Al-Hadatha Journal: 31 years of communication - Welcome to the site (under construction). Here we publish Abstracts of research

بحث - Search

مجلة الحداثة: 31 عامًا من التواصل - أهلا بكم في الموقع الترويجي (قيد الانشاء) ننشر هنا ملخصات عن الأبحاث

المشاهدات

الافتتاحية: إنّه عصر الرواية

د. جان عبد الله توما - مجلة الحداثة



جان عبد الله توما *


Editorial: It is the age of the novel
-Dr. Jean Touma *

إنّه عصر الرّواية. هو سعي النّاس إلى التّماثل ومحاكاة الما بعد. كأنّه مكتوب للنصّ أن يصيرَه كلّ ملتهم معرفة، ولاهث وراء صورة، ولمّام الجمال أنّى كان. تأتي الرّواية لتحتضن هذه المشاعر كلّها، حواسًا وشوقًا إلى الماورائيّ، بديلًا من تداني الواقع الجاف، حيث يبدو المرء مستسلمًا إلى مهارات الحاضر في اقتناص العقول، وتعليب الأفكار، وكبسلة المفاصل الثّقافيّة.
هو عصر البحث عن البطل السرديّ، ذاك الذي رسمه الناقد السعوديّ معجب العدوانيّ بصفاته: "المثاليّة، والشجاعة، والصدق، والنزاهة وغيرها، وأيضًا محاربًا للشّر، مصارعًا من أجل الخير، وتحقيق العدالة". هذا بحث عن الشّخصيّة الخارجة من ضعفات البشر إلى مصادر القوة الفاعلة الأسطوريّة، كأنّ الرواية العربيّة اليوم تنهج مسرى فضاءات الملاحم اليونانيّة، وما بُني على المبالغات في الحكايات الشعبيّة العربيّة، أو المعرّبة، كما في "ألف ليلة وليلة"، وبطولات السندباد، وبساط الريح والفانوس السحريّ، تتداخل المعطيات في الرواية حتى لتبدو كالخارجة من نار لا تُحْرِق ولا تحترق، كالآتيات المنتظرة والممتنعات، كالضدّ وضدّه، لذا تأتي أنسنة الرّواية من بناء مخرج عبور من مكان إلى المكان، ومن زمان إلى الزمان.
إنّه عصر الرواية، ولو اختلفت شخصيّة الراوي في هذا العصر الرقميّ الكاسح الماسح، حيث تكبر الفجوة لنختنق داخلها عابرين بإرادة مسلوبة، مستسلمة، صاغرين. تبقيك الرواية الورقيّة على اتصال إنسانيّ مع الماورائي، تخترعه، تركّب معارجه وساحاته وأماكن اللقاء، تعلّق بيديك إطارات الصور على حيطان الرواية، الخوف اليوم من تحوّل العصر، وقد تحوّل ربّما، من مقولة ديكارت (Descartes): أنا أفكر إذا أنا موجود" إلى حالة جديدة عجيبة قد تُختزل بعبارة "أنا موصول، إذا أنا موجود"، فهو أسير اتصال سلكي أو لاسلكي، ولكنه من نار حارقة، تلفح وتحرق، وتترك البشر كالأيّائل الملتهمة شيئًا ضارًا، فتسعى إلى مجاري المياه لتطفئ حرقة أحشائها. من هنا كشفت الأستاذة اللبنانيّة في كلّية الإعلام نهوند القادري عيسى في مقالتها "التموضع العربيّ في البيئة الرقميّة: رهانات وتحديات": عن كون "هذه التقنيات التي عُدّت وسائل تحرّر، وسائل جديدة صارت تشكّل من الرقابة ومن الضغط، في الوقت عينه؛ فبتنا نشهد رواجًا للأدوات الذكيّة التي تجمع المعطيات عن المستخدمين، وهو ما يُمكّن الـ"بيغ داتا" من شقّ سريرتنا، والكشف عن المعنى الخفيّ لسلوكنا، بغرض فهم انفعالاتنا، واستباق رغباتنا، ومراقبتنا وإيقاظ المستهلك الراقد في داخلنا؛ ففي ممارسة الشبكات الاجتماعيّة يحصل انتهاك للخصوصيّة والداخليّة، بهذا تسير بنا الثورة الرقميةّ إلى عالم حيث الإنسان يكون مفصولاً عن نفسه، وينتهي إلى أن يكون قابلًا للرقابة المطلقة من دون إكراه ولا عنف."
في المقابل، فإنّ الذهاب إلى الرواية يجعلك تَكْتَشف بدل أن تُكشَف، لأنّك وأنت تقرأها تكون السيّد على متاهة خيالك، ولو قادك راوٍ إلى مسالكه، ليضع بين يديك قنديل سفر، ومصباح "ديوجين" الباحث عن الحقيقة في عزّ الظهيرة. إنّ قارئ الرواية، معزول عن عجقة العالم بإنجازاته، منصرف إلى السكينة برويّة أحرف الأبجديّة الناطقة بجمادها وصمتها. القارئ في الرواية مبحر في أمداء الفضاء السرديّ، حيث تسلّمه مجرّة إلى مجرّة أخرى، فيما الفضاء الرقميّ يجرّه إلى الثقب الأسود ليصير الرقم المستهدف والمطلوب.
إنّ القارئ يغرق في الحيّز الرقميّ، وفي مدّه المتوالي، فيما تدعـــوه الرواية إلـــــى إطـــلاق اسم من يحبّ على الكواكب والمجرّات وما يبصره بمرصد قلبه، ألـــم يطلق المؤلفون على كتبهم أسماء تشعر وتحسّ وتئن؟: "زينب" لمحمد حسين هيكل، "روميــــو وجوليت" لوليم شكسبير، "ميرامار" لنجيب محفوظ، "مدام بوفاري" لغوستاف فلوبير، "آنا كارنينا" لليو تولستوي، وغيرها، لم تكـــن يومًا مجرّد روايات، بل شكّلت كتل نار رفعـــــــها الروائيون كواكب وشهبًا في الفضاء الروائيّ السرديّ.
انطلاقًا من هذه المنصّة تذكر الناقدة المصريّة والروائيّة رضوى عاشور أنّ "كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق" لأحمد فارس الشدياق هو أوّل رواية عربيّة، أو سيرة روائيّة، وأنّ الفارياق (ابن النحس) هو الشخصية الأساسيّة، وهو اسم مشتقّ من اسم الكاتب الأول ولقب عائلته (فارس والشدياق)"، وفي هذه السيرة يشير الناقد اللبنانيّ صبحي عبد الوهاب إلى فرادة كتاب الشدياق في "مسألة التفكير في خيارات اللغة والأسلوب أثناء التأليف، انتقال بين الفصحى والعاميّة، النفور من علامات الترقيم".
هذا لا يعني أن لا عجائبيّة للرواية، بل هي وريثة النصوص المقروءة والمحكيّة والمسرودة والمتداولة في المجالس المتنوّعة. كلّ رواية هي ترجمة لتراكم ثقافيّ وغنى في خزانة حفظ التراث، وهي ذات قدرة على مواكبة الحياة، بتفاصيلها الظاهرة والمخفيّة والماورائيّة والمتخيّلة، لذلك أكّد الفيلسوف اللغويّ الروسيّ ميخائيل باختين (Mikhail Bakhtin) على المنحى التجدّدي للرواية تحديدًا، فهــي بالنسبة إليـــه النوع الأدبيّ الوحيد الذي ما زال في طور التكوّن، لكون الرواية تَكتب ما ينتجه التاريخ، وجديدها هو جديده.
ما يفيدنا من هذا كلّه في مجلة رائدة كمجلة "الحداثة"، المنصة الثقافيّة العامرة والواعدة، الإشارة بوضوح إلى أنّ العصر، ولو كان عصر الرواية، إلّا أنّ الرواية العربيّة، وربّما العالميّة، ستبقى دائما في انتظار حكواتيها، أو راويها، أو رائيها، ليكتبوا لنا الرواية التي لم تُكتَب بعد.

***

* باحث لبناني. أستاذ دكتور (الجامعة اللبنانية). رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الجنان

* Lebanese researcher. Professor Doctor (Lebanese University). Head of the Department of Arabic Language and Literature at Jinan University

الحداثة (Al Hadatha) – ع. 229/230 – خريف/شتاء 2023 – 2024 Autumn /Winter

ISSN: 2790-1785

ليست هناك تعليقات:

اقرأ أيضًا

تعليقات القرّاء

راسلنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيفات وأعداد

Al Hadatha (975) أبحاث في الأدب واللغة (349) أبحاث في الثقافة الشعبية (245) أبحاث في العلوم الاجتماعية (179) أبحاث في الفنون (167) أبحاث في التاريخ (123) أبحاث في التربية والتعليم (108) أبحاث في العلوم السياسية والاقتصادية (77) أبحاث في علم النفس (61) مراجعات (59) أبحاث في الفلسفة (55) صيف 2019 (42) شتاء 2020 (38) محتويات الأعداد (38) خريف 2020 (37) ربيع 2020 (37) افتتاحية الأعداد (36) خريف 2019 (35) صيف 2020 (35) خريف 2023 (34) ربيع 2024 (34) شتاء 2024 (33) أبحاث في الآثار (32) الحداثة : أعلام (32) أبحاث في الإعلام (31) شتاء 2021 (31) خريف 2016 (26) شتاء 2017 (25) الحداثة في الإعلام (23) ربيع 2021 (23) صيف 2018 (23) صيف 2023 (23) نوافذ (23) خريف 2018 (22) ربيع 2022 (22) صيف 2017 (22) شتاء 2022 (21) خريف 2021 (20) ربيع 2017 (20) ربيع 2023 (20) صيف 2021 (20) أبحاث في القانون (19) شتاء 2019 (19) خريف 1994 (18) أبحاث في كورونا (covid-19) (17) صيف 2022 (17) خريف 2001 (16) خريف 2022 (16) شتاء 2023 (16) أبحاث في العلوم والصحة (15) ملف الحداثة (15) ربيع 2019 (12) شتاء 2000 (12) شتاء 1996 (11) شتاء 2018 (11) خريف 1995 (10) ربيع 2015 (10) أبحاث في الجغرافيا (9) خريف 2004 (9) صيف 1997 (9) خريف 2017 (8) ربيع 1999 (8) ربيع 2016 (8) ربيع وصيف 2007 (8) شتاء 1998 (8) شتاء 2004 (8) صيف 1994 (8) صيف 1995 (8) صيف 1999 (8) أبحاث في الإدارة (7) شتاء 1999 (7) شتاء 2016 (7) خريف 1996 (6) خريف 1997 (6) خريف 2013 (6) ربيع 2001 (6) شتاء 1995 (6) شتاء 2013 (6) صيف 2000 (6) صيف 2001 (6) صيف 2002 (6) خريف 1998 (5) خريف 2000 (5) خريف وشتاء 2003 (5) ربيع 1996 (5) شتاء 1997 (5) صيف 2003 (5) صيف 2009 (5) ربيع 2002 (4) شتاء 2011 (4) صيف 1996 (4) صيف 2008 (4) خريف 2003 (3) خريف 2009 (3) خريف 2010 (3) خريف 2015 (3) خريف شتاء 2008 (3) ربيع 1995 (3) ربيع 1998 (3) ربيع 2000 (3) ربيع 2003 (3) ربيع 2012 (3) ربيع 2018 (3) شتاء 2001 (3) شتاء 2010 (3) صيف 1998 (3) صيف 2005 (3) صيف 2010 (3) صيف 2014 (3) صيف خريف 2012 (3) العدد الأول 1994 (2) خريف 1999 (2) خريف 2005 (2) خريف 2014 (2) ربيع 2006 (2) ربيع 2011 (2) ربيع 2013 (2) ربيع 2014، (2) شتاء 2005 (2) شتاء 2012 (2) شتاء 2014 (2) شتاء 2015 (2) صيف 2006 (2) صيف 2011 (2) صيف 2013 (2) صيف 2015 (2) الهيئة الاستشارية وقواعد النشر (1) خريف 2011 (1) ربيع 2004 (1) ربيع 2005 (1) ربيع 2009 (1) ربيع 2010 (1) ربيع 2014 (1) شتاء 2007 (1) صيف 2004 (1) صيف 2016 (1) فهرس (1994 - 2014) (1) مجلدات الحداثة (1)

الأكثر مشاهدة