كامل فرحان صالح *
“The Unitarian (Druze) Scholars in the Twentieth Century: Renaissance Contributions”
-Dr. Kamel Saleh *
واكبتُ الباحثة ليلى رامز أبو شقرا في مناقشة أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها في 28 أيار 2021، وها أنا أواكبها اليوم، كاتبةً تدخل باب التأليف والنشر، عبر طرحها موضوعًا جديدًا من حيث التناول المحدد لدور خمس شخصيات لبنانية عربية، في عملية النهوض عبر المستويات الفكرية والأدبية والسّياسية والاجتماعية في القرن العشرين. ومما لا شك فيه، أن الشّخصيات المختارة، قد ساهمت مساهمة ملحوظة على المستوى العربي عمومًا واللبناني خصوصًا في محطات دقيقة من تاريخنا الحديث... وهذه الشّخصيات هي:
أمير البيان الأمير شكيب أرسلان (1869-1946)، وأمير السّيف والقلم الأمير عادل أرسلان (1887-1954)؛ والاثنان من بلدة شويفات، والمؤرخ عجاج يوسف نويهض (1897- 1982) من رأس المتن، والشيخ عارف يوسف أبو شقرا (1899- 1958) من بلدة عمّاطور الشوف، والقاضي والأديب عارف أمين نكد أو النكدي (1877-1974) من بلدة الشّحار الغربي.
هؤلاء خمسة أعلام في الأدب والفكر والتاريخ والسياسة، غاصت الباحثة في بحور أعمالهم وعطاءاتهم الأدبية والفكرية والاجتماعية، بهدف بلورة الإجابة عن سؤال: من نحن؟ الذي طرحته في كتابها: "حماة الثغور: العلماء الموحدون في القرن العشرين: إسهامات نهضوية"، الصادر حديثا لدى دار النهضة العربية في بيروت في 420 صفحة، وقد ضمّ ثلاثة فصول، عالجت فيها الباحثة، بعد التعريف بالمفكرين الخمسة، مساهمة هؤلاء العلماء في الحياة الفكرية العربية إلى جانب النهضة الأدبية واللغوية في القرن العشرين.
لم تكتف ليلى باعتماد مدوّنات العلماء الخمسة وأعمالِهم في كتابها، إنما عادت إلى عشرات المصادر والمراجع العربية والأجنبية، والمعاجم والموسوعات، والصحف والدوريات، فضلًا عن المقابلات الشخصية المباشرة، ومتابعة المواقع الإلكترونية والمحطات الإعلامية والمؤتمرات... وكل ذلك، بهدف تقديم عمل أدبي - تاريخي يعتمد الطرح الأكاديمي من حيث الجمع والعرض والتحليل والاستنتاج. وقد بدت من خلال عملها هذا، تتمتع بقدرات بحثيّة في جمع المعلومات، وفي عرض الآراء ومناقشتها بموضوعية وبتوثيقها حيث يلزم، كذلك التعمق في موضوعها والسعي الواضح لاستيفائه من الجوانب كلها.
لقد تسنّى لي، بحكم عملي الأكاديمي، أن واكبت عشرات الباحثات والباحثين في رحلتهم الأكاديمية، وحملت ذاكرتي سماتٍ معينةً ومحددةً من كلّ باحث وعمله، لكن عندما تستعيدُ الذاكرة جلسةَ مناقشة أطروحة ليلى، أجدني أبتسم؛ فليلى صاحبة الابتسامة الدائمة، حتى تخال أن البسمة جزءٌ من طبيعة وجهها، تحضر في كامل إصغائها وتواضعها وصبرها وشغفها العلمي. ولعل هذه السمات البسيطة: أي الصبر، والتواضع، والشغف، ما ينقص للأسف، بعض من واكبتهم أو تابعتهم؛ فصبر ليلى أعانها على تحمل الصعوبات والمعوقات، والبطء المتوقع في التقدم في العمل الأكاديمي. وأعانها التواضع على الإصغاء إلى ملاحظات أساتذتها من مشرفين ومناقشين لعملها، والأخذِ بها، لتقولَ لنفسها: إنه مهما بلغت معرفتي في القضية المطروحة، فهناك جوانب لم تزل خفيّة عني. ولا شك أن الصبر قد أعانها أيضًا، على الخروج من اليأس الذي يصيب كل باحث في العادة، والاستمرار في العمل، وها نحن نحتفي اليوم بثمار هذا الصبر.
أما الشغف فقد أعان ليلى، بأن تحقق طموحَها في الارتقاء المعرفي والأكاديمي، وأن البحث الذي أنجزته يشكل قيمةً معنويةً لها ومعرفية للآخرين، إذ من المنتظر أن يصبح كتابُ ليلى هذا، مرجعًا لعشرات الطلاب والباحثين. وبالتالي شكل الشغف دافعًا لها، لأن تفتخر بكتابها هذا دائمًا وأبدًا.
ليلى تنطلق من همٍّ يلحظه القارئ في كامل كتابها، وهو همّ إبراز مساهمات هؤلاء العلماء الخمسة في نهضتنا الأدبية والفكرية والسياسية والاجتماعية، وبالتالي، يجدها القارئ في غير مكان من صفحات كتابها، مشغولة بقول كل شيء، وكأنها تدافع عن قضية وجود وهوية لا قضية تتعلق بالأدب والفكر والتاريخ فحسب.
هذا المنحى في العمل قد يربك المشتغل في العمل المنهجي والأكاديمي، كون الذاتية تطغى أحيانًا على العمل الموضوعي، فتبدو الدوافع كأنها تتكئ على أبعاد يشوبها غير علامة استفهام.
وهنا أسأل ليلى: هل يحتاج: شكيب وعادل أرسلان، وعجاج نويهض، وعارف أبو شقرا، وعارف النكدي، إلى النظر إليهم من زاوية مذهبية أو مناطقية؟ ألم يضع كل علم من هؤلاء العلماء بصمتَه المضيئة في تاريخنا اللبناني والعربي الحديث والمعاصر؟ لا شك أن ليلى تعرف الإجابة الشافية عن تساؤلي، لكن، ما رأيته - وأنا المشغول في اللغة والأدب - أنني استمتعت بأعمال هؤلاء، وبما قدموه في غير مجال من مجالات اللغة والأدب والفكر، وبمواقفهم المشرّفة من قضايا الأمة في خطاباتهم ورسائلهم والمؤسسات التي أنشأوها.
أفهم القلق الذي عاشته ليلى عندما اختارت أن تغوصَ في عطاءات هؤلاء العلماء الخمسة، وإن كانت هذه المنطلقات ذاتية، إلا أن النتائج التي توصلت ليلى إليها، هي نتائج تغني تاريخَنا الأدبي والفكري، وترفع الغطاء عن رجالات قد كانت لهم مساهمات فاعلة ومؤثرة في بثّ الوعي والنهوض من سباتنا، والتركيز على تعزيز الأبعاد الإنسانية في مجتمعاتنا العربية عبر مستوياتها كافة، من دون نسيان الجذور والهوية والأحلام.
ليلى، لا أخفي سعادتي بك اليوم، وبكتابك الغني بالتاريخ والأدب والمعلومات القيّمة. وكلّ ما أرجوه في ختام كلمتي، أن لا تتعبي، وأن تواصلي أعمالَك البحثية المستقبلية بما بدأت به، أي التحلي بسمات: الصبر والتواضع والشغف.
***
* باحث لبناني. أستاذ في الجامعة اللبنانية
* Lebanese researcher. Professor at the Lebanese University
* ألقيت في حفل توقيع كتاب د. ليلى رامز أبو شقرا في مكتبة بعقلين – 22 أيلول 2023
* This speech was delivered at a book signing ceremony for Dr. Laila Ramez Abu Chakra at Baakleen Library – September 22, 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق