا، من خلال ما قدّمه علماء اللّغة، ماهيّة القصديّة؛ النيّة والوعي بالفعل.
هناك تعليق واحد:
ما هي دلالات عنوان قصيدة قلم واحد في ثلاث أصابع
إرسال تعليق