♦ مشلين بطرس *
تكلّم الرصاص وحفرت ضجة دويه ثقوبًا تركت نيرانها مشتعلة على جداران أبنية بيروت. سألتُ جدارًا تتكئ على حزنه شرفةٌ متصدعةٌ، تتنهدُ ويلاتًا هزتْ شموخ كيانها: آلا تؤلمكَ تلك الثقوب التي لا يسبر أغوارها سوى العنف؟
- إنها عيوني التي لا تنام، تروي قصة حرب حفرت في أحشائي وحشية عدو لا يعرف معنى الإنسانية.
مصباح المنزل يُكسر زجاجه، ظلام يقبع في الزوايا ينشر خوفًا يتسلل بين طياته، رعب يسيطر على القلوب الراجفة اضطرابًا وزئير وحش مسلح يتخلل الأبواب آمرًا أهل المنزل بفتح الباب وإلا.
فُتات الخبز التي فرشت أرض الدار تنتقل من منزل إلى آخر، مداهمات، وسرقات، وهلع حطّ رحاله على أسرّة الساكنين.
يدٌ جريئة تقترب من القناع وتكشف عن صاحبه الذي كان واحدًا من
أبناء القرية، هو عينه الذي رمى بهوية جدي يسخر من ابنه الذي قُتل برصاص العدو قائلاً: الله لا يرده، ليعود سهم الحقد غارزًا مخالبه في قلب الأم الحزين.
تخرج حياة من المعرض بدموع تأبى الإنحسار، ألحقُ بها وأربت على كتفها مواسيةً: الوطن حنون يا عزيزتي، الوطن لا يحب الأضاحي، لكن البشر أجبروه على ابتلاع أكباش الفداء التي تذبح يوميًا هنا وهناك، باسم زيناه بالكثير من الورود وكللناه بالغار حتى نبت له جناحان يحلقان بزغاريد بعض أمهاتٍ يشيعن أنباءهن إلى مثواهم الأخير.
نعود إلى المعرض وقد هدأت دموع حياة، لنجد أرزة لبنان تسند خدّها الذابل براحة يدها، وقد أسرتْ شموخَها حيرةٌ من حب أبنائها الذي تتماوج فيه الألوان وتتصارع إلى اللا نهاية قائلة: ها قد تعفّنت جذوري، وأصبحتُ عرضة للاقتلاع في قبضة أيّ ريح عاتية.
يضحك الكرسي المصنوع من أخشابها ساخرًا: لقد سلبتُ بريق خضرتك، وأصبحتُ إكسير الحياة، تتعلق بأذيالي عيون أبنائك، وتتشدق بشهدي أفواه شعبك، فأين أنت مني أيتها الأرزة؟
- أنا أرزة رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال.
فصرت إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
تتنهد الشجرة بدموع تحملها أوراقها الخضراء عند نهاية أغنية لفيروز (بحبك يا لبنان ….يا وطني) أسحب الشريط من فم المسجلة ليعلو نداء جارتي.
- حياة ... يا حياة هيا يا حياة القهوة جاهزة فتعالي أقرأ طالعك بالفنجان.
* قاصة من سوريا
مشلين بطرس |
نوافذ : الحداثة - ربيع 2019 - عدد 199/ 200
أصلُ إلى منزلي منهكةً، أخلع أعباء عمل أثقلني، يقطع رنين الهاتف حبال الصور والكلمات العالقة في ذاكرتي، ليأتي صوت حياة عبر الهاتف تخبرني عن افتتاح معرض للرسم.تكلّم الرصاص وحفرت ضجة دويه ثقوبًا تركت نيرانها مشتعلة على جداران أبنية بيروت. سألتُ جدارًا تتكئ على حزنه شرفةٌ متصدعةٌ، تتنهدُ ويلاتًا هزتْ شموخ كيانها: آلا تؤلمكَ تلك الثقوب التي لا يسبر أغوارها سوى العنف؟
- إنها عيوني التي لا تنام، تروي قصة حرب حفرت في أحشائي وحشية عدو لا يعرف معنى الإنسانية.
مصباح المنزل يُكسر زجاجه، ظلام يقبع في الزوايا ينشر خوفًا يتسلل بين طياته، رعب يسيطر على القلوب الراجفة اضطرابًا وزئير وحش مسلح يتخلل الأبواب آمرًا أهل المنزل بفتح الباب وإلا.
فُتات الخبز التي فرشت أرض الدار تنتقل من منزل إلى آخر، مداهمات، وسرقات، وهلع حطّ رحاله على أسرّة الساكنين.
يدٌ جريئة تقترب من القناع وتكشف عن صاحبه الذي كان واحدًا من
أبناء القرية، هو عينه الذي رمى بهوية جدي يسخر من ابنه الذي قُتل برصاص العدو قائلاً: الله لا يرده، ليعود سهم الحقد غارزًا مخالبه في قلب الأم الحزين.
تخرج حياة من المعرض بدموع تأبى الإنحسار، ألحقُ بها وأربت على كتفها مواسيةً: الوطن حنون يا عزيزتي، الوطن لا يحب الأضاحي، لكن البشر أجبروه على ابتلاع أكباش الفداء التي تذبح يوميًا هنا وهناك، باسم زيناه بالكثير من الورود وكللناه بالغار حتى نبت له جناحان يحلقان بزغاريد بعض أمهاتٍ يشيعن أنباءهن إلى مثواهم الأخير.
نعود إلى المعرض وقد هدأت دموع حياة، لنجد أرزة لبنان تسند خدّها الذابل براحة يدها، وقد أسرتْ شموخَها حيرةٌ من حب أبنائها الذي تتماوج فيه الألوان وتتصارع إلى اللا نهاية قائلة: ها قد تعفّنت جذوري، وأصبحتُ عرضة للاقتلاع في قبضة أيّ ريح عاتية.
يضحك الكرسي المصنوع من أخشابها ساخرًا: لقد سلبتُ بريق خضرتك، وأصبحتُ إكسير الحياة، تتعلق بأذيالي عيون أبنائك، وتتشدق بشهدي أفواه شعبك، فأين أنت مني أيتها الأرزة؟
- أنا أرزة رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال.
فصرت إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
تتنهد الشجرة بدموع تحملها أوراقها الخضراء عند نهاية أغنية لفيروز (بحبك يا لبنان ….يا وطني) أسحب الشريط من فم المسجلة ليعلو نداء جارتي.
- حياة ... يا حياة هيا يا حياة القهوة جاهزة فتعالي أقرأ طالعك بالفنجان.
* قاصة من سوريا
***