♦ كامل فرحان صالح *
نبذة عن البحث:
تستأثر المذاهب الأدبيّة (The Literary Doctrines)، باهتمام الأوساط الأدبية في مختلف أنحاء العالم، فهي تاريخٌ جوهريّ لأهم العطاءات الإنسانيّة الحضاريّة، وتشكّل معرفة مسوّغات نشوء المذاهب الأدبية، وتغيّرها، وحركيتها، وفاعليتها، والمزايا التي تخصّ كل مذهب من المذاهب، قاعدة انطلاق لا غنى عنها لأيّ باحث أدبيّ، ومثقف، وأكاديميّ، ليعيَ المادة الأدبية التي يقرأها، أو يدرسها ويحللها، فالمذاهب الأدبية هي "عقائد البيئة في عصر معين"1، وهي "حصيلة فلسفية لتبلور نظرة الأمة إلى العالم، والإنسان، وموقفها، وهدفها، ومصيرها، وبالتالي طرائق تعبيرها الفني"2.
من هنا، يحاول هذا البحث مقاربة فاعلية المذاهب الأدبية وحركيتها في الشعر العربي، وهي الواقفة على أرضية متحركة، منذ بداية تشكل نشوئها في بيئاتها وصولاً إلى الشعر عمومًا والشعر العربي خصوصًا، فالمذاهب الأدبية محكومة في نشأتها، وتطورها، بوضع تاريخي اجتماعي محدد، ومحكومة في طبيعتها، وطاقاتها، ووظيفتها، بالوفاء بحاجات اجتماعية معينة، يحددها ذلك الوضع التاريخي والاجتماعي الذي أثمر هذا المذهب أو ذاك، من دون أن يعني ذلك، أن المذهب الأدبي ينتهي في الضرورة، بانتهاء المرحلة التي أنتج فيها.
يطمح البحث أيضًا، إلى أن يقدم مقاربة للمذاهب الأدبية عمومًا، وتجلياتها العربية خصوصًا، عبر ربطها بالحراك الثقافي العربي في عصري النهضة والحديث، إذ كما يسجل أن الشعراء العرب تأثّروا بالمذاهب الغربية، لكن في الوقت نفسه، تباينت سمات هذه المذاهب وخصائصها في شعرهم، فأخذوا من المذهب الأدبي الأساسي ما يناسبهم ويناسب بيئاتهم وطرائق تعبيرهم، كذلك، دمج بعضهم بين مذهبين وأكثر، وبالتالي سيلحظ أنه يصعب القول إن هناك شاعرًا عربيًّا التزم التزامًا كاملاً مذهبًا أدبيًّا محددًا.
يأمل البحث أن يتناول أبرز ممثلي المذاهب الأدبية الغربية في العالم العربي عمومًا ولبنان تحديدًا، هادفًا إلى تبيان ما تشهده هذه المذاهب من حركة مستمرة، وما تشكله في الوقت نفسه، من فاعلية اجتماعية، تعبر عن تطلع الإنسان المبدع إلى التجديد والتغيير باستمرار، وهذا ما يمكن لمسه من رحلة المذاهب الأدبية من محاكاة المثال (الماضي المشرق غالبًا) إلى محاكاة الواقع بتشظياته وقلقه وأمراضه وأحزانه وهزائمه وانتصاراته.....
استعان البحث بعشرات المصادر والموسوعات والمعاجم والمراجع المعنية، وقد أثبت ذلك في الهوامش، ثمّ ذكرها مستقلة، في مكتبة البحث. في هذا الإطار، يبدو من المفيد الإشارة إلى إفادة البحث، من كتاب الباحث د. عبد الرزاق الأصفر: "المذاهب الأدبية لدى الغرب - مع ترجمات ونصوص لأبرز أعلامها"، إذ أفاد البحث من ناحية التعريف بأبرز المذاهب الأدبية الغربية وخصائصها. من دون نسيان، الاستعانة بمعجم جبور عبد النور الأدبي، والمراجع المتخصصة بالمذاهب الأدبية في تعريف بعض المصطلحات الأدبية، كما لم يجد الكتاب حرجًا في الاستعانة أحيانًا، بمواقع الشبكة العنكبوتية للتعريف ببعض الأعلام الغربيين. أما في ما يتعلق بالنصوص الإبداعية الحديثة، فقد التزم الكتاب أخذها من مؤلفات الشعراء مباشرة، وقد خضعت معظم هذه النصوص للتحليل والمعالجة بما يحقق الإفادة من ذكرها.
اعتمد البحث المنهج الوصفي التحليلي الذي يُعدّ مظلة واسعة ومرنة، ويتضمن مناهج وأساليب فرعية مثل المسوح الاجتماعية، ودراسات الحالات التطورية وغيرها. ويقوم هذا المنهج أساسًا على تحديد خصائص الظاهرة، ووصف طبيعتها، ونوعية العلاقة بين متغيراتها، وأسبابها، واتجاهاتها... وما إلى ذلك من جوانب تدور حول سبر أغوار الظاهرة، والتعرف إلى حقيقتها في أرض الواقع، معتمدًا على تفسير الوضع القائم، أي ما هو كائن، وتحديد الظروف والعلاقات الموجودة بين المتغيرات. كما يتعدى هذا المنهج جمع بيانات وصفية حول الظاهرة، إلى التحليل والربط والتفسير لهذه البيانات، وتصنيفها، وقياسها، واستخلاص النتائج منها.
يتضمن هذا البحث، إضافة إلى هذه المقدمة، والخلاصة العامة، ومكتبة البحث، تعريفًا بمصطلح المذهب الأدبي، ونشأته، قبل أن يتوسع في الحديث عن أبرز المذاهب الأدبية، وبدايات حراك كلّ مذهب أدبيّ في الشعر العربي، وأبرز سماته العامة وخصائصه، وأعلامه، والمآخذ عليه.
***
* دكتور في الجامعة اللبنانية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية - kamel farhan saleh
1- ينظر: محمد عبد الله: مقدمة في النقد الأدبي، دار البحوث العلمية، الكويت 1975، ص 113.
2 - للمزيد، ينظر: د. عبد الرزاق الأصفر: المذاهب الأدبية لدى الغرب- مع ترجمات ونصوص لأبرز أعلامها، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1999، ص 6.
ص 183 - 222
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق