♦ عماد جميل غملوش *
- نبذة عن البحث
يعالج هذا البحث مرحلة تاريخية تعدّ شديدة التعقيد لتقاطعها زمنيًّا حضاريًّا في منطقة شهدت عوامل ومؤثرات كان لها تداعيات لاحقًا، ولا سيما ما يتعلق منها بالبعدين الديني والاجتماعي. فيلقي البحث الضوء على مرحلة بروز هيرودس (Herodus/ 74 – 4 ق. م) وحكمه لفلسطين، موضحًا بعض التفاصيل والحقائق ولا سيما ما يتعلق منها بالفتن التي أثارها اليهود، ونفوذ الرومانيين وقوتهم.
الكلمات المفاتيح: التاريخ القديم، الرومان، فلسطين، اليهود، هيرودس
***
تحفل حياة هيرودس بالأحداث والوقائع، فقد جاء حاسمًا وواضعًا نهاية لعقود من الثورات والحروب الأهلية، وأعاد خلق الأمبراطورية وورث عن الأمبراطوريات جغرافيات واسعة بعيدة وممتدة عن العاصمة روما، فاتسعت سلطته وامبراطوريته إلى حدّ كبير.دعم هيرودس الرومان واليهود على حد سواء، فكان الصديق والحليف لهم، وبالرغم من دعمه لليهود واشادته الصروح الدينية لهم وإعطائهم الحرية لممارسة معتقداتهم، كانوا يكنون له العداوة – بحسبانه ليس يهوديًّا - فهيرودس كان ينتمي إلى الادوميين ومتأثرًا بالحالة الهلنستية، ويمكن القول هنا إنه في فترة حكم هيرودس وجدت الأرضية لنشوء الديانة المسيحية، فقد تزامنت نهاية حياة هيرودس مع ميلاد المسيح عيسى ابن مريم. أمام هكذا شخصية محيرة الأصل والانتماء والهدف، راود المؤرخون العديد من الأسئلة حول انتماء هيرودس وتدينه وولائه، فجاء البحث لتحديد هويته، وكشف حقيقة انتمائه، فكانت الإشكالية: هل أن هيرودس وثني يحبّ الرومان ويكره اليهود، أم أنه عربي وثني محبٌّ لليهود وكارهٌ للرومان، أم لا هذا ولا ذاك، وجلّ همه كان الوصول إلى السلطة، وبسط سيطرته على فلسطين؟
تحفل حياة هيرودس بالأحداث والوقائع، فقد جاء حاسمًا وواضعًا نهاية لعقود من الثورات والحروب الأهلية، وأعاد خلق الأمبراطورية وورث عن الأمبراطوريات جغرافيات واسعة بعيدة وممتدة عن العاصمة روما، فاتسعت سلطته وامبراطوريته إلى حدّ كبير.
دعم هيرودس الرومان واليهود على حد سواء، فكان الصديق والحليف لهم، وبالرغم من دعمه لليهود واشادته الصروح الدينية لهم وإعطائهم الحرية لممارسة معتقداتهم، كانوا يكنون له العداوة – بحسبانه ليس يهوديًّا - فهيرودس كان ينتمي إلى الادوميين ومتأثرًا بالحالة الهلنستية، ويمكن القول هنا إنه في فترة حكم هيرودس وجدت الأرضية لنشوء الديانة المسيحية، فقد تزامنت نهاية حياة هيرودس مع ميلاد المسيح عيسى ابن مريم. أمام هكذا شخصية محيرة الأصل والانتماء والهدف، راود المؤرخون العديد من الأسئلة حول انتماء هيرودس وتدينه وولائه، فجاء البحث لتحديد هويته، وكشف حقيقة انتمائه، فكانت الإشكالية: هل أن هيرودس وثني يحبّ الرومان ويكره اليهود، أم أنه عربي وثني محبٌّ لليهود وكارهٌ للرومان، أم لا هذا ولا ذاك، وجلّ همه كان الوصول إلى السلطة، وبسط سيطرته على فلسطين؟
- هيرودس وظهوره
كانت أول إشارة إلى أنتيباتر والد هيرودس عند وفاة اكسندر يانوس ملك اليهود 76 ق.م، وتولي زوجته الحكم من بعده، فكان لها ولدان طامعان بالسلطة: الأول يدعى هركانوس الثاني (الأكبر) أما الأصغر فكان يسمّى أرستوبولس، وخلال فترة حكمها نشب صراع على السلطة بين الأخوين بدأه أرستوبولس معتمدًا على قوة الصدوقيين ضد أمه وأخيه اللذين استندا إلى قوة الفريسيين (عبد الملك، 2006، مج.2، ع.2) وقد اعتمدت الملكة في حكمها على الجنود المرتزقة من الأجانب وزادت عديد الجيش واستطاعت بذكائها إدارة البلاد (الدبس، 2007، ص 192) ونتيجة تقربها من الفريسيين تنفيذًا لنصيحة زوجها قبل موته سيطر عليها الفريسيون واستبدوا بالحكم واضطهدوا كل من يعارضهم، وقتلوا عددًا كبيرًا من الصدوقيين. وفي آخر أيام حكم الملكة، نصّبت ابنها هركانوس الثاني ملكًا إلا أن شقيقه أرستوبولس جمع قواته واستند على الصدوقيين مستغلاً عداوتهم للفريسيين وحشد جيشًا قويًّا، وسيطر على أموال المملكة الحشمونية. (Roth, p32)
اشتد الصدام بين الأخوين، فهزم هركانوس بحربه مع أخيه أرستوبولس الملك، وانسحب واكتفى بلقب أخ الملك، واستقر في أورشليم، وبقي في قصر أخيه بين الأعوام 67- 63 ق.م، وقد حكم هركانوس ثلاثة شهور فقط (لومير، 1999، ص 89).
هنا بدأ ظهور أنتيباتر الآدومي صديق هركانوس، وكان قد عين من قبل ألكسندر يانوس على أدوم فكان بمثابة صديق العائلة، إضافة إلى إرثه السياسي فكان والده حاكم أدوم في وقت سابق. (Grant, p26) وبالإضافة إلى قوته وغناه وحنكته السياسية الكبيرة، كان قد تزوج من كايبروس ابنة ملك الأنباط العربي، مما زاد في قوته وسيطرته، وبسبب الصداقة الكبيرة التي كانت بين انتيباتر وهركانوس وتشارك المصالح، لم يقبل انتيباتر الاتفاق الذي حدث بين الأخوين وتولي ارستوبولس الملك لما فيه ظلم لهركانوس. (Gross, P.30)
بسبب هذه العلاقة نستطيع أن نرى كيف تدخل انتيباتر في الحكم اليهودي بعد وفاة الملكة الكسندرا، كما نستطيع أن نرى جليًّا سيطرة اليهود على أدوم من خلال تعيين انتيباس وابنه انتيباتر ولاة على أدوم، وهو ما يدل على مخططهما لتهويد الأدوميين والإيطوريين (الدباغ، 2008، ج1، ص 633).
لكن بعد أن وجد انتيبايتر هركانوس تقاعس عن طلب حقّه بالسلطة، وجه أنظاره الى تحريض بعض القوى اليهودية، وأثارها عاطفيًّا وأكد حق هركانوس الثاني في الملك. (Josephus, P.13-14) كانت نتيجة هذه الحملة هي اقتناع هركانوس الثاني بحقه في الحكم وأن يكون الكاهن الأعظم، حيث كانت الأعراف الدينية اليهودية تعطيه أحقية الوراثة الدينية والسياسية، وقد نبهه إلى خطورة الوضع فقد حرص أخيه ارستوبولس على التخلص منه في أيه لحظة (الدبس، 2007، ص 193).
عند خروج هركانوس الثاني من أورشليم بمؤامرة من انتيباتر، توجه إلى البتراء واستطاع حشد جيش من 50 ألف جندي من الأنباط سار به إلى فلسطين، وعند وصول الخبر إلى أخيه ارستوبولس، تحصن في أورشليم، لكن الرومان حاصروا المدينة، بالإضافة إلى انتيباتر وهركانوس الثاني، كما انضم بعض اليهود إلى جيش الأنباط، بينما بقي بعضهم إلى جانب ارستوبولس بمن فيهم المتدينون، فأحكم الأنباط الحصار على مدينة أورشليم (لومير، 1999، ص 90) وبقيت المعارك مستعرة لفترة، فتدخل القائد العام بومبي الذي عينه الرومان قائدًا عامًا للشرق الذي أصدر قرارًا داعمًا لهركانوس الثاني، وهذا ما رفضه ارستوبولس وأنصاره، فتحصنوا في مدينة أورشليم، فما كان من بومبي وبمساندة أنصار هركانوس الثاني وانتيباتر من دخول أورشليم العام 63 ق.م، وإعادة هركانوس الثاني كاهنًا أعظم وحاكمًا على فلسطين. (Steinman, 2009)
عاد القائد الأعلى للشرق بومبي إلى روما، لكن مع أرستوبولس وأسرته كأسرى. وبسبب المساعدة الكبيرة التي قدمها انتيباتر، تم تعيينه قائدًا للجيش ومسؤولاً عن فلسطين، لكن بعد هذه المواجهة الكبيرة، فقدت مدينة أورشليم بعضًا من قوتها السياسية وخاصة بعد أن دمر بومبي أسوارها، وأصبحت عاصمة لمقاطعة رومانية فرعية، الفاصل بينها وأرض الجليل هو منطقة يسيطر عليها السامريون وعدد من غير اليهود الذين كانوا يكرهون جيرانهم اليهود (أرمسترونغ، 2010، ص 217)
بعد فترة طويلة من الحروب والحملات والتحريض، وتوالي الحكّام الرومان وكذلك الولاة، جاء يوليوس قيصر وأفرج عن الكسندر ابن ارستوبولس من السجن، وجعله نصيرًا له، ومنحه ثلاثة آلاف جندي، وأرسله إلى سوريا في حملة كبيرة، معتقدًا أنه سيبسط سيطرته على فلسطين ويضمها إلى روما، لكن تم قتل الكسندر مسمومًا. (Kent, P.276)
استعرت الحرب الأهلية بين يوليوس قيصر وبومبي وبلغت ذروتها في العام 49 ق.م، فهرب بومبي بعد هزيمته إلى مصر لكنه قتل هناك فور نزوله بها، وعند وصول يوليوس قيصر إلى مصر وجد نفسه محرجًا، وذلك لأن الحامية الرومانية هناك كانت موالية لبومبي كما أن عداء البطالمة كان كبيرًا له، في هذه الأثناء استطاع انتيباتر صديق بومبي السابق أن يتخذ يوليوس قيصر صديقًا جديدًا له، وأخذ عددًا من الجنود ما يعادل ثلاثة آلاف وحثّ الأنباط على دعم يوليوس قيصر، وقد أعلن يوليوس بعدها عن شكره وامتنانه الكبير لليهود وفي مقدمتهم انتيباتر (Josephus 14, 8, 1)
