Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

"استمع أيها الصغير" لرايش: إعادة البحث في كل شيء

استمع أيها الصغير - رايش

هيثم فرحان صالح *


بدايةً، استرعى انتباهي ذاك العنوان، فكيف لي أن اقرأ واستمع إلى ما اقرأه؟ لا بدّ أن هناك فائدة ما للإصغاء. عادةً لا نصغي لشيء، نتكلم، نقرأ، أما الاستماع والاصغاء فشأن آخر. كنت حينها في منتصف الثمانينات من القرن العشرين، لم أتجاوز الخامسة عشرة من عمري، حيث بدأت بقراءة كتاب "استمع أيها الصغير" لفيلهالم رايش، ولم يكن لي باع طويل في القراءات؛ فقراءة كتاب بالكامل بحاجة إلى جهد من حيث ربط الأفكار، ومعرفة ما يودّ الكاتب قوله. لست بصدد التحدّث عن الكتاب بذاته وبمضمونه، إنما بما أحدثه من أثر في نفسي وقت قراءته. فهو كتابٌ غير عادي لرايش، وكان قد نُشر بعد الحرب العالمية الثانية بالإنكليزية، وترجم إلى العربية في العام 1979 عن دار ابن رشد. المؤلف لا يعني لي شيئاً، كانت الأسماء لا تعني لي شيئاً سوى رمز لشخص، كي لا تناديه مثلاً برمز أو رقم ما، فالاسم أداة للتمييز الأداتي لا غير.
كنت مراهقًا ومرهقًا، حرب نعيشها وأفكار تتصارع يمينًا ويسارًا وطوائف، ويأتي من يجعلك تعيد البحث في كل شيء، أو على الأقل ينبّهك أيها الصغير. 
الثقافة الإسلامية عودتنا على كلمة "إقرأ"، فعندما أتاه الوحي للنبي محمد قال له: "إقرأ"، لكن كلمة استمع فجديدة. 
كنا صغارًا لا نصغي، فقط نتلو ونقرأ كالببغاء. في الاستظهار خير دليل، أما الإملاء فحدّث ولا حرج، أن تكتب كصورة، ربط الحرف بالحرف، ثم النسخ.
في المدرسة أصبحت أكره بعض المعلمين والمعلمات، على الرغم من تفهمي لما يعانيه بعضهم. لكن بالنسبة لي لم يعن ذلك أن يكنّ بهذا اللؤم، لم أبرره، لا شيء يبرر ارهابنا، ولؤمنا أو خبثنا، ناهيك عن أستاذ حصة الدين الذي فرضوه على "ثانوية حارة حريك الرسمية"، مدرستي المختلطة في ضاحية بيروت الجنوبية آنذاك، هذا الذي سيعلمنا الأخلاق لكن بوجه متجهم.
كنت خلال قراءتي للكتاب أتذكر وجوههم، معلمة الكيمياء، لكن لا كيمياء بيننا، وأستاذ الحصة الدينية، وأيضًا الكثير من الساسة، وأعيد النظر بقراءاتي البسيطة الأخرى.
الدرس الأول الذي تعلمته هو احترامي لنفسي، وعدم تقبّل أي اساءة بحقي. تعاطفت مع أقراني التلامذة، طبعًا ليس الجميع، وخصوصًا الوشاة منهم، سلالة المخابرات. كنا كتلامذة لا نشعر بالفرق أو التمييز؛ فالتمييز شأن كل سلطة. لقد كان تواطؤنا مع بعضنا واضحًا ضد المعلمين بالمبدأ، أو الإدارة، وكل من يخون هذا التواطؤ يُنبذ. التلامذة متساوون، وهذا ما نشعر به من دون أن نقوله أو نفلسفه. كل من يجلس خلف طاولة وعلى كرسيّ يستمع إلى محاضرة ما يتحول تلميذًا، يتذكر كيف كان صغيرًا، يحسّ ببعض المتعة وفرح المشاغبة اللطيفة، والدعابات المرحة، وتلمّس بدايات المعرفة والتعلم، يحنّ إلى الطفل الصاخب داخله، الناقد والمتمرد والمتذمر الدائم.
كان لا يعني لنا اختلاف الجنس الشيء الكثير، أو كنا على الأقل نتعاطى معه بسلاسة. الفتاة في المدرسة كانت رفيقة حقيقية.
أصبح لدي حساسية تجاه أي سلطة، إن أتت من العائلة أو من المدرسة، من المقاتلين في أزقة تلك المدينة بيروت ذات الألف لون، تلك الألوان الباهتة. لم أذكر بعد ذلك، وحتى هذه اللحظة، أني رأيت أو شاهدت بالفعل لونًا واضحًا في بيروت. كانت بيروت كما ناسها، أنصاف ألوان، أنصاف ثوريين، أنصاف مثقفين، أنصاف شعراء، أنصاف مقاتلين، أنصاف آلهة، وكانت نصفين أيضاً: شرقية وغربية. كل هذا كان يتوضح أكثر وأكثر بعد قراءتي للكتاب، مع لينين وضد ستالين. طبعاً ستالين هو المفضّل للغالبية، لقد قتل ابنه الجندي في الأسر لأنه رفض مقايضته مع من هو أعلى رتبة منه، وعلى الرغم من ذلك أكمل صحن الحساء عندما أبلغوه بإعدامه، طبعاً لا شيء يهزّ القائد الصلب. على الرغم من أن ابن ستالين قتله البراز على حد زعم ميلان كونديرا في روايته "خفة الكائن التي لا تُحتمل". نعم، كل ديك يحسب نفسه نسرًا على الأقل، أو أنه بصياحه يجعل الشمس تشرق على الأكثر. يا لانتفاخ الذات الفارغة.
كنت صغيرًا وتعلمت أن أصغي واستمع، ليس بدافع احترام الكبار إنما بدافع احترام الكلام، الكتابة، القراءة، والإصغاء، وكل ما يمت إلى الكتاب بصلة. كنا وما زلنا صغارًا أمام هذا الوحش الهائل الكثير الصور، الأسئلة، الكلام، وانزياحات المعنى، هذا الوجود.

***

* باحث ودكتور من لبنان

مجلة الحداثة - صيف 2017

ISSN: 2790-1785

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1007) أبحاث في الأدب واللغة (362) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (182) أبحاث في الفنون (168) أبحاث في التاريخ (125) أبحاث في التربية والتعليم (114) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (80) أبحاث في علم النفس (64) مراجعات (61) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) افتتاحية الأعداد (37) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) أبحاث في الإعلام (34) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (24) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) أبحاث في القانون (21) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في العلوم والصحة (17) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة