♦ فادي أنطوان نصار *
- نبذة عن البحث
يشكل طرح المفكر الأميركي الراحل "صموئيل هنتنغتون" (Samuel Huntington/ 1927 – 2008) حول "صراع الحضارات" (The Clash of Civilizations) مثار جدلٍ واسعٍ جدًا في الشرق والغرب. وتعددت القراءات والانتقادات له بين مرحب ورافض لهذه النظرية. ويمكن القول إن هذه النظرية عُدّت مع طرح المفكر "فرانسيس فوكوياما" (Francis Fukuyama) عن "نهاية التاريخ" في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" (The End of History and the Last Man) أكثر المواضيع دراسة وجدلًا في مجال السياسة الدولية وعلى مستوى العالم منذ تسعينيات القرن الماضي. وللأمانة، فقد استخدم المفكر البريطاني "برنارد لويس" (Bernard Lewis) هذه العبارة في احدى المقالات التي نشرها عام 1990، لكن هنتنغتون هو من روج لها وأعطاها شهرة واسعة.
جاءت الردود على مقال هنتنغتون غزيرة إلى حدّ غير معقول ومن كل صوب. البعض دافع عن أفكاره ورأى فيها تأكيدًا لاستمرار الصراع القديم بين الشرق والغرب، ووصفًا لواقع موجود، معتبرا أنها تعبر ولو بشكل فج، عن حقائق دامغة، أسواء عجبنا هذا الأمر أم لا. أما البعض الآخر فانتقدها بعنف، متهمًا الكاتب بالعنصرية ضد الشعوب غير الغربية، وبتوسل الصراعات، وبنفي امكانية السلام والتوافق بين الشعوب، من بين غيرها من الاتهامات. يذكر أن هنتنغتون رأى أن حماوة المناقشات التي أعقبت المقال والاهتمام الذي ولدته يدلان أن النظرية تفسر الكثير من أحداث العالم.
ومن المهم الاشارة إلى أن "هنتنغتون" نشر في الأساس مقالته الشهيرة بعنوان: "صراع الحضارات؟" في مجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) الفصلية الأميركية في صيف العام 1993، بعد بضع سنوات على سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه. وفي كتاب لاحق نشر في العام 1996 بعنوان "صراع الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي" قام بتوسيع وتفصيل أفكاره اعتمادًا على أمثلة وتطورات عديدة حدثت بين التاريخين. ونراجع في هذه الدراسة نظرية "هنتنغتون" التي وردت في الدراسة الأولى منذ أكثر من ربع قرن وعرض أهم الردود عليها، ودفاع صاحبها عن صحتها بوجه منتقديها، مع الأخذ في الاعتبار التفسيرات الإضافية التي وردت في الكتاب والردود المتتالية عليها. كما نركز على دراسة مدى صوابيتها الحالية وملاءمتها في المقاربة المنهجية للتطورات التي حدثت في العالم منذ ذلك الحين. وقد قسمت الدراسة إلى تسعة أجزاء رئيسة.