♦ غسان أحمد شعشوع *
نبذة عن البحث
شهد العالم الإسلامي خلال تاريخه، ظهور الكثير من المذاهب والفرق التي اختلفت بآرائها ومبادئها اختلافًا كان أحيانًا يبلغ حدود التناقض. بعضها كان علنيًا في طرح أفكاره فيما اعتمد البعض الآخر على السريّة والكتمان، وآخرون كانوا مغالين في الابتعاد من الأصول المتفق عليها بين المذاهب الإسلامية. ومن تلك الفرق ما لم يعمر طويلًا، ومنها ما استمر حتى يومنا هذا.
احدى تلك الفرق التي ولدت في القرن التاسع عشر وما زالت موجودة حتى اليوم، هي "الفرقة البهائية" التي ادّعت أنها دين جديد. فما هي حقيقة هذه الجماعة الغامضة بنشأتها ومبادئها؟ هل هي فرقة أم مذهب أم دين أم حزب سياسي؟ وكيف نشأت ووصلت إلينا؟ وما هي مبادئها وأفكارها؟ وما هي أساليب عملها، وأماكن انتشارها؟ وهل لها توظيف سياسي؟
أولًا: مقدمات ظهور االبهائية:
1- فرقة الكشفية
كي نتعرف على نشأة البهائية، لا بدّ لنا من معرفة الظروف التي أحاطت بها، والفرق التي ظهرت قبلها، وكانت بمثابة مقدمات مهدت لولادتها.
ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر في كربلاء، فرقة تنسب إلى السيد كاظم الرشتي (1793- 1843)، ودعيت بـ"الكشفية"، بسبب ادعاء الرشتي الكشف عن الحجب والاتصال بما وراء الأستار، وترويجه لقرب ظهور الإمام المهدي، وقبوله بفكرة النيابة الخاصة له في غيبته. حارب العلماء أفكار الكشفية، وفي تلك الحقبة كان هناك صراع عنيف بين علماء كربلاء وأهلها، وبين والي بغداد نجيب باشا الذي دعم الكشفية بعد أن وجدها عونًا له على محاربة أعدائه في كربلاء([i]).
بعد وفاة السيد الرشتي، انقسم الكشفيون إلى ثلاث فرق كان على رأس أحدها الملا حسين البشروئي (1813- 1849) الذي كان من الملازمين للرشتي، ثم آمن مع أتباعه "بالبابية"([ii]).
2- فرقة البابية والدعم الروسي
إن شيرازيًا هو الميرزا علي محمد الشيرازي (1818 - 1850)، ظهرت عليه المغالاة في التصوف، فأرسله أهله إلى كربلاء لتغيير الجوّ والاستشفاء فيها. في كربلاء حضر دروس السيد الرشتي في العام 1840، وفاق أقرانه في ادعائه الاتصال الروحي.
بقي علي محمد الشيرازي سنة واحدة في كربلاء عاد بعدها إلى موطنه([iii]). وفي تلك الحقبة كان الإنكليز والروس يتنافسون للسيطرة على إيران، وكان سكرتير السفارة الروسية في طهران "كينياز دالكوركي" قد أعلن إسلامه، وتزوّج من مسلمة، وارتدى اللباس الديني، ثم سافر إلى كربلاء حيث أخذ مكانه كطالب في درس السيد كاظم الرشتي، وتعرّف إلى الميرزا علي محمد الشيرازي، ورأى فيه خير شخص لادعاء "البابية"، أي أنه باب الوصول إلى إمام الشيعة المنتظر([iv]).
استغل دالكوركي شعور العظمة لدى الميرزا علي محمد، ليوحي له بالدور الكبير الذي ينتظره([v]). ادعى الميرزا علي محمد الشيرازي أنه "باب المهدي"، ثم ادعى أنه المهدي نفسه في 23-5-1844، ثم ادعى النبوة، ونزول الوحي عليه بكتاب "البيان"، وعدّ نفسه واسطة تهيء الطريق لظهور الحقيقة الإلهية على الأرض في هيكل بشري، وطلب من أتباعه أن ينتظروا هذا الظهور الجديد([vi]).
هالت هذه الادعاءات حكومة ناصر الدين شاه، فاعتقلته وساقته إلى تبريز، وثارت بين أتباعه وبين المسلمين فتن وقلاقل. ظل أتباع الباب يترددون عليه في السجن ويظهرون إيمانهم به وبرسالته علنًا، وازداد عددهم نتيجة لجهود قياداتهم وقوة تنظيمهم.
ازدادت الضغوط على البابيين، ثم أُعدم "الباب" في تبريز في العام 1850م رميًا بالرصاص أمام العامة برغم وساطة روسيا وبريطانيا للصفح عنه بعد تقارير أرسلها القناصل إلى بلدانهم، مستنكرين الاضطهاد الذي واجهه الباب وأتباعه. وكان القناصل على علاقة وطيدة بالباب وبحركته([vii])، علمًا أن العلاقة بين الروس والأسرة القاجارية الحاكمة في إيران لم تكن على ما يرام فكان الروس يسعون إلى تأييد الحركات المعادية للحكومة الإيرانية ومنها الحركة البابية.
(...)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق