ديمة محمود *
حينما كنّا خفافًا كميدانٍ لا تهمي ثناياهُ
ثمّة رضوضٍ تنكأ انكسارنا
ومعولٍ للحشد يومئ بالحريق
يلوّحُ الشّفقُ هناك وأراهُ
في الثّكنة نلعقُ أرجلَنا ولا نبالي.
*
قصيٌّ أنت يا حبيبي كنجمةٍ قريب كقطعة سكّرترمّمُك القوافي كمحيطٍ بعيد وتجذبُك السّهام مثل نورس
يريبك اقترابنا كهرواتٍ تعصفُ بانتفاضات العمّال والفلّاحين
بينما تدغدُك "أنشودة الفرح" كرضيع
ويقسّم قوس "عبده داغر" كريّاتك فتفور بالتّوت
منذ متى وأنت في التّيه تلاقي نفسك لولا أنَّ قبعات وتيجان
استحالت لآلئ وحناجر ممشوقةً لأراجيزَ تصهل في دمك.
*
ارتعشنا كنتوءين في ظهر العالملم تُعِدُّنا أمهاتنا للحرب باكرًا ولا لتحضير الأرغفة وترميم البلّور
كنَّ يحملننا على صفحة النهر؛ لنشتمَّ رائحة صغار اليَعَاسِيب والسّمك
ونجابهَ وجه العالم بلا رُتوش
ثم نكنسَ الوجوه والليل و رُفوف القرميد
ونعبئ الهشاشة لآجالٍ مسماة ريثما القوافل تغصُّ بالحقولِ والمزاميرِ
وها نحن يتيمانِ في قاع النّبع نلوك اللذةَ والسؤال.
*
لماذا احتملنا كلّ هذا الهشيم ونحن نحكُّ خدّيناكفراخ اليمام تذوي تتلمّس حظّها في محاولات الطّيران؟
ساقانا الغائرتان في غيم تُقلّبان الحيرة في اجتياز الماء لأعلى
وتجزّئان القواميس في كؤوس العنب؛ لحساب اقتراف اللّغة
أو توزّعان الشّبق في ستائر الأمد الّذي قد لا يأتي أو يثور.
*
عدنا بِخفّي غيمٍ وثمالتين وأقفاصٍ من التّوت على رقابناوهذه الفضّة تلمع في شالٍ ينتظر انبعاث الاستعارة
في قافلةٍ تمدّ الهسيس باتّجاه الشّمال ولا تنتظر الحدّائين
وتُؤوي الدّلتا في جيوب النّاجين من حصار المخيّمات والكانتونات.
*
انطبق الكهف على طيفٍ وفتح صدره للغرقبينما الموج غير عابئٍ بالهداهد والرّصيف
ينوء السِّفْر بالشّواهد
يكفيه فنجان الرّائحة وانطفاءةُ شمعةٍ في أُصص الخوف
تُعدُّ السّلال نواياها للرّحى والثّمرُ تؤذيه الرّزانة
تكلّل الحماقة جدائلها بالنّكايات
تصقل المرايا راحاتها للحرث وتفكّك الثّابت والمتحوّل بانتظار قبّرة.
*
لا تكترث لكفّيَ التي انشطرتالتّشظّي إثر الهزيمة انتصار
من قال: إنَّ فوّهة الدّبابة لا تشتعل بالأغنيات
الجنازير هاهنا تدقُّ إيقاع الوطيس
وأنا أحصّن الغبار في حجر خيبتي
الكعك فشل أن يحتفيَ بالعيد
دعني هنا أَعُدُّ الأشواك وأشدُّ حبال بقائيَ منفردةً
وأُثقّب القصبة علّني أرجع للغناء والأمنيات
وأربّيَ الأرانب من جديد.
***
حيث مقهى الحرية
كلّ الّذين مرّوا من هنا عبّؤوا حقائبهم
بالمارشملوز والأساطير والأبجدية
تقول عرّافةٌ في شرفة: اقسم كأسك نصفين واتبعني
تلْمعُ الذاكرة والموسيقى والعناوين
وحارسٌ هناك يَعدّ أطفاله ثمّ يفرغُ الزجاجات ويضرب الودَع.
*
على تلك الوجنة كدمةٌ لم تطفئها الهيبةالتّمثال الذي يقطف الرؤوس في الميدان يغضّ الطّرف
لعلّ الشّبح كان غرابًا يفرّ في مركب أو غريبًا يأنس بِفرشة كُتب
أو هواءً تمطّط باتّجاه النّهر فدنت منه قبلةٌ بين حبيبين
أو بوصًا يقدح الماء فتفيضَ الدواة ويخطّ بتَحنانٍ برديّته
تتماثل الأضداد في حقائب العشّاق
يقول الكمان مثلًا: كانا ولدًا وبنتًا
ولو مددنا بساط التّأويل لقلنا: كانا رجلًا وامرأةً
وللمراوغة سنطلُّ على إقليديس في معتكفه فيكونان سهمًا وقوسًا.
*
كلّ الذين مرّوا من هنا تنشّقوا الغاز المسيلتفجّرت لغاتهم فدرّ تِبرُ القصائد بين ترائبهم وأفخاذهم
الوتر الوحيد للهارْب لم يكن ليتناسلَ لولا ارتكابُ الأحلام في أرجوحة
وارتداءُ الإكريليك بدلًا من السّترات المقاومة للرّصاص
وترقيعُ القلق - أبًا عن جد- بثمالات الشكّ والمعرفة.
*
كلّ الذين مرّوا من هنا حبسوا الأنفاس ومسحوا أكمامهم بما انكسر من الصّواريكنسوا الصوامع عند انبلاج المحاق
وكأنشودة مهدٍ درسوا أشولة القمح في قيامة المزامير
نمنموا الذكرى في جداريةٍ على القلب
بينما البروباجندا تعبئ أقبيتها بالنّوايا الحسنة وقطارات الرّاعفين
يوشوش أبو منجل قلب المِسلّة
"كلّنا في الهوا سوا"
"أعدّي ليَ الأرض كي أستريح ..."
ها أنا ذا أتأرجح بلا جوفٍ ولا وجهٍ ولا خارطة طريق
سأسبقكِ هناك حيث مقهى الحرية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق