Al-Hadatha Journal: 32 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 32 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

الافتتاحية: فرانكنشتاين العصر الحديث

د. هيثم فرحان صالح - مجلة الحداثة
هيثم فرحان صالح *

Editorial: A Modern-Day Frankenstein

Dr. Haytham Farhan Saleh *

يحكم التاريخ على الشعوب تبعًا لما تضيفه إلى ثقافة الشعوب الأخرى النامية معها في الوقت نفسه، وتبعًا لما تضيفه إلى الثقافات التي تقوم في ما بعد. ويرى الناقد والشاعر ت. س أليوت (Thomas Stearns Eliot) أن الثقافة لا يمكن أن تكون واعية كل الوعي، إن فيها دائمًا أكثر ممّا نعيه، ولا يمكن تخطيطها لأنها هي أيضًا الأساس اللاواعي لكل ما نقوم به من تخطيط(1). لطالما جذبت الثقافة اهتمام رجال السياسة، ولا يعني هذا أنّ الساسة هم دائمًا رجال ثقافة؛ إذ عدّت الثقافة أداة للسياسة، وقسمًا منها، وحيث إن الثقافة هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن السعي إليه عن عمد، غير أنّ رجال السياسة سعوا إلى إصلاح الثقافة وتوجيهها، إلاّ أن السياسة تبقى منشطًا واحدًا من المناشط التي تحقق الثقافة نفسها من خلالها.
كانت الصور المتخيّلة عن المثقف تتجه إلى تأكيد الفردية Individualism، ونُظر إلى المثقف في القرن التاسع عشر(2) إلى أنه إنسان معتزل لا يتكيّف مع المجتمع، وقد وصفه مفكرون باللامنتمي، والمتمرد، ويشير الفيلسوف أنطونيو غرامشي (Antonio Gramsci) إلى المثقف العضوي الملتزم قضايا مجتمعه، ويرى أن كل طبقة اجتماعية لديها مثقفوها العضويّون الذين يخدمون مصالحها، رافضًا فكرة أنّ المثقف منفصل عن مجتمعه.
طوال القرن العشرين، هجس العالم بتطور التقنيّات، وصولاً إلى انبلاج عصر الشبكة Net، وكما قيل قديمًا في الصين: لا أحد يستطيع الإفلات من الشبكة. ومع بدايات الألفية الثالثة، دخلنا عصرًا جديدًا كليًّا نتيجة تطور التقنيات، هو عصر شبكات التواصل الاجتماعي أحد تجلّيات العصر الرقمي، بحيث سهّل ذلك التواصل بين الأفراد باللحظة نفسها مع أقرانهم على مستوى العالم؛ اتّصال لحظي في أرجاء المعمورة كافة، ما وصفه البعض بانضغاط الزمان بالمكان (الزمكان) وتأثيراته اللامتناهية. وقد ساهم ذلك من جهة، في عصر ما بعد الحداثة، أو العصر ما بعد الصناعي، بالنزعة التمييزية في نزاع الفردية، أي الفردانية التي تعززها وسائل التواصل الاجتماعي، مع اتجاه لجعل الإنسان بتطور وعيه، أن يعرّف نفسه مواطنًا عالميًّا ذا هوية إنسانيّة عامة لا حدود لها، وبالتالي طُرح السؤال مجددًا عن تضارب الهويات، واستطرادًا: ما معنى المثقف ودوره في عصرنا الحالي، والقادم، أي من إشكالية تعريف الهوية إلى إشكالية تعريف المثقف؟ وإنّ كل ما يحدث من تطور، يشكّل تحدّيًا للبشرية جمعاء، وتحديدًا للعقل البشري، إذ كيف لنا أن نتعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات في عصر النت؟ وما السبيل إلى هضمها، لاستخدامها في تسهيل حياتنا، وتنمية وعينا؟ وكيف لنا أن نعالج المعلومة، لنبتدع منها ما يفيدنا في تيسير شؤون علاقتنا الإنسانية في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ فمن جهة يطرح ذلك التطور قضايا جديدة على العلوم الإنسانية بصفة عامة، وعلى العلوم الاجتماعية بشكل خاص، فالإنسان كائن اجتماعي إن تواصل بالصورة أو تواصل بالأصل الحسّي المباشر.
ما يحدث، سبّب التباسًا حادًا بتعريف هوياتنا وذواتنا، والأخطر هو، الذهاب إلى أن يشعر الإنسان بفقدان الثقة بنفسه، وهذا ديدن الرأسمالية في عصر التشيّؤ Reification، فنحن لسنا أمام سؤال المشاركة في التقدم العلمي فحسب، إنما في قدرتنا على استخدام أدواته أيضًا. فالتحديات مطروحة على كل شعوب الأرض، صحيح بدرجات متفاوتة، لكن نوع التحديات الجديدة هي واحدة، وأحد أهم هذه التحديات والمخاوف، أن الإنسان نفسه سيصبح لزوم ما لا يلزم، ولا سيما بعد أن يتمكّن الذكاء الاصطناعي من تطوير وعي ذاتي على سبيل المثال. لكن كل ذلك يطرح سؤالاً أكثر عمقًا: ما هو الوعي؟ وكيف لنا أن نحدد تعريفًا واضحًا للذكاء، لنحلّ معضلة ذكاء مصطنع، عن أصل لا نعرف تحديدًا، أو حدودًا له، وهو الذكاء البشري؟
يقول ألبرت أنشتاين (Albert Einstein): "إن الخيال أهم من المعرفة"، هذا الخيال هو من ساهم في صنع الذكاء الاصطناعي والتقنيات بشكل عام. فالذكاء من جهة، يتمثّل في مدى قدرة الإنسان على التعامل مع عدة عمليات متنوعة باللحظة نفسها، وبالتالي اتخاذ القرار بالتصرف. لعل ما ينقص الذكاء الاصطناعي هو في مدى قدرته على التنويع، والتصنيف، والتعددية التي يتمتع بها الدّماغ أو العقل البشري، وفي قدرته على التأقلم مع المستجد. وهذا لا يعني الاستكانة، بل يدعونا إلى تحفيز خيالنا البشري، لإيجاد الحلول للتحديات المطروحة علينا جميعًا.
لطالما شكّل الخوف دافعًا أساسيًّا للعلاقات الإنسانية، وللتصرف الإنساني وأشكاله على مرّ العصور، الخوف من الطبيعة إلى الخوف من الفقد والأمراض والحوادث والوحدة... إلخ إلا أنّ المخاوف الجديدة التي ظهرت مع تطور وسائل التواصل والتقنيات، ستشكل حافزًا جديدًا للإنسان للإمساك، والتحكم بمصيره الذي يضعف شيئًا فشيئًا، بوجه قوى ناشئة تفلت من تحت سيطرته، وقدرته على الإمساك بزمام الأمور، من "الإنسان الصياد" إلى "الإنسان التقني"، إلى الآلة وإنسانها المصطنع فرانكنشتاين (Frankenstein) العصر الحديث.
نحن أمام معضلات شتى، بحيث يجبرنا التطور على التعامل مع المستجد، ومواجهة أخطاره المحتملة، من خلال العمل على المزيد من أنسنة التكنولوجيا ودمقرطة المعرفة، بحيث يشارك الجميع في هذه المهمة الملقاة على كاهل الجميع دون استثناء.

***

* باحث لبناني. حائز شهادة دكتوراه في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية. له العديد من المؤلفات.

* Dr. Haytham Farhan Saleh: Lebanese researcher. He holds a PhD in political science from the Lebanese University. He has many publications

*

(1) ت. س أليوت (2001)، ملاحظات حول تعريف الثقافة، تر. شكري محمد عياد، مكتبة الأسرة.
(2) ادوارد سعيد (1996)، صور المثقف، بيروت: دار النهار.

الحداثة (Al Hadatha)
صيف 2025 Summer
العدد: 236 ISSUE
مجلد: 32 .Vol
ISSN: 2790-1785

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (1095) أبحاث في الأدب واللغة (385) أبحاث في الثقافة الشعبية (247) أبحاث في العلوم الاجتماعية (193) أبحاث في الفنون (174) أبحاث في التاريخ (137) أبحاث في التربية والتعليم (128) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (88) أبحاث في علم النفس (72) أبحاث في الفلسفة (63) مراجعات (63) صيف 2019 (42) أبحاث في الإعلام (41) محتويات الأعداد (41) افتتاحية الأعداد (40) شتاء 2020 (38) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) خريف 2023 (34) خريف 2024 (34) شتاء 2025 (34) أبحاث في الآثار (33) ربيع 2025 (33) شتاء 2024 (33) صيف 2024 (33) الحداثة : أعلام (32) ربيع 2024 (32) شتاء 2021 (31) الحداثة في الإعلام (27) أبحاث في القانون (26) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) نوافذ (24) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) صيف 2025 (22) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) أبحاث في العلوم والصحة (19) شتاء 2019 (19) أبحاث في كورونا (covid-19) (18) خريف 1994 (18) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) ملف الحداثة (15) أبحاث في الجغرافيا (14) أبحاث في الإدارة (12) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) أبحاث في الحقوق (8) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة