يطرح تغوّل الوحش التكفيري في العالم العربي والإسلامي، أسئلةً كبرى أمام نُخبه السياسية والفكرية والدينية، فظاهرة نمو التطرف الديني، هي اليوم إحدى أبرز المعضلات التي تواجه المجتمعات العربية، وتؤدي إلى تداعيات خطرة على استقرار هذه الدول وعلى العلاقات الإقليمية والدولية.
وتعقيد هذه الظاهرة والأسباب الموّلدة لنشوئها، بين العوامل الإستراتيجية والدينية والثقافية والسياسية والمجتمعية، يعزَّز من الأسئلة، ويصعّب من مهمة إيجاد الأجوبة، فباتت المجتمعات في حيرة من أمرها أمام كيفية ظهور وحش إرهابي كتنظيم "داعش" يدّعي أنه دولة، ويمارس بعض وظائفها، وقادر على أن يسيطر على مساحات بحجم دول في غضون أيام وأشهر قليلة.
وهنا، تذهب بعض الأجوبة في اتجاه الاختزال أو صدورها عن الانقسامات السياسية والمذهبية، وليس عن المعالجة الأكاديمية الموضوعية.
إن هذا النمو غير المسبوق لانتشار الحركات الإرهابية، يأتي في سياق مخاضِ المجتمعاتِ العربية، والذي يتقاطعُ مع الصراعات الإقليمية والدولية.
فقد تنامت المنظمات المتطرفة بقوة في رحمِ التفكك المتولّد من انفجارِ مجتمعاتٍ عربية عدّة على وقعِ الإنتفاضات الشعبية منذ العام 2011. لكن العلاقةَ المتأزمة والصِدامية بين هذه المنظمات، وبين الأنظمة العربية التي رفعتْ شعارات القومية والإشتراكية، تعود إلى الخمسينات والستينات من القرن العشرين، بخاصة بعد سقوط المشروع القومي العربي عقب هزيمة العام 1967. وتطوَّر الصدام في شكلٍ خاص بعد الثمانينات والتسعينات على وقعِ ترددات الحرب الأفغانية، "إذ شهدتْ فترة الثمانينات في القرن العشرين ازدهارًا ونموًا مضطردًا للفكر الجهادي السلفي في العالمين العربي والإسلامي"[i]، إلى أن أتى الانفجار العالمي الكبير إثر أحداث 11 أيلول 2001 وانطلاق الحرب الأميركية على الإرهاب التي اتخذت أشكالاً شتى، ومثّلت منعطفًا في العلاقة بين النظام العالمي وأيضًا العربي مع الحركات المتشددة.
لكن هذا النمو المتسارع للحركات الإسلامية المتشددة في المجتمعات العربية، يأتي على أنقاض عقود من حكم أنظمة سلطوية كانت بمعظمها، ذات هوية حزبية عقائدية، ترفع شعارات قومية واشتراكية مدنية وغير دينية.
هذا الانتشار يدفعنا إلى طرح إشكالية متعلقة بعامل من عوامل تعزيز هذه الظاهرة، أي دور الأنظمة العربية السلطوية: فكيف ساهمت هذه الأنظمة، بمنطلقاتها وشعاراتها القومية وغير الدينية، في تعزيز التطرف الديني والحركات الإرهابية التي تناسلت من رحمه؟
***
[i]- مروان شحادة، تحولات الخطاب السلفي- الحركات الجهادية، حالة دراسة (1990-2007)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2010.
المصادر والمراجع
1. مروان شحادة، تحولات الخطاب السلفي- الحركات الجهادية، حالة دراسة (1990-2007)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2010.
2. السلفية الجهادية في السعودية، فؤاد ابراهيم، دار الساقي، بيروت، 2009.
3. خلاصات أهم ما كتب عن الجماعات الإسلامية- كتاب: المراجعات: من الجماعة الإسلامية إلى الجهاد، مركز المسبار، دبي، 2011.
4. عبد المنعم أبو الفتوح – شاهد على تاريح الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984، تحرير حسام تمام، دار الشروق، القاهرة، 2010.
5. "الإخوان المسلمون في سوريا – ممانعة الطائفة وعنف الحركة"، مجموعة مؤلفين، دار المسبار، دبي، 2011
6. العقد الأخير في تاريخ سورية- جدلية الجمود والإصلاح، محمد جمال باروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2012.
7. فرنسوا بورجا، ترجمة د. لورين زكري الاسلام السياسي مطبعة النجاح الجديدة ،ط1 1994
- صحف:
1. السفير.
2. الشرق الأوسط.
3. العربي الجديد.
- مواقع إلكترونية لمراكز أبحاث وتفكير:
1. مركز الأنماء للبحوث والدراسات.
2. منتدى الحوار لتجديد الفكر العربي.
3. http://leconservateur.bafweb.com/index.php?2007/11/01/998-differencier-autoritarisme-et-totalitarisme-l-exemple-des-dictatures-du-xx-eme-siecle
4. http://www.lemonde.fr/international/chat/2009/09/10/les-regimes-autoritaires-facteurs-d-instabilite-internationale_1238369_3210.html
- References
· Francais:
1. Francois Burgat, L’islamisme en face, La découverte, Paris2002
· Anglais:
1. The Future of Islam, John.E.Esposito, Oxford University, New York 2010.
(...)