استطاع انتيباتر من إقناع يهود مصر من الوقوف إلى جانب يوليوس قيصر وأوصل لهم خطابات هركانوس الثاني كبير الكهنة في أورشليم والتي كانت تشجعهم لتأييد قيصر. (Maier, P.229) كما عظمت ثقة يوليوس قيصر بانتيباتر بعد مساندته العسكرية والدبلوماسية لحملة ملك أرمينيا وحليف يوليوس الذي سيره لمحاربة بومبي في مصر، فقد سانده بالعديد والعتاد وحرض الأعراب وأمراء سوريا على مساعدته وتقديم الدعم له. (Maier, P.223)
(...)
***
* باحث لبناني في التاريخ القديم - رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية (الفرع الخامس)، ودكتور في كلية التربية - الجامعة اللبنانية
المصادر والمراجع
- العربية:
· الكتاب المقدس
- أرمسترونغ، كارين، (2010). القدس مدينة واحدة... عقائد ثلاث. ترجمة: فاطمة نصر
- الدباغ، مصطفى مراد، (2006 و2008)، بلادنا فلسطين، ج1، فلسطين: دار الهدى
- الدبس، يوسف، (2007). تاريخ سوريا الديني والدنيوي. بيروت: دار نظير عبود
- عبد الملك، بطرس. (2006)، قاموس الكتاب المقدس، محمد العلامي، الحركات الدينية والاجتماعية في فلسطين، مج 2، ع 2، مجلة جامعة الخليل للبحوث
- لومير، اندريه، (1999). تاريخ الشعب العبري، التعريب انطوان الهاشم، ط1، بيروت: دار عويدات
- المسيري، عبد الوهاب، (1999)، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، م 4، بيروت: دار الشروق
- الأجنبية
- D. Russel, (1967). The Jews from Alexander to Herod, Oxford university, press
- Glubb, John, (1971). Peace in the holy land (an historical analysis of the Palestine problem) Hodder and Stoughton, London
- Grant, Michael, (1971). Herod the great, Herod the Great, American Heritage press, New York
- Gross, William, Herod the great, Helicon press, Dublin
- Johnson, Paul, (1977). A history of The Jews, Boston
- Kent, Charles, (2010). The Makers and Teachers Judaism. USA
- Maier, Paul, (1976) Josephus the essential writing, Kregel – Publication, Michigan
- Noth, Martin, (1958). The history of Israel, Adam and Charles Black, second edition, London
- Richardson, Peter, (1999). Herod King of the Jews and Friend of the Romans, University of South Carolina press
- Glubb, John, (1971). Peace in the holy land (an historical analysis of the Palestine problem) Hodder and Stoughton, London
- Grant, Michael, (1971). Herod the great, Herod the Great, American Heritage press, New York
- Gross, William, Herod the great, Helicon press, Dublin
- Johnson, Paul, (1977). A history of The Jews, Boston
- Kent, Charles, (2010). The Makers and Teachers Judaism. USA
- Maier, Paul, (1976) Josephus the essential writing, Kregel – Publication, Michigan
- Noth, Martin, (1958). The history of Israel, Adam and Charles Black, second edition, London
- Richardson, Peter, (1999). Herod King of the Jews and Friend of the Romans, University of South Carolina press
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق