نوافذ: لَحْن بَرْبَريّ

لوحة بربرية، لوحة 95 من مجموعة مائة مطبوعة تمثل الأمم المختلفة لبلاد الشام بقلم تشارلز دي فيريول، نقش ب. بارون، 1707-08 بواسطة جان بابتيست فانمور


عبد الحاكم بالحيا *


أنا عرَبيّ فقَطْ حينَ أدخلُ هذي اللُّغةْ
ولكنّني - خارجًا- بَـرْبــريٌّ
فَلي نَسَبٌ في الرياح،
وعائِلةٌ من صَمِيم الحَجَرْ،
ولي إخوَةٌ في الشجَرْ،
وأُمٌّ إلى الرملِ تُنمَى،
وأُختٌ من الطينِ سمراءُ،
أمّا أبي
جبَلٌ راسِخٌ والقدَرْ
أنا عرَبيّ فقَطْ حينَ أَدخلُ هذي اللُّغةْ
فألبَسُ باءً إذا شئتُ، أو ألِفًا بمَقاسِ انْدِغامي مع الكَوْن والأُحجِيَةْ
وأركَبُ كافًا، وإنْ شِئتُ قافًا على حسَبِ الوَقت والحالِ والأغنِيَةْ
وألتحِفُ الحاءَ، أضْطبِنُ النُّونَ، أمشي على الشينِ، أسعَى إلى السينِ
والعَيْنُ ترتادُ ليَ الدربَ كي لا أضِيع ببَيداءِ عُرْيِي وجُوعي
ولكنّني خارجَ الأبجديّةِ خَلْقٌ من الناسِ أكبَرْ
وأكثَر من لُغَتي وصَداها
أنا عرَبيّ ولكنْ فقَطْ حينَ أدخُلُ هذي اللُّغةْ
وفَحْوَايَ أوْسَعُ من صُورَتي، من مَداهـا
مزيجٌ تشَكّل من كلّ لَوْنٍ وصَوْتْ
صَعِيدٌ تَجمّعَ فيه بَنُو صِبْغتي من كُلّ فجّ وبَيْتْ
وتاريخُ قطرةِ ماءٍ على الصخرِ تَنْحَتُ وَجهًا، وتَقْفُو إلَـهـا
أنا واحِدٌ بَيْدَ أنّي كثيرٌ كثيرٌ كثيرٌ بِنَبْضي
بِنَبضي الّذي يملأ الأرضَ من كُلّ بَعضي
ببَعضي الذي هُوَ بالكُلّ: أرضي
وأرضي الّتي هيَ نَبضي
فكذلِك أمضي
أنا واحِدٌ، بَيْدَ أنّي كثِير؛
بِصَوتٍ تَناوَحَ من بُقعةٍ ما مِن الأرض
بِخَطْوٍ إلى الماء يدرُجُ مُتّبِعًا هجسَهُ
بِعَيْن رأتْ ما رأتْ في الأُفُقْ
بثَغْر تبَسّمَ مِن جهةٍ ما من الكَون فابْتسَمَ الكُلّ فِيهْ
بِكُل احْتِراكٍ، وكُلّ احْتِراثٍ، وكلّ اجْتراح
تدُورُ على نفسِها الأرضُ بِهْ ،
يَسِيرُ على رِسْلِهِ الكَوْنُ لَهْ...

***

* شاعر من الجزائر - أستاذ اللغة العربية وآدابها بالتعليم الحكومي العامّ - دكتوراه علوم في النقد الأدبي المعاصر


الحداثة - 213/214 – شتاء 2021 AL- HADATHA - Winter

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ترحب مجلة الحداثة بالتعقيبات أو التصويبات أو التعليقات على ما ينشر فيها من أبحاث ودراسات، وتنشرها بحسب ورودها.
Al-Hadatha Journal welcomes any comments, corrections, or comments on the research and studies published in it, and publishes them as they are received.