♦ رضوانة يحيى راغبي *
نبذة عن البحث:
يسجل التاريخ أنه مع قيام أية ثورة ومنذ لحظات الانتصار الأولی، تبدأ معالم التغيير السياسي والاجتماعي في البنی المجتمعية، ومع مرور الوقت تتسع دائرة التأثير الثوري لتطال الجوانب الثقافية والأدبية كافة، وما يتمخض عنها من رؤی فكرية ومدارس أدبية جديدة. والمتمعن الجيد في الأدب الإنساني يلاحظ أن الأدب مظهر من مظاهر الفكر والمشاعر والعواطف التي يعيشها الشاعر كباقي أفراد مجتمعه ليعبّر عنها بقلمه النابض بالإحساس والخيال. تتجلی هذه المشاعر في أبعادها النفسية والذهنية والوجدانية، وتعكس بعمق خيال الشاعر الخصب، وتوقه إلی سبر أغوار المجهول واستكشاف رموز العالم المخفية. إنها لحظات تجلي تطوف بغمام سحرها الندية فوق ظلال روحه العطشی فتنديها بلطف حنينها الأبدي.
من هنا نری الشاعر والأديب ينسجان أحلامهما علی رصيف الحقيقة لتطال عنان السماء. إنها ديناميكية المادة والروح التي يعتقد البعض خاطئًا أن هذا النسيج هو محاكاة رومانسية فحسب، بعيدًا من الواقع والمجتمع وهمومه، إلا أن التجارب الأدبية تؤكد أن إنسانية الأديب تجعله دائمًا يمشي جنبًا إلی جنب مع هموم المجتمع وآلامه ومعاناته، كيف لا؟ والمجتمع ميدانه وثمرة عصارة جهده، فلا حركة من الفراغ ولا بداية من اللاشيء وخصوصًا في عالم الأدب والإبداع.
أثبت الأدب الثوري حضوره كعلامة فارقة في تاريخ الاجتماع السياسي وحركة الشعوب، بعد أن تبنی خطّها ورسالتها لما تحمله من قيم إنسانية تناضل من أجلها. وقد بدا هذا جليًا في الأدب الذي ولد من رحم المرحلة الثورية في نهاية سبعينيات القرن الماضي في إيران مع كل التغييرات التي طالت بنية المجتمع الإيراني العريق في الحضارة كجبال "البرز" الشامخة، والغنية والواسعة كأحلام بحر "الخزر".
قد نستطيع القول إن تأثر الشعراء بالمعارف والثقافة الإسلامية، والمفردات والمضامين الدينية الحاضرة بقوة في الأعمال الشعرية لهذه المرحلة، جعلها من أخصب وأغنى مراحل الشعر الفارسي. لقد تلاحم الفن والأدب في تلك اللحظات والروح الشاعرية والأدبية التي نهضت من حنايا الشعب لتعبّر عن آماله وآلامه في لهيب من الإيثار اللامع الذي يضاهي النجوم ببريقها الخلاب. لقد بدأ الشعب الإيراني يعيش حالته الوجدانية والعاطفية مترشفًا من النبع الزلال للثقافة الإسلامية التي انعكست في قيمه ومعاييره الأدبية وفي قصائد الشعراء الذين لم يكونوا بعيدين من آلام المجتمع وهمومه، فأنشدوا أشعارهم بما يناسب المرحلة الثورية التي أخذت صبغة إسلامية جديدة.
استطاع الأدب الثوري أن يشقّ طريقه كنهر بين مختلف مشاعب الحياة الجامعة للتكوين البشري الإيراني لينعم بين حناياه كل أحلام وآمال ومتناقضات ذاك المجتمع السياسية والاجتماعية والأدبية والفنية، مرتكزًا علی بنية صلبة لطيفة ناعمة في القصة والشعر والنثر تلامسها أنامل السحر الشرقي وتنسج من خيوطها فسيفساء من العظمة والمجد والخلود، كيف لا؟ وحياكة السجاد الإيراني قصة وتاريخ ولغة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق