♦ شيراز علي حميدان
نبذة عن البحث:
"ألاشيا" هو الاسم القديم لجزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط، وهي تقع غربي ساحل بلاد الشام، وتبعد من بيروت حوالي 200 كم، وعن الساحل التركي المقابل حوالي 100 كم. ويختلف الباحثون في دلالة الاسم على الجزيرة كلها أم على جزء منها، لعله الجزء الجنوبي، حيث المواقع: إنكومي Enkomi، ألاسّا Alassa، كالافاسوس Kalavasos[i].
وقد أكدت دراسة علمية مخبرية لطين الرُّقُم (الرسائل) المرسلة من ألاشيا إلى آخت آتون (تل العمارنة، حوالي 50 كم جنوبي مدينة المنيا المصرية) وإلى أوغاريت (رأس شمرا قرب اللاذقية في سوريا)، صلتها الأوثق بالموقعين الأخيرين[ii].
ويبدو اسم الأول منهما ألاسّا Alassa مثيرًا للانتباه في مشابهته للاسم القديم، وربما كان المركز الإداري، وباسمه تُعرف الجزيرة كلها أيضًا.
كشفت تنقيبات أثرية جرت في مواقع عديدة في الجزيرة عن طبقات حضارية، ومكتشفات دالة على الاستيطان البشري فيها منذ العصر الحجري الحديث (الألف السادس ق.م)، واستمر خلال العصور التاريخية القديمة حتى نهاية العصر الروماني[iii]. كما كشف فيها عن كتابات قديمة مكتوبة بنمطين من أنماط الكتابة، هما:
- الكتابة المينوية التي استخدمت بين القرن الخامس عشر والقرن الحادي عشر ق.م.
- الكتابة المقطعية التي تعود شواهدها الكثيرة المكتشفة هناك إلى ما بين القرن السابع والأول ق.م.
وهي نقوش صخرية ومسكوكات معدنية وميداليات. تتحدث هذه الكتابات غالبًا عن تقديم النذور الدينية، وتخلو من معلومات تاريخية تتعلّق بالأوضاع الداخلية في الجزيرة وعلاقاتها الخارجية4.
لهذا فإن معلوماتنا عن تاريخها تعتمد على المصادر الكتابية الخارجية (الأكّدية، الحثيّة، الهيروغليفية المصرية)5. وتعدّ النصوص الأكّدية الأكثر عددًا بينها، وتشمل النصوص المكتشفة في ماري (تل الحريري على نهر الفرات، 10 كم عن مدينة البوكمال السورية)، وتعود إلى القرن الثامن عشر ق.م، ونصوص ألالاخ (تل عطشانه، عند منعطف نهر العاصي نحو البحر، في ولاية هاتاي التركية)، وتعود إلى القرنين السابع عشر والخامس عشر ق.م، ونصوص أوغاريت (راس شمرا قرب اللاذقية السورية) من القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م، ونصوص أرشيف المراسلات المكتشفة في آخت آتون (تل العمارنة)، التي يعتمد عليها هذا البحث.
وتشترك هذه المصادر في أنها تؤكد شهرة ألاشيا بالنحاس (في السومرية URUDU، في الأكّدية erû)، ويوصف نحاسها بالصافي الخالص، ويبدو أنه كان يرد منها كمادة خام في هيئة سبائك، ثم تتم عملية تنظيفه وتصفيته6. وقد كان موجودًا فيها بكميات ضخمة؛ كما يتضح مما سنقرؤه في الرسائل.
***
* دكتورة ورئيسة قسم الفنون والآثار - كلية الآداب والعلوم الانسانية (1) - الجامعة اللبنانية
1- ثمة دراسات كثيرة تناولت مسألة تحديد موقع ألاشيا القديمة، منها:
Lynn Holmes, Y. (1971); Wachsmann, S. (1986); Armstrong, K. M. (2003).
2- Goren, Yuval - Shlomo Bunimovitz, Israel Finkelstein and Nadav Na'Aman (2003).
3- من أبرز الدراسات المتعلقة بآثار جزيرة قبرص، نذكر:
- Dikaios, P. - J.R. Stewart (1962); Astrom, P. (1972a); Astrom, P. (1972b); Astrom, P. L. Astrom (1972).
- Knapp, A. B. (1997); Given, M. et al. (1999); Given, M. J. M. - A. B. Knapp (2002);
Counts, Derek B. - Maria Iacovou (2013).
4- Friedrich (1954) 103 ff.; (1966) 69 ff.; Gelb (1963) 153 ff.
5- تذكر ألاشيا في النصوص الحثية مرارًا، وكانت تستخدم عادة كمنفى لأفراد الطبقة الحاكمة المتمردين على البلاط الحثي، كما استورد منها النحاس والمنسوجات الكتانية، ونوع من المعادن دعي الحجر الأحمر، وكان يستخدم لأغراض طبية علاجية، وكذلك نبات طبي عرف باسم جَيّاتو. راجع: RGTC 6,6 . وثمة نصّ حثّي مطول مهم يتحدث فيه الملك الحثّي شوبيلوليوما الثاني (نحو 1200 ق.م ) عن قيامه بغزو ألاشيا واحتلالها. راجع: Güterbock (1967) 73 ff.
كما ذكرت في عدد من النصوص المصرية، كنص القائمة الطبوغرافية، وبردية أنستاس. وتدل الشواهد الأثرية على صلاتها الوثيقة مع مصر. راجع: Helck ( 1979 ) 42 ff
مجلة الحداثة - عدد 203/204 - خريف 2019