مجلة الحداثة Al Hadatha: خدمة المجتمع من الإطار المدرسي

خدمة المجتمع من الإطار المدرسي

رائد عصام محسن *

Community service from the school framework

- Dr. Raed Issam Mohsen

مستخلص

عرف اللبنانيّون العمل الاجتماعي منذ القرن التاسع عشر الذي اقتصر على تأسيس دور الأيتام، والملاجىء، والمشافي للمعوّزين، والمرضى من قبل الرهبانيّة اللبنانيّة والجمعيّات الدينيّة المختلفة، والإرساليات الأجنبيّة التبشيريّة الأمريكيّة والفرنسيّة والانكليزيّة، والميسورين اللبنانيين، إلى أنْ برزت بعد منتصف القرن التاسع العاشر "جمعية المقاصد الإسلاميّة الخيريّة" التي تأسّست عام 1878، واستطاعت مع باقي الجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة أنْ تقدّم خدمات اجتماعيّة وانمائيّة جليلة للمحتاجين منها، الهبات الماديّة، والرعاية الصحية، والتعليم، وتعلّم بعض الصناعات اليدوية البسيطة في مختلف المناطق اللبنانيّة[1].

ارتبط مفهوم خدمة المجتمع بطبيعة المجتمع اللبناني وتقاليده وعاداته الاجتماعيّة، ولم تغب عنها فكرة المعونة لدى العائلات اللبنانية خاصة في القرى، وكانت المبادرات التعاونيّة، فرديّة أو جماعيّة وظرفيّة متقطعة، لكن الحرب الأهليّة عام 1975 أثرت سلبًا في أنماط الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وظهر التعصب الطائفي بين المواطنين، وأصبح الولاء للمناطق والمذاهب بدلًا من أنْ يكون للوطن أولًا، وبقي الواقع الاجتماعي والسياسي متأزمًا في البلد، ومر بمراحل صعبة أثرت بطريقة سلبيّة على الواقع التربوي الذي شهد آخر إعداد لمناهجه الدراسيّة عام 1997[ii]، ممّا جعل المسؤولين السياسيين والتربويين يواجهون قضية وطنيّة وتربويّة مصيريّة في كيفيّة اعداد الأجيال اللبنانيّة لمستقبل جديد ومُشرق، لكي يكونوا مؤتمنين على الوطن، ومتمسكين بمفهوم العيش المشترك، ومؤمنين بنبذ الطائفيّة، إلى أنْ أصدر وزير التربية الأسبق حسان دياب القرار 4/م/2013 الذي يتعلق بتطبيق مشروع "خدمة المجتمع" لتلاميذ المرحلة الثانويّة، ثمًّ صدر القرار رقم 607/م/2016 في عهد وزير التربية السابق الياس بو صعب، القاضي بتحديد آليّات تطبيق هذا المشروع في الثانويّات اللبنانيّة الرسميّة والخاصّة، وشدّد على الزاميّته ليكون متممًا للمناهج الدراسية بمعدل 60 ساعة خدمة فعليّة خلال السنوات الثلاث من المرحلة الثانويّة، توزع 15 ساعة منها داخل المدرسة لإعداد العمل والمشاريع، و45 ساعة عمل في الخدمة الاجتماعيّة التطوعيّة خارجها.

شهد لبنان عندما تألفت حكومة الوفاق الوطني عام 2016، استقرارًا وتضامنًا جمع معظم أحزابه وطوائفه بجهد رئيس البلاد، وبدأت وزارة التربية بمبادرة تأليف اللجان التربوية التي ستضع الخطط والاستراتيجيّات لإعداد مناهج دراسيّة جديدة تتلاءم مع متطلبات المجتمع اللبناني، ومع واقع التقدم التكنولوجي السريع الذي شهده العالم ويتأثر به لبنان، لتكون متوافقة مع تلبية حاجات سوق العمل الجديد، وليتحقق بها ترسيخ الأهداف التربوية التي لم تغب أساسًا عن مضامين مناهج 1997، التي جلّ اهتمامها التربية على المواطنة، وإعداد المتعلم اللبناني للمشاركة في الحياة العامة، متمسكًا بأرضه ووطنه أولًا، وأنْ يتمتع بروح المبادرة في العمل التعاوني الاجتماعي، ويؤمن بحرية المعتقد والتعبير والانفتاح على الآخرين.

بدأت خدمة المجتمع على شكل خدمة فرديّة، نابعة من نشاط اجتماعي تتطوع له مجموعة من الأفراد والمؤسّسات والجمعيّات الأهلية، بقصد مساعدة فئة من المواطنين المحتاجين في المجتمع، وللمدارس دور في توجيه المتعلمين لمساعدة الفقراء والضعفاء في المجتمع المحلي، يتم على سبيل المثال لا الحصر، جمع التبرعات الماديّة والوحدات الغذائيّة والألبسة، ليقدموها إلى المحتاجين والجمعيّات الخيريّة، وخاصة في فترة الأعياد الدينيّة، وتحثّ الإدارة المدرسيّة المتعلمين الشباب للمشاركة في الخدمة الاجتماعيّة من خلال التطوع في أنشطة الجمعيات الأهلية المحليّة والفرق الكشفيّة المدرسيّة والمنظمات الدوليّة كمؤسّسة "الصليب الأحمر اللبناني" و"الدفاع المدني" وغيرها من المؤسّسات الإنسانيّة.

إنَّ خدمة المجتمع التطوعيّة كانت ولم تزلْ، نموذجًا للعطاء يقوم بها الأفراد والجماعات كمساعدة تقدم لأبناء المجتمع المحلي، وهي متقطعة وعشوائيّة، غير منظّمة، وقد تكون غير موجّهة، وهي غير ربحيّة، إلا أنَّ العديد من المدارس في مجتمعات الدول المتقدمة ومؤخرًا دول الخليج العربي، بدأت تُثمن خدمة المجتمع الالزاميّة، وتُعيرها أهميّة كبرى في أنظمتها التربويّة انطلاقًا من المناهج الدراسيّة وما تحمله من أهداف ومضامين وأنشطة تُسهم في تطوير المهارات الاجتماعيّة والعقليّة لدى المتعلمين، بهدف بناء الانسان والمجتمع معًا، كونها متمّمة للمناهج الدراسيّة، وموجهة من مشرفين تربويين من المدارس وتتم بإشراف وزارة التربية، تتميّز بأنها دائمة، متجدّدة ومتعدّدة المجالات وبحجتين تحملان بعدين،

- البعد الأول ضرورة مشاركة المتعلمين في الخدمة الاجتماعية لتعزيز العمل التضامني بين المواطنين.

- البعد الثاني مرتبط بتطبيق النظريات المعرفيّة التعليميّة، لتكون تعلميّة يكتشف فيها المتعلم واقع الحياة والإنسانيّة ويُمارس دوره في المجتمع بمسؤوليّة وحسّ وطني، ليشارك في التغيير وتنمية المجتمع وتطوّره.

نتناول في هذه الدراسة، خدمة المجتمع التطوعيّة (Community Service) ومراحل تطورها لتصبح خدمة الزاميّة Learning Service)) أو (Community Engagement) متمّمة للمناهج الدراسية، يقوم بها تلاميذ المدارس لتعزيز انتمائهم الوطني وترسيخ قيم المواطنة لديهم، وسنقوم بدراسة أهميتهما في المجتمع اللبناني من المنظور التربوي، وانطلاقًا من دور المدرسة في تعزيز القيم الاجتماعيّة والانسانيّة والوطنيّة لدى المتعلمين، ولتسليط الضوء على ما يقدّمه المتعلمون الشباب للوطن، انطلاقًا من مجالات يمكن العمل فيها لخدمة المجتمع المحلي، ولنبرز الدور الأساس للمدرسة ووظيفتها الاجتماعيّة بتكوين شخصيّة المواطن المزود بالعلوم المعرفيّة والتكنولوجيّة ومؤمنًا بقيمه الاجتماعيّة والوطنيّة.

- الكلمات المفتاحية: الخدمة المجتمعية؛ النظريات التعليمية؛ المناهج الدراسية؛ المجتمع اللبناني؛ الطلاب؛ المدرسة

- Keywords: community service; Educational theories; Curricula; Lebanese society; the students; the school

***

* باحث لبناني. دكتوراه في التربية، كلية التربية – جامعة القدّيس يوسف في بيروت

* Lebanese researcher. PhD in Education - Faculty of Education - Saint Joseph University in Beirut

[1]- نعمت كنعان، الخدمة الاجتماعية في لبنان

[ii]- وزارة التربية والتعليم العالي، تحديد مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي في لبنان، المرسوم رقم 10227، تاريخ 08/05/1997.

المصادر والمراجع

- (بدر) ميشال، المجلة التربوية، خدمة المجتمع: مشاركة وانتمائه، المركز التربوي للبحوث والإنماء، العدد 54، حزيران 2013.

- (عبد الباقي) هدى، خدمة الجماعة، بيروت، مؤسسة بحسون للنشر والتوزيع، 1996.

- (كنعان) نعمت، الخدمة الاجتماعية في لبنان، بيروت، منشورات مركز التدريب الاجتماعي، 1980.

- (كنعان) نعمت، العمل الاجتماعي في لبنان، بيروت، مطبعة رعيدي، 2008 .