Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

مراجعات: في رواية "قجدع" لكامل صالح: لكل إنسان إلهه الخاص

رواية - جنون الحكاية - قجدع - كامل فرحان صالح KAMEL SALEH

المنجي بن العبيدي الميغري *



لكل إنسان إلهه الخاص، بل لكل حال من أحوال ذلك الإنسان إلهه المخصوص. لعل ذلك هو سر تعدد الآلهة في الثقافات القديمة، إنها آلهة تصطنعها الأحداث على الأرض: الخصومات والنزاعات لها إله هو إله الحرب، والشهوة والرغبة والجمال لها آلهة الجمال، والخصوبة لها إله، والحب له إله، والعناد والتمرد يحتاج إلى إله، والانتقام والثأر والغضب يحتاج إلى إله... هكذا دونت الشعوب سيرتها وتاريخها بالآلهة، وجعلت آلهة لمواسم مخصوصة: موسم الخصوبة، وموسم الحصاد، وموسم الفيضان، وموسم التزاوج، بل حتى موسم للتهتك الباخوسي والتمجن ومغازلة الطبيعة المعطاءة.

قصة حياة

قجدع، إله رواية "جنون الحكاية" لكامل صالح الصادرة لدى دار الحداثة في بيروت، أحد الآلهة الجديدة!.
الرواية قصة الحياة، قصة الحيوات بصيغة الجمع، مثلما أن الآلهة هي قصص لحيوات أخرى، في التاريخ. وإذا كانت الآلهة تصطنعها خيالات الناس وحيواتهم وهواجسهم، فإن
قجدع إله اصطنعته خيالات الرواية، وهواجسها وقلقها. وبما أن الرواية هي قصص حياة، أو قصة حيوات، فإن قجدع العظيم، إله يتحاور مع كل تلك الحياتات، ومع شخوص تلك الحياتات.

الممكن والواقع

شخوص الرواية الذين يتحاور معهم قجدع، هو صنيعتهم، مثلما أن الآلهة في كل قصة حياة بشرية هم كائنات اصطناعية، وكائنات ثقافية متعالية ومطلة عن بعد، نحتاج لرقابتها من أجل استمرارنا ومن أجل أمننا النفسي، ومن أجل التواطؤ مع الممكن والواقع.
إن قجدع هو مؤلف الرواية، ما دام قد خرجت من صلبه، ومن نزقه، ومن رغبته المكبوتة أو المعلنة.
لكن في زمن "موت الآلهة" و"موت المؤلف"، فإن شخوص الرواية هم في الحقيقة من ألفوا شخصية هذا الإله "الكاراكوز"، من أجل أن يستخدموه، فيقولون ويعبرون ويتحاكون ويهذون ويهذرون، ويعانقون الجنون. كم من الجنون نحتاج حتى نخاطب الآلهة ونتواطأ معها؟!

الخلق بالمقلوب

تستحضر الرواية قصة الخلق كما يرسمها ويعرضها القران، قصة خلق ادم، لكن الرواية تمارس الخلق بالمقلوب أو بالعكس، فإذا كان الإله هو الذي يخلق الإنسان في القران لينظر كيف يعمل، فإن الرواية، أو "جنون الحكاية" جعل من الشخوص هم من يخلقون إله قجدع، بل هم من ينوبون عنه في صياغة الأحداث وروايتها وافتراض سيناريوهات ومسارات لشخوصها ولأحداثها، ما جعل الرواية وكأنها تكتب كل حين وان بحسب أمزجة الإله أو أي من الشخصيات الفاعلة فيها.
إن قجدع في الرواية إله ديمقراطي، يشترك مع مخلوقاته في: الحب والجنس والسجائر والجنون والفوضى والإحباط، كما يشاركهم الحكي والتخييل.
وإذا كانت الشعوب في السابق تدون لتاريخها وللحظاتها الاستثنائية في هذا التاريخ، ولمواسمها، تدون لكل ذلك بالآلهة، فإن روايتنا تدون لليومي، وللمعتاد، فتجعل له إلها، بل تدون للخيبات وللاحباطات، فتجعل من هذا الإله شريكا فيها يستمع لفتون الحكاية ويقترح حلولا، ويخفف بعض نكدها، أو ينسحب أحيانا كطفل أعجزته الحيل، كما يبدو هذا الإله حميما ودودا، منخرطا في اللعبة، لعبة الحياة والحكي، لعبة اصطنعها واصطنعته، كي يظل هذا الإله "يلعب كأنه لم يكبر يوما".

الرجل اليومي

لعل قجدع هو الإله الذي يسكن في كل واحد منا، وإذا كان الناجحون لا يحتاجون كثيرا للآلهة، فيكفيهم عنفوان وأبهة تفوقهم وغلبتهم، فإن الرجل اليومي، الذي ينهكه هم يومه، هذا الرجل بصيغة المجهول، وهذا الرجل بصيغة الجمع ، وهذا الرجل بصيغة المذكر والمؤنث، هو من يحتاج إلى إله.
ولكن ليس أي إله، وإنما إله يسمع له، ويحاكيه، ويحاوره، ويداعبه، ويغريه، ويزين له. انه يحتاج إلى الإله العظيم قجدع، الذي يخرج من سطور الكلمات. انه يحتاج إلى إله مخصوص يخرج من رأسه، ومن وجع كلماته، ومن صدى خياله ومخياله، انه إله الأدباء والشعراء الغاوون، إله الغواية والتواطؤ والوعد، إله الإبداع والكلمات. انه إله كامل صالح.
تلك هي أحوال الجزء الأول من رواية كامل صالح الذي بدا وحيها يتنزل ذات يوم من زمن الحكي والخيال، ولم يكتب هذا الوحي إلا من بعد إحالته على كتبة الوحي ونسخته من أهل دار الحداثة عام 1999 في حجم متوسط، وفي جزء أول وطبعة أولى، ونحن في انتظار اكتمال نزول وحي قجدع العظيم.

حرقة الشهوة

ليست الرواية إذن قصة بوليسية فيها حبك لجريمة، وتتبع لخيوطها وتشويق واكتشاف مفاجئ لقاتل مخبأ بعناية في تفاصيل الأحداث، وليست الرواية قصة حب عابرة لصحافي ابتدأ حياته بشكل متأخر، وظلت قصة حبه عاطلة عن التفعيل والترسيم، فلا هي بدأت ولا هي انتهت، وليست الرواية قصة رجل ناجح مهنيا، ووجيه اجتماعيا، لكنه عنّين، تقتله حرقة الشهوة مع نساء حارقات مشهيات، فيكتشف عندهن، وعند كل شهوة عورته وعجزه، وقد خرج من بيته ومن حضرة زوجته هربا لإخفائهما، فيقتل كي يداري، وكي ينتقم، وكي يموّه، وتبدأ من ورائه قصة أخرى.
إن الرواية هي قصة كل هؤلاء وغيرهم، ما دامت قصة للحكي الحر.

قصة الذكر

غير ان الرواية هي في الأساس قصة الرجل، أو قصة الذكر، فالإله ذكر، والشهوة ذكورية، ومحركات الحكي ذكورية: وقد حصل القتل من أجل الذكر، والعنف من أجل الذكورة، والنضال يحضر أو يغيب فيخفي أو يظهر ذكورتنا أو خصينا.
إن الذكورة ليست مفهوما جنسا أو جنسانيا فقط ، فيمكن في الحكي وفي مخيلتنا الجمعية ان تستعمل الذكورة ضمن تعابير ارتكاسية للسياسة، أو المال والأعمال والصحافة والمجتمع وغيرها، شأنها شأن "الرجولة".
إن الدين يحتاج إلى الذكورة، والنضال يحتاج إلى الذكورة، والسياسة تحتاج إلى الذكورة، هذا مع ان إسرائيل، المؤنث الوحيد في الرواية، جعلت كل هذه الذكورات تمارس بعيدا، على الهامش، على صفحات رواية يكتبها إله في كوكب آخر.

***

* كاتب جزائري

* جنون الحكاية - قجدع : رواية للكاتب اللبناني كامل فرحان صالح، صدرت في العام 1999 لدى دار الحداثة بيروت، وجاءت في 176 صفحة

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1007) أبحاث في الأدب واللغة (362) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (182) أبحاث في الفنون (168) أبحاث في التاريخ (125) أبحاث في التربية والتعليم (114) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (80) أبحاث في علم النفس (64) مراجعات (61) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) افتتاحية الأعداد (37) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) أبحاث في الإعلام (34) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (24) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) أبحاث في القانون (21) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في العلوم والصحة (17) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة